بقلم: د. حسين عبد البصير
الأزياء المصرية القديمة
كانت الأزياء في مصر القديمة شيئًا في غاية الأهمية. وكانت ملكات مصر القديمة ترتدي ثوبين، واحدًا فوق الآخر. وكن يرتدين في الجزء الأسفل ثوبًا فضفاضًا طويلاً أو شفافًا. وعلى سبيل المثال كانت الملكة نفرتاري ترتدي ملابس بيضاء طويلة. وكان هناك حزام حول زيها. وكان من فوق ذلك رداء ذو حمالتين أو ذو كمين طويلين أو قصيرين. وأحيانًا كن يلبس فوق الرداء «روبًا» له كُم طويل ومفتوح.
ظهرت الملكة نفرتيتي، زوجة الملك أخناتون، في تمثال لها في متحف اللوفر بفرنسا بشكل مجسم بدرجة كبيرة، وملابسها شفافة للغاية وملامحها الأنثوية ظاهرة بشكل لافت. كما يوجد على التمثال «تكسيرة» بشكل طولي وعرضي؛ وذلك بسبب دعوة الملك أخناتون الدينية الجديدة التي كانت تقوم على تقديس الإله آتون والديانة الشمسية في شكل قرص الشمس، وكانت تمنح علامة الحياة، وتصل الحياة إلى الشعب عن طريق الملك. وبسبب التأثر بالديانة الشمسية جعلوا الملابس النسائية تشبه أشعة الشمس على جسم الملكة نفرتيتي وبناتها. وكان عندها ست بنات ارتدين مثل تلك الملابس. وحدث ذلك في فترة الملك أخناتون فقط.
أما الرجال فكانوا يرتدون ملابس مختلفة عن النساء، عبارة عن نقبة قصيرة، أي فوق الركبة، وكانت أشبه بـ «الشورت» الحديث. وكانوا يصنعونها من الكتان من قطعتين يربطهما حزام جيدًا. وبالنسبة للجزء الأعلى للرجل، فكان عاريا. وكانت تلك هي ملابس الرجال سواء من الملوك أو النبلاء، ولكن كان الملك يكتب اسمه الخاص به في خرطوش فوق ملابسه.
أما في فصل الشتاء، فكان الرجال يرتدون طبقات من الملابس تغطي جسدهم من الأعلى. وكان للكهنة أشياء إضافية من الجلد يضعونها فوق ملابسهم على الكتف. وكانت ملابسهم طويلة. وكانوا يحلقون الشعر حتى لا تكون به أية حشرات. وكان الكهنة المصريون القدماء على درجة عالية من النظافة. وكانوا يستحمون مرتين في اليوم.
كانت سيدات المجتمع يتشبهن بالملكات ويرتدين ملابس ذات «حملات»، وأشياء تشبه الخرز، وملابس تصنع من دوائر صغيرة، وأحيانًا أخرى من السلك. وكان المصريون القديم يصنعون ملابسهم بشكل متقدم جدًا. وكانوا يصنعون عقدًا أعلى الكتف بحيث كانوا يربطون بها زي النساء. وفي نفس الوقت كانت السيدة ترتدي شالاً فوقه. وكان من الممكن أن يكون الشال طويلاً، يغطي الجسم أو يغطي الكتف.
كانت الطبقة العامة ترتدي ملابس عادية حتى تؤدي مهامها. وكانت طبقة الخادمات في الحفلات والولائم ترتدي ملابس شفافة تستر العورة فقط، شيء أشبه بالبكيني الآن. وكن يرقصن للنساء، وليس للرجال. وكان رقصهن يتم في مجتمع نسائي للترفيه عن النساء فقط.
وكانت ملابس المصريين القدماء محتشمة على عكس تماثيل الفترة الرومانية التي تظهر النساء عاريات الصدور والأعضاء الجنسية. وكان الأطفال المصريون القدماء يصورن عراة، واضعًا الطفل إصبعه في فمه، بينما كانت البنت تظهر بضفيرة شعر، كدليل على الطفولة.
كان الملوك والملكات في مصر القديمة في المناسبات يتزينون بأفضل الأزياء. ويختلفون من خلال التيجان؛ إذ كانت لهم أنواع كثيرة جدًا منها. وهناك العديد من الملكات اللواتي كن يتمتعن بجمال وأناقة. وأبرزهن كانت نفرتاري ونفرتيتي وحتشبسوت.
كانت أغلب ملابس المصريين القدماء تُصنع من الكتان الذي كان يعتبر الأفضل في مصر القديمة. ولم تكن هناك أنواع أخرى منتشرة مثل القطن الذي دخل في عهد محمد علي، أو الحرير. أما الصوف فاعتبره القدماء المصريين ليس طاهرًا. كما استخدموا الكتان في لفائف التحنيط الخاصة بالمتوفى. واستطاعوا التفنن بشكل عام في ألوان الملابس مثل صبغها من نبات النيلة ليعطيها اللون الأزرق. وأيضًا كانوا متميزين في الرسومات على الأزياء والتطريز والنقوش وغيرها. كما كان لديهم خياطون للملابس. وكان البلاط الملكي مليئًا بالكثير من تلك الشخصيات. ونعرف وظائفهم من المقابر. وكان لديهم مصففون للشعر.
الخلاصة أن الرجال كانوا يلبسون في مصر القديمة زيًا قصيرًا، يعرف باسم «النقبة»، وكان يستر العورة والجزء السفلي من الجسد؛ وذلك لطبيعة عمل الرجال خارج المنزل والتي كانت تقتضي من الرجال سهولة وحرية الحركة سواء في الحقول أو في المعارك أو في المعابد وغيرها من الأنشطة التي كان يقوم بها المصري القديم. وكان للملوك في مصر القديمة زيهم المميز، والذي كان يحمل العديد من الشارات الملكية التي تؤكد وتدل على مكانتهم السامية في المجتمع المصري القديم باعتبارهم ممثلي الآلهة على الأرض. وكان صدر الرجال عاريًا غالبًا في معظم مناظر الفن المصري القديم.
وعلى العكس من ذلك نجد أن النساء، خصوصًا نساء الطبقة العليا والنبيلات، كن يلبس زيًا طويلاً وقورًا محتشمًا. وكانت ملابسهن ذات أكمام قصيرة أو طويلة، أو كانت ذات حملات في بعض الأحيان، غير أنها لم تكن عارية الكتفين أو cut، كما حاول البعض تصوير ملكات أو نساء مصر القديمة أو البطلمية على هذا النحو المخالف لحقيقة المجتمع المصري القديم ولقواعد ومناظر الفن المصري القديم.
كانت ملابس الملكات المصريات تمتاز بالطول والجمال والوقار وروعة الأقمشة وبراعة التصميم ودقة الزخرفة. وكانت ملابسهن تتصف بتعدد طبقات الزي، إن كان الزي شفافًا. وعلى العكس من ذلك نجد في بعض الأحيان والمناظر أن زي الخادمات والطبقات المتواضعة كان عبارة عن ملابس تميل للتحرر، وكانت شفافة، وأحيانًا قصيرة، وكانت تظهر أكثر مما تخفي خصوصًا في مناظر الولائم والحفلات وغيرها من المناظر التي كانت ذات مغزى وتم تنفيذها في الفن المصري القديم لأغراض ترتبط بالعالم الآخر. وكانت النساء العاملات أيضًا يلبس ملابس عملية بسيطة، لكنها كانت وقورة.
كانت مصر القديمة مجتمعًا محافظًا للغاية في تصوير النساء. وكانت المرأة ذات أهمية كبرى في المجتمع المصري القديم. هذه هي مصر القديمة التي علمت العالم كله الضمير والأخلاق والقيم وكل شيء جميل وصادق وطيب.
هذه هي مصر القديمة التي أبدعت الجمال والأخلاق والرقي والسمو في العالم كله قبل أن يكون أي عالم غير عالم المصريين القدماء.
سحر نهر النيل الخالد
لقد صوّر الفكر الديني المصري القديم أن روحًا تكمن وراء ذلك نهر النيل العظيم، تدفع مياه الفيضان حاملة الخصب، وهي روح الإله حعبي، كما جاء في ذلك النص من أنشودة النيل:
«تحية لك يا حعبي، اخرج من هذه الأرض واحضر لتهب مصر الحياة، إنك تخفي مجيئك في الظلمات، وتغطي أمواهك البساتين، أنت واهب الحياة لكل ظمآن، عندئذ ارتفعت أصوات الأرض مهللة، البطون فرحة وسعيدة، والزهور تهتز من الضحك والأسنان تمضغ».
تعددت المظاهر المعبرة عن الحياة في الحضارة المصرية. وكان يمثل تلك المظاهر عدد من الآلهة المصرية القديمة، والتي مثلت الحياة المصرية بكل ما بها من حيوية وتفاعل وتناغم. لقد أدرك المصريون القدماء أهمية النيل منذ أقدم العصور، فاجتهدوا في ابتكار طرق للإفادة من مياه النهر وتنظيم الري وحفر الترع لزراعة أكبر مساحة ممكنة من أرض الوادي؛ وذلك لأن النيل كان الأساس الذي اعتمدت عليه الحياة في مصر القديمة. وكان الإله حعبى هو إله النيل عند المصريين القدماء. واعتبروه جالب السعادة. وأطلق المصريون القدماء على نهر النيل في اللغة المصرية القديمة صفة «إيترو عا»بمعنى «النهر العظيم». وتشير الأصول اللغوية لكلمة النيل، «نيلوس»، إلى أنها من أصل يوناني.
لاحظ المصريون القدماء فيضان النيل وانحساره في أوقات مناسبة على نحو يمكن إفادة أرض مصر منها؛ إذ كان يفيض في الصيف والأرض في أشد الحاجة إلى الماء، يغمرها ويجدد حياتها، وكان ينحسر في وقت يناسب الزراعة، فتُبذر الحبوب، فكانت بداية اهتداء المصريين القدماء لفكرة التقويم.وارتبطت حياة المصريين القدماء وأقدارهم بنهر النيل منذ القدم. وقاموا بتمجيد النيل؛ لأنه كان إله الخصب والنماء الذي كان يمنع عنهم القحط والجدب. وكانوا يذهبون إلى المعابد؛ كي يقدموا القرابين إن تأخر الفيضان عن موعده السنوي.وكان قدماء المصريين يحترمون النيل احترامًا كبيرًا. وذكروا أن النيل مولود من الإله رع؛ أي أنه ابن أعظم الآلهة المصرية القديمة، ويقترب ذلك المعنى مما وجدناه في إحدى البرديات التي تقول: «إنك أيها الراحل في مقام الخلود، سيفيض عليك النيل في مضجعك الأخير أثرًا من بركاته؛ لأن ماءَه آتٍ من أسوان».وكانوا يسمون النهر»إيتِ نترو» أي «أبو الآلهة». وقال هيرودوت: «إن النيل تُعرف بدايته بعد سفر أربعة أشهر، سواء كان ذلك برًّا أو بحرًا، وهي المدة التي كان يستغرقها المسافر في وصوله إلى أسوان».
كان قدماء المصريين يعتقدون أن النيل الذي تروى منه أقاليم الصعيد نيلًا خاصًّا. وأطلقوا عليه «حعبي رسيت»، أي «حعبي الجنوبي»، والنيل الخاص بالدلتا دعوه «حعبي محيت»، أي «حعبي الشمالي».وكانوا يصورون النيل الدلتاوي على شكل رجل في قمة الشباب، ضخم الجسم، ثقيل الكتفين، كبير الثديين، يرتدي رداءً عليه ثمار النيل في الصعيد ولونها أزرق، وكانوا يرسمون تمثال النيل الصعيدي على شكل رجل يرتدي رداءً فوقه ثمار النيل الممثلة الدلتا، ولونها أحمر.
كان قدماء المصريين يتغنون بتلك الأنشودة على أوضاع الآلات الموسيقية. وكانوا يلقبون الإله المقدس حعبي بإله الخصب والأب المربي. وتم تصوير حعبي في صورة إنسان يحمل فوق رأسه نباتات مائية، ويظهر جسده معالم الجنس الذكرى والأنثوي في نفس الوقت، فتظهر ملامح الذكورة في عضلات أرجله وذراعيه، وتظهر ملامح الأنوثة في الصدر والبطن، وهى ترمز إلى الأرض التي كان يتم تخصيبها بمياه الفيضان؛ فقد كان هو سيد النهر، الذى يجلب النماء، وسيد أسماك وطيور المستنقعات مما يرمز إلى أنه منح المصريين تلك المخلوقات مع النيل نفسه، ولذلك فقد صُور في المعابد وهو يحمل القرابين كتقدمات للأرباب، كأحد أهم أرباب الخصوبة الآخرين التي كانت تحمل التقدمات للمعابد كهبة وإمدادات لأصحاب المعابد. وكانت تماثيل حعبي تظهره وهو يحمل مائدة التي كان عليها مختلف أنواع القرابين. وكان من تماثيل النيل ما هو مختلف اللون؛ فبعضها أحمر، وبعضها أزرق يحمل على رأسه البردي واللوتس، رمزا الدلتا والصعيد. وبعض تلك المناظر مصور على جدران معبد سيتي الأول بأبيدوس ومعبدي أدفو ودندرة.
حعبي على كرسي العرش
ظهر حعبي على كرسي العرش وهو يقوم بربط زهرة اللوتس ونبات البردي كرمز لوحدة البلاد، ويرمز ذلك إلى دوره في توحيد الجزء الشمالي والجنوبي للبلاد. وكان حعبي يعيش في الكهف الذي كان يخرج منه فيضان النيل، وكانوا يصورونه على هيئة شخص بدين منبعج البطن ذي ثديين متدليين ولونوه بلون أخضر وأزرق، أي بلون مياه الفيضان وكان عاري الجسم طويل الشعر. وكان حعبي يُعبد عادةً في الأماكن التي يكون فيها النيل عنيفًا، مثل منطقة جبل السلسلة، وقرب منبع النهر، حيث كان يفترض أن ذلك المعبود يسكن في كهف بالقرب من أسوان، وبخلاف ذلك قُدس حعبى في العديد من المعابد الكبرى خارج أماكن عبادته الرئيسة. ووردت الإشارة إليه في العديد من الترانيم الدينية في الاحتفالات المختلفة على مدى العام. ومن الغريب أن قدماء المصريين شيدوا المعابد الكثيرة لآلهتهم، ولم يقيموا أي معبد للنيل.
كانت تُقام سنويًا أنواع عديدة من الاحتفالات والطقوس الدينية للإله حعبي عند موقعين: الأول كهف حعبي في مضيق قرب أسوان، والآخر في بيت حعبي على مقربة من القاهرة، حيث كانوا يقذفون في النيل الكعك وحيوانات الضحية والفاكهة والتمائم لتثير قوة الفيضان وتحافظ عليه، وكذلك تماثيل الإناث لتثير إخصاب النيل العظيم فيفيض في أمواج عاتية معطيًا الحياة للأرض.
وذكر عن حعبي في التراتيل المصرية القديمة ما يلي:
«حعبي، أبو الآلهة، الذي يغذي ويطعم ويجلب المئونة للبلاد كلها، الذي يهب كل فرد الحياة في اسم قرينه ويأتي الخير في طريقه والغذاء عن أصابعه ويجلب مجيئه البهجة لكل إنسان، إنك فريد، أنت الذي خلقت نفسك من نفسك، دون أن يعرف أي فرد جوهرك».
لنا تكملة في العدد القادم