بقلم: د. حسين عبد البصير
مقبرة الملك رمسيس السادس
الملك رمسيس السادس هو ابن الملك رمسيس الثالث،آخر ملوك مصر العظام، والملكة إيزيس تا حم جرت. بنى لأمه مقبرة في وادي الملكات بالبر الغربي لمدينة الأقصر. وتولىالحكم بعد ابن أخيه الأكبر الملك رمسيس الرابع، وأعني الملك رمسيس الخامس، الذي لم ينجب أولادًا. وكان عليه أن يجعل من فترة حكمه فترة عظيمة، كسابقيه من الملوك الرعامسة، رغم قصر مدة حكمه وقلة الامكانيات في عهده، فقام بتخفيض عدد العمال والفنيين العاملين في منطقة دير المدينة بالبر الغربي لمدينة الأقصر. وقام بدفن سلفه وابن أخيه الملك رمسيس الخامس في مقبرة مجهولة في جبانة طيبة. واغتصب مقبرة الملك رمسيس الخامس لنفسه ووسعها وزينها. غير أن الملك رمسيس السادس قد أتم الأعمال التي بدأها من سبقه من أسلافه الملوك في المعبد الجنائزي في منطقة القرنة في البر الغربي لمدينة الأقصر. وقام بكتابة اسمه على بعض الآثار بدلاً من الملكين رمسيس الرابع ورمسيس الخامس. ونصب ابنته، كزوجة إلهية للإله آمون، إلى جانب كبير الكهنة المدعو رمسيس نخت الذي قام بهذه الوظيفة منذ عهد الملك رمسيس الرابع إلى عهد الملك رمسيس التاسع. وفي عهد الملك رمسيس السادس، كان الوضع الاقتصادي في تدهور تام. وكانت عصابات النهب منتشرة بكثرة في منطقة طيبة أو مدينة الأقصر الحالية.ومات الملك رمسيس السادس بعد فترة حكم دامت حوالي ثمانية سنوات وخلفه الملك رمسيس السابع. ودُفن الملك رمسيس السادس في المقبرة رقم 9 في وادي الملوك بالبر الغربي لمدينة الأقصرالتي نهبت بعد نهاية حكم عصر الأسرة العشرين. ونقلت مومياء الملك رمسيس السادس إلى خبيئة المومياوات التي وجدت في مقبرة الملك أمنحتب الثاني أو المقبرة رقم 35 من مقابر وادي الملوك حيث تم العثور عليها فيها.
ربما دفن سلفه الملك رمسيس الخامس في المقبرة رقم 9 بوادي الملوك في البداية لفترة قصيرة من الوقت؛ كي يتم انقضاء الوقت اللازم لإعداد مقبرة أخرى غير مزخرفة له، على الأرجح؛ وكي يتم قطعها له في مكان آخر في وادي الملوك، والتي لم يتم اكتشافها إلى الآن. وعلى أية حال، أمر الملك رمسيس السادس بتجديد المقبرة رقم 9 في وادي الملوك بالكامل لنفسه مع عدم ترك أية مساحة فيها لدفن ابنه أخيه وسلفه الملك رمسيس الخامس. وتم ذلك غالبًا في السنة الثانية من حكم الملك رمسيس السادس على العرش؛ وربما يرجع ذلك لأن الاستقرار قد عاد إلى طيبة في ذلك الوقت. وقد يدل اغتصاب مقبرة الملك رمسيس الخامس من قبل الملك رمسيس السادس على أنه لم يكن يهتم اهتمامًا كبيرًا بسلفه؛ مما قد يفسر لنا سبب محو اسم الملك رمسيس الخامس واستبداله باسم الملك رمسيس السادس في أكثر من مناسبة. وقد يكون ذلك قد حدث؛ بسبب قيام الملك رمسيس السادس بعدد من الإجراءات الاقتصادية التي دفعته للقيام بذلك.
وقد أدت أعمال التجديد للمقبرة رقم 9 في وادي الملوك والخاصة بالملك رمسيس السادس لنا خدمة جليلة؛ إذ كانت مسؤولة عن الحفاظ على مقبرة الملك توت عنخ آمون من السرقة والضياع إلى أن اكتشفها هوارد كارتر في يوم 4 نوفمبر عام 1922 ميلادية؛ وحدث ذلك بسبب أن مدخل مقبرة الملك توت عنخ آمون قد تم دفنه تحت الأكواخ التي بُنيت للعمال والفنيين العاملين في بناء وتزيين مقبرة الملك رمسيس السادس. ويبدو أن هذه الأعمال قد اكتملت في السنة السادسة من حكم الملك رمسيس السادس. وصارت المقبرة جاهزة أخيرًا لدفن الملك رمسيس السادس في العام الثامن من حكمه على عرش مصر. وربما كان الملك رمسيس السادس في ذلك الوقت مريضًا وكان يقترب من الموت بشدة. وبمجرد الانتهاء من بناء وتزيين مقبرته الملكية في وادي الملوك، كانت المقبرة رقم 9 بطول 104 أمتار. وشملت مقبرته على واحد من ثلاث نسخ كاملة فقط من «كتاب البوابات» المعروف من بين أبرز الكتب الجنائزية الملكية في مصر القديمة، بالإضافة إلى نسخة كاملة من «كتاب الكهوف»، و»كتاب ما هو موجود في العالم السفلي» أو «الإيمي دوات»، و»كتاب البقرة السماوية»، و»كتاب الليل»، و»كتاب النهار». وتعد مقبرة الملك رمسيس السادس في وادي الملوك سجلاً حافلاً للكتب الدينية في مصر القديمة في عصر الإمبراطورية أو عصر الدولة الحديثة.
بعد ما يقرب من مرور 20 عامًا على دفن الملك رمسيس السادس، تمت على الأرجح سرقة مقبرته ونهبها من قبل لصوص المقابر والآثار، الذين قاموا بالعبث بيديَّ وقدميَّ مومياء الملك رمسيس السادس للوصول إلى المجوهرات الملكية التي كانت موجودة في مقبرته. وجاء ذكر تلك الأحداث التي حدثت في عهد رمسيس الحادي عشر في بردية «ماير ب»، على الرغم من أن تحديد المقبرة المذكورة في هذا المصدر غير مؤكد لنا تمامًا. وتم نقل مومياء الملك رمسيس السادس بعد ذلك إلى المقبرة 35 من مقابر وادي الملوك، والتي تخص الملك أمنحتب الثاني، في عهد الملك الكاهن بينجم في أوائل عصر الأسرة الحادية والعشرين، حيث اكتشفها فيكتور لوريهعام 1898 ميلادية.وأوضح لنا الفحص الطبي للمومياء أن الملك رمسيس السادس قد توفي عن عمر يناهز الأربعين عامًا. وأظهرت الدراسات التي تمت على مومياء الملك رمسيس السادس أن ضررًا شديدًا حدث في موميائه، وأن تكسرًا بفأس لصوص المقابر والآثار أصاب رأس الملك وجذعه، وصارا إلى عدة قطع.
في عام 1898 ميلادية، قام جورج إميل جول دارسي بتنظيف المقبرة رقم 9 من مقابر وادي الملوك، والتي ظلت مفتوحة منذ العصور القديمة. وكشف عن أجزاء من صندوق كبير من الجرانيت، بالإضافة إلى العديد من القطع من التابوت الحجري الخاص بمومياء الملك رمسيس السادس. ويوجد وجه التابوت الآن في المتحف البريطاني في لندن. وتم ترميم التابوت الحجري في عام 2004 ميلادية بعد عامين من العمل على أكثر من 250 قطعة تم العثور عليها في المقبرة حيث يعرض الآن. وحاولت مصر إعادة وجه التابوت من المتحف البريطاني إلى مصر، لكن دون جدوى.
طعام الآلهة المقدس
لا يوجد شعب في العالم كله يعشق الغذاء، ويحافظ على العادات الغذائية عبر الزمن، ويبدع في فنون الغذاء باستمرار، ويتواصل فيه الماضي مع الحاضر، مثل الشعب المصري الذي يختلف كلية عن غيره من الشعوب والثقافات قاطبة في البلدان العربية والأجنبية. وتشمل ثقافة الغذاء المأكولات والمشروبات وكل ما يتغذى عليه الإنسان. وتعتبر أشكال وطقوس وعادات وتقاليد وأنواع الغذاء في مصر راسخة وعميقة قدم الحضارة المصرية نفسها. ويعد الطعام المصري الحديث من أهم العادات الموروثة من مصر القديمة منذ أكثر من سبعة آلاف عام.
يعد الطعام في مصر القديمة من أهم الأشياء التي كان المصريون القدماء يحرصون على وجودها معهم في العالم الآخر مع الأثاث الجنائزي الذى كانوا يضعونه في مقابرهم، وكذلك من خلال تصوير الطعام والقرابين وموائد الطعام في المناظر العديدة التي تركوها على جدران مقابرهم ومعابدهم. وكان المصريون القدماء يقدمون القرابين عند زيارة موتاهم في المقاصير العلوية للمقابر، وهناك قرابين مصورة على الجدران، علاوة على قرابين فعلية في حجرة الدفن كان من المعتقد أن المتوفى سوف يستعملها عند بعثه للحياة مرة أخرى في العالم الآخر كما كان يعتقد المصريون القدماء في البعث والخلود. وهي نفس العادات التي يقوم بها المصريون حاليا حين يزورون موتاهم ويقدمون الأطعمة المختلفة مثل الكحك والفطائر والبلح والجوافة في العديد من المناسبات رحمة ونورًا على أرواح موتاهم.
في حجرة الدفن الخاص بمقبرة أحد الكهنة في سقارة، تم العثور على إناء على شكل إوزة وبه بعض العظام. ووُجد في مناظر موائد القرابين المصورة على جدران إحدى مقابر منطقة سقارة 16 نوعا من الخبز و6 أنواع من النبيذ و4 أنواع جعة و11 نوعًا من الطيور. ووجد في مقبرة الفرعون الذهبي الملك توت عنخ آمون بقايا مأكولات كثيرة جدًا. ومنها إناء جعة ذات نسبة كحول كبيرة جدًا. وكانت وما تزالالبوظة،والتيتُصنعمن الدقيق والسكر والماء، هي المشروب الرسمي للصعايدة؛ لأنها تقهر العطش، وتحديدًا في مدينة الأقصر، وفي غيرها من مدن مصر في الدلتا والصعيد.ويشربها العامة، خصوصًا من البسطاء لرخص ثمنها؛ كي تطرد الأملاح وتنشط الكلى. ويحرص أهل الصعيد المصري،خصوصًا في محافظة سوهاج،على الإفطار بالخبز وببصلتين وطبق فول وجبنة قديمة. ويحلون ويشربون مشروبالبوظة لذيذ المذاق.
كان الخبز والجعة من أهم الأطباق المنتشرة في مصر القديمة، مع بعض من البصل والثوم والعدس والكرات والفجل والخس والخيار. ويعد التين والجميز والنبق والعنب والرمان والبطيخ والبرقوق من بين الفاكهة المستمرة من أيام المصريين القدماء. وعرف المصريين القدماء أيضًا الحساء المطبوخ. وكان من بين أشهر ما يقدم في القرابين الخبز والفطائر والجعة والفاكهة والعسل والبلح والزبيب واللبن والإوز والعجول. ووجد في مقابر المصريين القدماء أطعمة كثيرة مثل قطع اللحوم والحبوب والخبز والسمك والحساء والفاكهة والنبق والفطائر والعسل والخمر. وعمرت موائد نبلاء المصريين القدماء بالثيران والإوز والجعة والنبيذ والفاكهة والخبز. ويجفف المصريون بعض الأطعمة لاستخدامها بعد ذلك وهي عادة موروثة من مصر القديمة. وعرف المصريين القدماء تجفيف الفاكهة مثل العنب والبلح والتين. وكان النبيذ واللبن والجعة ضمن مشروباتهم المعروفة. وكان المصريون القدماء يأكلون على موائد صغيرة بها اللحوم والطيور والخضر والفاكهة. وكانت وجبات المصريين القدماء جماعية وعائلية مثلها الآن في مصر المعاصرة.
لنا تكملة في العدد القادم