بقلم: د. حسين عبد البصير
مدير متحف الآثار والمشرف على مركز
د. زاهي حواس للمصريات-مكتبة الإسكندرية
هل توت عنخ آمون من العبرانيين؟
يخرج علينا البعض من حملة الأقلام في الأيام الحالية من غير المتخصصين في الآثار المصرية القديمة بالكثير من الآراء الغريبة التي لا تمت للعلم بأية صلة. وعالم الآثار الحقيقي، كما نعرفه نحن المتخصصين في الآثار المصرية، هو الذي له أبحاث وكتب علمية معترف بها من قبل العلماء من أهل التخصص. غير أن هناك مجموعة من الهواة المصريين الذين يقيمون خارج البلاد أو داخلها ممن يطعنون في الحضارة المصرية أسوأ مما يفعل بها أعداء مصر في كل مكان؛ فيكتب البعض منهم مقالات صحفية رخيصة هدفها الإثارة، أو يكتبون كتبًا غير متخصصة تحاول بضراوة تشويه هذه الحضارة العظيمة، لكن المهم في الأمر أن العلماء في العالم كله لا يلتفتون إلى هذه الكتابات الغثة والمغرضة والمسيئة للحضارة المصرية.
كان آخر ما تم زعمه مؤخرًا أن الملك توت عنخ آمون هو عبراني الأصل؛ لأنه ابن السيدة كيا العبرانية الأصل!!! وذلك الكلام غريب جدًا!!! ولم يقل أي عالم من علماء المصريات في العالم كله أن توت عنخ آمون عبراني، أو أن أمه كيا، التي ليست هي أمه، عبرانية الأصل!!! ومن المعروف تاريخيًا أن السيدة كيا ميتانية الأصل. ودولة ميتاني كانت موجودة في شمال الهلال الخصيب، أي في سوريا وجنوب بلاد النهرين، أي أن كيا كانت سورية، ولم تكن أبدًا عبرانية الأصل.
إن هناك فريقًا مصريًا على أعلى مستوى ويتكون من العديد من العلماء المصريين البارزين، يجري العديد من الدراسات على المومياوات الملكية المصريةبرئاسة الدكتور زاهي حواس، وأثبتوا أن أم الملك توت عنخ آمون هي، في الغالب، بنت من إحدى بنات الملك أمنحتب الثالث والملكة تي، وليست كيا. وهذه الأم هي صاحبة المومياء الصغيرة التي تم العثور عليها في المقبرة 35 في وداي الملوك بالبر الغربي لمدينة الأقصر. ولم تشر أبحاثهم أية إشارة إلى أن توت عنخ آمون عبراني الأصل. وتم نشر أبحاثهم بالعديد من المقالات العلمية، وأيضًا في كتاب جديد ومهم وفخر لكل مصري، وليس فيه أية إشارة إلى أن هناك أي ملك مصري له أصل عبراني.
أدعو غير المتخصصين الذين يقولون أشياء ليس لها أي أساس من الصحة عن الحضارة المصرية القديمة العظيمة أن يقرؤوا كتب الآثار لمعرفة الحقيقة، وألا يذيعوا أفكار أشخاص غير متخصصين يعيشون خارج البلاد، والذين يدعون كذبًا أن الملك توت عنخ آمون وغيره من الملوك المصريين القدماء كانوا عبرانيين!!!
اصمتوا يرحمكم الله!
أم توت عنخ آمون
قام فريق مصري على أعلى مستوى بدراسة المومياوات الملكية الموجودة في المتحف المصري بالتحرير وكذلك في عدد من المواقع الأثرية في مصربرئاسة الدكتور زاهي حواس. وكان من بين أعضاء الفريق علماء متخصصون في الدي إن إيه أو الحامض النووي. وقام الفريق بعمل عدد كبير من الأبحاث العلمية على مومياوات المصريين القدماء. قد اعترف العالم كله بأهمية وقيمة تلك الأبحاث الجديدة. وما يهمنا هنا هو ما قام به هذا الفريق البحثي من أبحاث علمية على مومياء الملك توت عنخ آمون وأفراد أسرته في النصف الثاني من عصر الأسرة الثامنة عشرة في عصر الدولة الحديثة.
قد نشر الفريق مقالة علمية مهمة في عام 2010 ميلادية وتختص بدراسة الأسرة الثامنة عشرة بناءً على دراسة لمومياوات لأشخاص معروفي الهوية وذلك من خلال الكشوف الأثرية والمعلومات التاريخية. وهي مومياوات النبيل يويا وزوجته النبيلة تويا، والديَّ الملكة العظيمة تي زوجة الملك الشمس أمنحتب الثالث، ومومياء الفرعون الذهبي الملك توت عنخ آمون، ومومياء الملك الشمس أمنحتب الثالث، والد الملك الموحد أخناتون، بالإضافة إلى عدد من المومياوات التي لم يتم تحديد هويتها قبل ذلك، غير أنه تم فرض نظريات كثيرة لتحديد هويتها دون تقديم أي دليل علمي أثري أو معملي على ذلك.
قام فريق العمل المصري بإجراء الدراسة عن طريق أخذ عينات دقيقة من عظام المومياوات ثم تم استخلاص الدي إن إيه منها في صورة نقية. وبعد ذلك تمكن فريق العمل البحثي من تحليل المواقع الجينية المتعددة والخاصة بتحديد البصمة الوراثية للأشخاص. وأكّد الفريق البحثي على أنه من المعروف علميًا أن هذه الجينات بها اختلافات تكرارية عددية تميز كل شخص عن الآخر، وتمثل في مجموعها بصمة جينية متفردة لكل إنسان. وأضاف الفريق البحثي أن هذه البصمة الوراثية يتم توريثها بحيث يكون نصفها من الأب والنصف الآخر من الأم؛ أي أنه يجب مطابقة نصف البصمة للشخص كاملاً مع نصف بصمة الأب والنصف الآخر مع نصف بصمة الأم، وأوضح الفريق البحثي أيضًا إنه توجد بصمة الكرموسوم الذكري (ص) الذي ينتقل من الأب إلى ابنه وإلى حفيده، أي أن تلك البصمة تنتقل عن طريق خط الذكور الأقارب من ناحية الآباء فقط.
قد توصلت الدراسة التي قام بها فريق العمل البحثي المصري إلى العديد من النتائج التالية. ومنها وجود تطابق في بصمة الكروموسوم الذكري (ص) بين ثلاثة أفراد، وهم الملك توت عنخ آمون، والملك أمنحتب الثالث والمومياء التي عُثر عليها في المقبرة رقم 55 في وادي الملوك بالبر الغربي لمدينة الأقصر. وعن طريق تحليل البصمة الوراثية والحسابات الإحصائية للنتائج، أثبت الفريق البحثي الآتي بنسب تفوق 99.99%. وأكّد الفريق البحثي أن يويا وتويا هما والديًّ مومياء السيدة الكبيرة التي عُثر عليها في المقبرة 35 من مقابر وادي الملوك بالبر الغربي لمدينة الأقصر، والتي هي الملكة تي من الناحية التاريخية والأثرية. وأضاف الفريق البحثي أن الملكة تي، صاحبة مومياء السيدة الكبيرة التي عُثر عليها في المقبرة 35 من مقابر وادي الملوك بالبر الغربي لمدينة الأقصر، وأمنحتب الثالث هما والدا المومياء التي عُثر عليها في المقبرة رقم 55 في وادي الملوك بالبر الغربي لمدينة الأقصر؛ إذ أن الملك أخناتون تاريخيًا وأثريًا هو ابنهما؛ لذا فقد قام فريق العمل البحثي بترجيح أن تكون مومياء التي عُثر عليها في المقبرة رقم 55 في وادي الملوك بالبر الغربي لمدينة الأقصر للملك أخناتون. وذكر الفريق البحثي أنه قد تعارضت الآراء والأقوال والنظريات التاريخية والأثرية على تحديد هوية الملك سمنخ كارع، وهل كان هو شخصية حقيقية أم غير ذلك؛ لذا لم يقم فريق العمل بنفي هذه الاحتمالية غير المرجحة في المقالة العلمية بأن تكون المومياء التي عُثر عليها في المقبرة رقم 55 في وادي الملوك بالبر الغربي لمدينة الأقصر للملك سمنخ كارع.وأشار الفريق البحثي إلى أنه قد أثبت أن مومياء السيدة الصغيرة التي عُثر عليها في المقبرة رقم 35 في وادي الملوك بالبر الغربي لمدينة الأقصر هي لابنة كاملة للملكة تي والملك أمنحتب الثالث، وبالتالي فهي شقيقة كاملة للمومياء التي عُثر عليها في المقبرة رقم 55 في وادي الملوك بالبر الغربي لمدينة الأقصر.وأثبت الفريق البحثي المصري أن مومياء السيدة الصغيرة التي عُثر عليها في المقبرة رقم 35 في وادي الملوك بالبر الغربي لمدينة الأقصر والمومياء التي عُثر عليها في المقبرة رقم 55 في وادي الملوك بالبر الغربي لمدينة الأقصر، الملك أخناتون، هما والدا الملك توت عنخ آمون.
بناءً على تحليل البصمة الوراثية والمعلومات التاريخية المتاحة التي قام بها الفريق البحثي المصري، حدد الفريق البحثي علاقات نسب الملك توت عنخ آمون بثلاثة أجيال تسبقه في أسرته من الوالدين إلى جديه الأعليين، ورسم الفريق البحثي شجرة عائلة الملك توت عنخ آمون بأجيالها المتعددة، ولكن لم تُتح للفريق البحثي المعلومات التاريخية المعروفة لتحديد شخصية والدة الملك توت عنخ آمون بعد.ولم تشر دراسة الفريق البحثي إلى احتمالية أن تكون مومياء السيدة الصغيرة التي عُثر عليها في المقبرة رقم 35 في وادي الملوك بالبر الغربي لمدينة الأقصر هي لابنة الملك أخناتون والملكة نفرتيتي الأميرة ميريت آتون لعدم وجود دلائل تاريخية وأثرية تثبت ذلك لدى الفريق البحثي. وأخيرًا، أشارت دراسة الفريق البحثي المصري إلى أن مومياء نفرتيتي لم يتم تحديدها إلى الآن. وتعتبر من أهم الاكتشافات الأثرية التي ينتظرها العالم أجمع.
لنا تكملة في العدد القادم