بقلم: د. حسين عبد البصير
مدير متحف الآثار والمشرف على مركز
د. زاهي حواس للمصريات-مكتبة الإسكندرية
قال البعض عن نبي الإله إدريس أنه هرمس الهرامسة، أي حكيم الحكماء، وخاط الثياب، وكان مثالاً للحكمة والعلوم الرياضية والفلك. وفي هذا ما يتناسب مع كلمة المعلم الأول وحكيم الحكماء، وأن هذا النبي إدريس علّم البشرية أشياء كثيرة قبل الحضارة.ومن الجدير بالذكر أن بعض العلماء والمؤرخين المسلمين زادوا وذكروا أن نبي الله إدريس قد حكم مصر، مثلما ذكر الإمام السيوطي في كتابه «حسن المحاضرة في تاريخ مصر والقاهرة»إن نبي الله إدريس بين من دخلوا مصر من الأنبياء، وذكر أنه عاد إلى مصر، وحكمها وزاد في مسار نهر النيل، وقاس عمقه وسرعة جريانه وكان أول من خطط المدن ووضع قواعد للزراعة وعلّم الناس الفلك والهندسة. وقال إن البعض يدّعي أن أحد أهرامات مصر هي قبر النبي إدريس عليه السلام. وذكر المقريزي أيضًا في كتابه «المواعظ والاعتبار بذكر الخطط والآثار»- أو الخطط المقريزية- أن إدريس كان ملكًا لمصر، وكان أول من بنى بها بيوتًا للعبادة، وأنه أول من علم البشر علم الطب.
لا صلة
غير أن الحقيقة أنه لا توجد هناك أية صلة بين الرب المصري القديم أوزير، أو أوزيريس في النطق اليوناني، ونبي الله إدريس عليه السلام، وليس كذلك أية صلة بين مصر وبناء الأهرامات و»أبو الهول» وعلم التحنيط وغيرها من الأمور التي نُسبت لنبي الله إدريس عليه السلام وذلك النبي. وذكر البعض هذه الأمور ونسبها لنبي الله إدريس دون علم أو دراية. ولميمدنا علم الآثار في مصر وبلاد الشرق الأدنى القديم بكل ما جاء ذكره فيالكتب السماوية المقدسة.
مشوهوحضارة مصر القديمةّ!
يحاول البعض من غير المتخصصين في الآثار المصرية القديمة التصريح بتصريحات غريبة وعجيبة عن الآثار المصرية القديمة. وقد قال أحدهم في لقاء عبر الهاتف في برنامج تليفزيوني إن التوحيد بدأ في مصر في عصر الأسرة الأولى في متون الأهرام. وذكر أنه قد جاء في متون الأهرام من تلك الفترة تعبير «وع وعو» بمعنى «واحد أحد» على حد قوله، وتعبير «نن نسنو» دون أن يشير إلى معناها. ومن المعروف أن كلمة «وع» بمعنى «واحد» في اللغة المصرية القديمة، وتعني «وع وعو»، التي ذكرها أحدهم، «أحد الأحاد»، و»نن» هي أداة النفي، وتعني «بدون» أو «دون» وكلمة «سن» بمعنى «أخ» وجمعها «سنو» بمعنى «دون إخوة»، وليس «نسنو» كما ذكرها أحدهم، أو ربما أراد ذكر كلمة «نثر» بمعنى إله في اللغة المصرية القديمة، وفي ترجمة ما قاله «نن نثرو» بمعنى «دون آلهة»، وهذا يعني الإلحاد وليس التوحيد، ولا ندرى ما علاقة ما قاله بمفهوم التوحيد في مصر القديمة. ولم تأتِ تلك التعبيرات المذكورة في متون الأهرام، التي ظهرت في الأسرة الخامسة وليس في الأسرة الأولى كما ذكر أحدهم، ولا تشير إلى التوحيد من قريب أو بعيد.
توحيد متون الأهرام
أضاف أن التوحيد ظهر في متون الأهرام مكتوبًا بالكتابة الهيروغليفية «نيو كيتر» بمعنى «كفوًا أحد». والحقيقة أن مصر القديمة كان بها تعدد في الآلهة منذ عصر ما قبل الأسرات، وأن التوحيد بمعناه المعروف لدينا في الديانات السماوية لم يكن معروفًا في مصر الفرعونية مطلقًا، وحتى أن دعوة أخناتون كانت دعوة سياسية ولم تكن توحيدية، وكان الهدف منها القضاء على سيطرة الإله آمون وكهنته على موارد الدولة المصرية، ولم يكن الهدف منها التوحيد كما نعرفه اليوم. ولم يُذكر في متون الأهرام «نيو كيتر» بمعنى «كفوًا أحد» كما أدعى أحدهم وجودها في متون الأهرام.
من المعروف أن متون الأهرام هي نصوص كانت تُتلى في مراحل مبكرة من عمر الحضارة المصرية القديمة، ثم تمت كتابتها على جدران حجرات الدفن والممرات المؤدية إليها في أهرام الملوك والملكات في عصر الدولة القديمة. وظهرت أول ما ظهرت في عهد الملك ونيس أو أوناس في نهاية عصر الأسرة الخامسة في هرمه في منطقة سقارة. وكان الهدف منها تأمين رحلة الملك المتوفى في العالم الآخر وتم اعتبار الهرم فيها سلمًا يستخدمه الملك للارتقاء والصعود إلى عالم الآلهة حيث الخلود والأبدية. ومن الجدير بالذكر أيضًا أن بمتون الأهرام ذكر لعدد كبير من الآلهة والإلهات المصرية، فكيف تُذكر بها كلمة التوحيد التي ذكرها أحدهم في وجود هذا العدد الهائل من الآلهة والإلهات المصرية القديمة؟
محاكمة رمسيس الثاني
قال أيضًا إنه تم محاكمة الملك العظيم رمسيس الثاني في محكمة مشكلة من 15 قاضيًا وصدر الحكم بإعدامه وإعدام قاضيين لتحيزهما له. وهذا كلام مخالف للحقيقة التاريخية تمامًا ولا يوجد عليه أي دليل أثري أو تاريخي. ويبدو أن الأمر اختلط عليه وربط بين رمسيس الثاني ورمسيس الثالث. والحقيقة أنه كان هناك صراع وتآمر على عرش الملك رمسيس الثالث بين الزوجة الملكية أم ولي العهد الأصلي والزوجات الثانويات، وأعني زوجته الثانوية الملكة «تي». وكما سبق الذكر، قامت تلك الملكة بمؤامرة ضد حياة الفرعون. وكانت هذه من المرات القليلة التي تحدثنا النصوص الفرعونية عن شيء كهذا. ونعلم عن تلك المؤامرة من المحاكمات التي تمت للمتهمين من بردية تورين القضائية. وتعرف المؤامرة بـ «مؤامرة الحريم». وشارك في المؤامرة عدد من حريم القصر الملكي وبعض سقاة البلاط وحرسه وخدمه. ولم يعرف هدف هؤلاء المتآمرين. ولعل السبب الأساس لتلك المؤامرة أن هذه الملكة الثانوية «تي» بالتعاون مع بعض نساء القصر خططت لاغتيال الملك كي تضع ولدها «بنتاورت» على عرش مصر بدلاً من ولى العهد الشرعي، الملك رمسيس الرابع بعد ذلك. وانكشفت المؤامرة، وحُقق فيها بأمر من الفرعون. وحكمت المحكمة على المتهمين بأحكام تتراوح بين الإعدام والانتحار والجلد والسجن وقطع الأنف وصلم الأذن والبراءة، كل وفقًا لدوره وجريمته في تلك المؤامرة المشينة. ومن المعروف أن هناك مومياء لرجل غير معروف في المتحف المصري بميدان التحرير. وتعرف علميًا بـ «مومياء الرجل غير المعروف إي». ويشيع تعريفها بـ «المومياء الصارخة» أو «مومياء الرجل الصارخ»، كما سبق ذكر ذلك.
مومياء الملك رمسيس الثالث
كما سبق الذكر، أثبتت الدراسات الحديثة التي قام بإجرائها فريق دراسة المومياوات الملكية المصري برئاسة الدكتور زاهي حواس على مومياء الملك رمسيس الثالث والمومياء غير المعروفة في المتحف المصري في ميدان التحرير أنه تم قتل الملك بقطع رقبته من الخلف بسكين حاد. وأثبتت نفس الدراسات الحديثة أن «مومياء الرجل غير المعروف إي» أو «المومياء الصارخة» أو «مومياء الرجل الصارخ» كانت لابن الملك «بنتاورت»، الذي أُجبر على الانتحار وشنق نفسه بيده من خلال علامات الحبل الموجودة على رقبته. وتم عقاب هذا الابن أشد عقاب بعدم تحنيط جثته ودُفن جسده في جلد الغنم الذي كان يعتبر غير طاهر في مصر القديمة، وبناء على ذلك سيذهب إلى الجحيم في الآخرة. وتؤكد هذه الأحداث صدق الأساليب البلاغية التي تم استخدامها في نص المؤامرة الأدبي حين أشار إلى أن القارب الملكي قد انقلب، مما يرمز إلى وفاة الملك رمسيس الثالث وصعود روحه إلى السماء. غير أن المؤكد أن المؤامرة قد نجحت في قتل الملك، غير أنها فشلت في تحقيق الشق الثاني، وهو تولي «بنتاورت» حكم مصر؛ بدليل تولى خليفة الملك رمسيس الثالث الطبيعي وولي عهده الأمير رمسيس، الذي صار الملك رمسيس الرابع لاحقًا، عرش البلاد بدلاً من أخيه «بنتاورت» المتآمر على حياة أبيه رمسيس الثالث.
قال أحدهم أيضًا إن المرأة كانت تشارك الإله في كل الأمور، وذلك ليس صحيحًا؛ إذ كان للمرأة دورها في الملكية والمنزل والمجتمع، وكان لبعض الكاهنات دورهم وفقًا لعملهن في المعبد، ولم تكن المرأة ذات صفة مطلقة في مشاركة الآلهة في كل الأمور. وقال ضمن ما قال إنه كان الزوج إذا اشتكته زوجته يُحذر أولاً ثم يُجلد ثم يُخلع. وذلك الكلام غير صائب من الناحية العلمية، ولا تؤيده الأدلة الأثرية أو التاريخية.
في النهاية، أقول لأولئك المدعين بأنهم من المتشغلين بعلم المصريات وأنهم من علماء التاريخ القديم والآثار، اصمتوا يرحمكم الله. ومن الأفضل أن تكفوا أذاكم عن مصر القديمة وحضارتها الخالدة.
حقائق عن المصريين القدماء
هل توت عنخ آمون من العبرانيين؟
يخرج علينا البعض من حملة الأقلام في الأيام الحالية من غير المتخصصين في الآثار المصرية القديمة بالكثير من الآراء الغريبة التي لا تمت للعلم بأية صلة. وعالم الآثار الحقيقي، كما نعرفه نحن المتخصصين في الآثار المصرية، هو الذي له أبحاث وكتب علمية معترف بها من قبل العلماء من أهل التخصص. غير أن هناك مجموعة من الهواة المصريين الذين يقيمون خارج البلاد أو داخلها ممن يطعنون في الحضارة المصرية أسوأ مما يفعل بها أعداء مصر في كل مكان؛ فيكتب البعض منهم مقالات صحفية رخيصة هدفها الإثارة، أو يكتبون كتبًا غير متخصصة تحاول بضراوة تشويه هذه الحضارة العظيمة، لكن المهم في الأمر أن العلماء في العالم كله لا يلتفتون إلى هذه الكتابات الغثة والمغرضة والمسيئة للحضارة المصرية.
لنا تكملة في العدد القادم