بقلم: د. حسين عبد البصير
الكتب الدينية المصرية القديمة
تركت لنا مصر القديمة تراثًا دينيًا كبيرًا وثريًا للغاية. ونطلق عليها هنا لفظ «الكتاب» أو «الكتب»، وهو اصطلاح شائع؛وذلك لأن مصر القديمة لم تكن تعرف «الكتاب» أو»الكتب»، كما نعرفها في الوقت الحالي. وفي حقيقة الأمر، فقد كانت عبارة عن مجموعة من النصوص أو التعاويذ الدينية التي كانت تُكتب على مواد متنوعة مثل جدارن المقابر، أو جدارن التوابيت،أو أوراق البردي أو غيرها؛ كي تؤمن رحلة المتوفى في العالم الآخر في مصر القديمة. وكعلماء آثار في العالم أجمع، نستخدملفظ «الكتاب» أو «الكتب»بشكل مجازي؛وذلك لتقريب الفكرة إلى الأذهان، على الرغم من عدم مطابقة اللفظ لحقيقة الأمر في مصر القديمة آنذاك.
كان عدد كبير من النصوص مثل نصوص أو متون الأهرام، ونصوص أو متون التوابيت، وكتاب الموتى، أو «برت إم هرو» في اللغة المصرية القديمة أي «الخروج في النهار» في اللغة العربية، وكتب التنفس، وكتاب الإيمي دوات أو «ما هو موجود في العالم السفلي»، وتعويذة الكهوف الاثنى عشر، وكتاب البوابات، و»الكتاب المبهم» المصور على مقاصير دفن الملك توت عنخ آمون، وكتاب الكهوف، وكتاب الأرض، وكتاب البقرة السماوية، وكتاب الليل، وكتاب النهار، وأنشودة رع وغيرها الكثير. هنا نلقي الضوء على بعض من تلك الكتب الخاصة بالعالم الآخر في مصر القديمة.
نصوص الأهرام هي أقدم النصوص الجنائزية المصرية القديمة، ويرجع تاريخها إلى أواخر الدولة القديمة. وهي أقدم مجموعة معروفة من النصوص الدينية المصرية القديمة. ونُقِشت نصوص الأهرام المكتوبة بالمصرية القديمة على الجدران الداخلية في الأهرامات في سقارة منذ نهاية الأسرة الخامسة، وطوال الأسرة السادسة للدولة القديمة، وإلى الأسرة الثامنة من عصر الانتقال الأول. وخلال عصر الدولة القديمة (2686 قبل الميلاد – 2181 قبل الميلاد)، كان من الممكن العثور على نصوص الأهرام في أهرامات الملوك بالإضافة إلى ثلاث ملكات.
ونصوص التوابيت هي مجموعة من التعاويذ الجنائزية المصرية القديمة المكتوبة على التوابيت ابتداء من عصر الانتقال الأول. وهي مشتقة جزئيًا من نصوص الأهرام السابقة، والتي كانت مخصصة للاستخدام الملكي فقط، ولكنها نصوص التوابيت تحتوي على مواد جديدة جوهرية تتعلق بالرغبات اليومية، مما يشير إلى جمهور مستهدف جديد من عامة الناس. كان المصريون العاديون الذين يستطيعون تحمل تكلفة التابوت يمكنهم الوصول إلى هذه التعاويذ الجنائزية ولم يعد للفرعون حقوقًا حصرية في الحياة الآخرة. وكما يوحي الاسم الحديث لهذه المجموعة المكونة من حوالي 1185 تعويذة، فقد تم نقشها في الغالب على توابيت الدولة الوسطى. كما تم كتابتها أحيانًا على جدران المقابر، والأواني الكانوبية، والبرديات، وأقنعة المومياوات. ونظرًا لمحدودية أسطح الكتابة لبعض هذه الأشياء، غالبًا كانت التعويذات مختصرة.
كان كتاب الموتى، الذي كان يتم وضعه في تابوت أو حجرة دفن المتوفى، جزءًا من تقليد النصوص الجنائزية التي تضمنت نصوص الأهرام السابقة ونصوص التوابيت، والتي كانت مرسومة على أشياء غير مكتوبة على ورق البردي. وتم استخلاص بعض التعاويذ من تلك الأعمال القديمة. وتم تأليف التعاويذ الأخرى في وقت لاحق في التاريخ المصري، ويرجع تاريخها إلى الفترة الانتقالية الثالثة (القرنين الحادي عشر إلى السابع قبل الميلاد). واستمرت كتابة عدد من التعويذات بشكل منفصل على جدران المقابر والتوابيت.
لم يكن هناك كتاب واحد أو كتاب قانوني للموتى. وتحتوي البرديات الباقية على مجموعة متنوعة من النصوص الدينية والسحرية وتختلف بشكل كبير في الرسوم التوضيحية. ويبدو أن بعض الناس قد طلبوا نسخًا خاصة بهم من كتاب الموتى، وربما اختاروا التعاويذ التي اعتقدوا أنها أكثر حيوية في تقدمهم إلى الحياة الآخرة. وكان كتاب الموتى يُكتب بشكل أكثر شيوعًا بالخط الهيروغليفي أو الهيراطي على لفافة من البردي، وغالبًا ما كان يتم تصويره بصور صغيرة تصور المتوفى ورحلته إلى الحياة الآخرة. إن أفضل مثال موجود لكتاب الموتى في العصور القديمة هو بردية آني. وكان آني كاتبًا مصريًا. وتم اكتشافه في عام 1888 ميلادية وتم نقله إلى المتحف البريطاني، حيث يوجد حاليًا.
كتاب البوابات هو نص جنائزي مصري قديم يعود تاريخه إلى عصر الدولة الحديثة. ويروي مرور روح المتوفى حديثًا إلى العالم التالي، بما يتوافق مع رحلة الشمس عبر العالم السفلي خلال ساعات الليل. وكان يجب على الروح أن تمر عبر سلسلة من «البوابات» في مراحل مختلفة من الرحلة. وكانت ترتبط كل بوابة بآلهة مختلفة، وتتطلب أن يتعرف المتوفى على الشخصية الخاصة بذلك الإله. ويشير النص إلى أن بعض الناس كانوا سوف يمرون دون أن يصابوا بأذى، لكن الآخرين سيعانون من العذاب في بحيرة النار.
كتاب الكهوف هو كتاب مصري قديم مهم في العالم السفلي في الدولة الحديثة. ومثل جميع كتب العالم السفلي الأخرى، فهو موثق أيضًا داخل مقابر الملوك لصالح المتوفى. ويصف رحلة إله الشمس رع عبر كهوف العالم السفلي الستة، مع التركيز على التفاعل بين إله الشمس وسكان العالم السفلي، بما في ذلك مكافآت الصالحين ومعاقبة أعداء النظام الدنيوي. ويعتبر كتاب الكهوف أحد أفضل مصادر المعلومات حول المفهوم المصري للجحيم. ونشأ كتاب الكهوف في القرن الثالث عشر قبل الميلاد في عصر الرعامسة. وتوجد أقدم نسخة معروفة من هذا العمل على الجدار الأيسر من الأوزيريون في أبيدوس. ويظهر لاحقًا في مقبرة رمسيس الرابع بوادي الملوك.
كتاب الإيمي دوات أو «ما هو موجود في العالم السفلي» أو «ما في الآخرة، وتُرجم أيضًا باسم «نص الغرفة المخفية الموجودة في العالم السفلي» أو «كتاب ما في الجحيم»، هو نص جنائزي مصري قديم مهم في الدولة الحديثة. ومثل العديد من النصوص الجنائزية، تم العثور عليه مكتوبًا داخل مقبرة الفرعون للرجوع إليه. وعلى عكس النصوص الجنائزية الأخرى، فقد كان مخصصًا فقط للفراعنة (إلى الأسرة الحادية والعشرين على وجه الحصر تقريبًا). ويحكي قصة رع، إله الشمس الذي يسافر عبر العالم السفلي، من الوقت الذي تغرب فيه الشمس في الغرب وتشرق مرة أخرى في الشرق. ويقال إن الملك الميت كان يقوم بتلك الرحلة نفسها؛ كي يصبح في النهاية متحدًا مع رع ويعيش إلى الأبد. وينقسم العالم السفلي إلى اثنتي عشرة ساعة من الليل، يمثل كل منها حلفاء وأعداء مختلفين للفرعون/إله الشمس. وذلك الكتاب يسمي كل هذه الآلهة والوحوش. والغرض الرئيس من ذلك الكتاب هو إعطاء أسماء تلك الآلهة والوحوش لروح الفرعون الميت، حتى يتمكن من الاستعانة بهم أو استخدام أسمائهم لهزيمتهم. وبالإضافة إلى تعداد وتسمية سكان العالم السفلي، سواء الأشرار أو الأخيار، تُظهر الرسوم التوضيحية للعمل بوضوح تضاريس العالم السفلي. وتم العثور على أقدم نسخة كاملة من ذلك الكتاب في المقبرة رقم 34 في وادي الملوك والخاصة بسيد الملوك المصريين القدماء الملك تحتمس الثالث العظيم.
هذه إطلالة سريعة على بعض الكتب الدينية في مصر القديمة والتي توضح عظمة ورقي الفكر الديني لدى المصريين القدماء.
بردية آني الشهيرة
شكلت الحياة الآخرة لغزًا كبيرًا وأهمية كبيرة عند المصريين القدماء. وتعتبر بردية آني من أشهر البرديات التي تحتوي على كتاب الموتى المصري القديم،أو «برت إم هرو» في اللغة المصرية القديمة أي «الخروج في النهار» في اللغة العربية، المعروف بتعاويذه التي تنتصر للحياة وتقهر الموت وتأهل للتمتع بحياة أبدية ليس من ورائها فناء.
تعد بردية آني مخطوطة من ورق البردي على شكل لفيفة مكتوب ومصور عليها حروف هيروغليفية ورسوم توضيحية ملونة. وترجع إلى عام 1250 قبل الميلاد، أي من عصر الأسرة التاسعة عشرة في عصر الدولة الحديثة في مصر القديمة. وجمع المصريون القدماء كتابًا فرديًا عبارة عن مجموعة من التعاويذ الحامية؛ كي يصاحب ذلك الكتاب الأفراد عند وفاتهم، يُدعى كتاب «الخروج في النهار»، أو المعروف بالاسم الشائع «كتاب الموتى» في العالم كله، والذي كان يحتوي عادةً على عبارات وتعاويذ لمساعدة المتوفى في حياته الآخرة. وبردية آني هي المخطوطة التي جمعت لكاتب طيبة المدعو آني.
تم اكتشاف اللفيفة في الأقصر عام 1888 ميلادية من قبل بعض المصريين الذين كانوا يتاجرون آنذاك في الآثار بشكل غير مشروع. وحصل عليها السير البريطاني إي أيه واليس بدج، كما أوضح في سيرته الذاتية المعروفة باسم «عن طريق النيل ودجلة». وبعد وقت قصير من رؤية بدج للبردية لأول مرة، ألقت الشرطة المصرية القبض على العديد من تجار الآثار وأغلقت منازلهم، وكان أحد تلك المنازل يحتوي على الأشياء التي اشتراها بدج من التجار. وقام بدج بتشتيت انتباه الحراس من خلال تقديم وجبة لهم، بينما كان السكان المحليون يحفرون نفقًا تحت جدران المنزل لاستعادة الأشياء، بما في ذلك بردية آني. وتم تخزين أوراق البردي والأشياء الأخرى التي حصل عليها بدج في عدة صناديق مخصصة من الصفيح، ثم تم تهريبها إلى أمين المكتبة الرئيس في المتحف البريطاني في لندن. وبعد ذلك، دفع بدج «مكافأة» قدرها 150 جنيهًا استرلينيًا من وزارة الخزانة البريطانية نيابة عن المتحف البريطاني للحصول على البردي.
صارت بردية آني الآن من أشهر البرديات المعروضات في المتحف البريطاني في لندن. وتعد سجلاً حافلاً عن معتقدات المصريين القدماء عن عالم الآخرة.
مقبرة الملك رمسيس السادس
الملك رمسيس السادس هو ابن الملك رمسيس الثالث،آخر ملوك مصر العظام، والملكة إيزيس تا حم جرت. بنى لأمه مقبرة في وادي الملكات بالبر الغربي لمدينة الأقصر. وتولىالحكم بعد ابن أخيه الأكبر الملك رمسيس الرابع، وأعني الملك رمسيس الخامس، الذي لم ينجب أولادًا. وكان عليه أن يجعل من فترة حكمه فترة عظيمة، كسابقيه من الملوك الرعامسة، رغم قصر مدة حكمه وقلة الامكانيات في عهده، فقام بتخفيض عدد العمال والفنيين العاملين في منطقة دير المدينة بالبر الغربي لمدينة الأقصر. وقام بدفن سلفه وابن أخيه الملك رمسيس الخامس في مقبرة مجهولة في جبانة طيبة. واغتصب مقبرة الملك رمسيس الخامس لنفسه ووسعها وزينها. غير أن الملك رمسيس السادس قد أتم الأعمال التي بدأها من سبقه من أسلافه الملوك في المعبد الجنائزي في منطقة القرنة في البر الغربي لمدينة الأقصر. وقام بكتابة اسمه على بعض الآثار بدلاً من الملكين رمسيس الرابع ورمسيس الخامس. ونصب ابنته، كزوجة إلهية للإله آمون، إلى جانب كبير الكهنة المدعو رمسيس نخت الذي قام بهذه الوظيفة منذ عهد الملك رمسيس الرابع إلى عهد الملك رمسيس التاسع.
ولنا تكملة في العدد القادم