بقلم: تيماء الجيوش
من المنطقي و العملي و القانوني بآنٍ معاً أن حزمة الحقوق التي نصّ عليها الإعلان العالمي لحقوق الإنسان و ما نصّت عليها لاحقاً المعاهدات الدولية بأجيالها المتعاقبة من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية و السياسية ICCPR. ، العهد الخاص بالحقوق الاقتصادية الاجتماعية، والثقافية، ICESCR حماية حقوق الطفل ، مناهضة التعذيب CAT، مناهضة التمييز ضد المرأة CEDAWهي جميعاً حقوق تنطبق على الانترنت .
و هذا لسببٍ بسيط مردّهُ أن هذه الحقوق ومنذ أن تمّ اعتمادها باتت بطبيعة الحال مرجعاً و معاييرها أساسية مع مراحل التطور التكنولوجي ووسائل الاتصال لا سيما في تحليل العلاقة والتأثير الذي يحمله هذا العالم التكنولوجي على حقوق الإنسان.
يقوم المدافعون عن حقوق الإنسان بدورٍ هام وفاعل من خلال منظماتهم و مهنهم التي يمتهنون على تنوعها كمحامين، صحافيين، نقابيين ، مدافعين عن حقوق المرأة ، البيئة ، مناهضة العنصرية و كل ما يمّتُ الى التمييز ، كما أن عملهم لم يقف عند حدٍ ما بل إنه امتدّ الى الانترنت. و من تبعات عملهم في دفاعهم عن حقوق الإنسان ان يتم استهدافهم من قبل الجهات الحكومية أو غير الحكومية عبر أفعالٍ مختلفة كالتهديد ، فرض مراقبة تعسفية ولا شرعية عليهم عبر الانترنت ، المضايقات، نشر معلومات كاذبة عنهم، التشهير بهم، خرق مبدأ الخصوصية، كما يترافق هذا مع الإيذاء الجسدي ، الضرب، القتل، الاختفاء القسري و الاحتجاز التعسفي….الخ.
مع كل ما يشهده العالم من حروبٍ و حروب أهلية، انتخابات سياسية في هذا البلد او ذاك، أزماتٍ دولية ، صراعات طويلة الأمد زادت وتيرة استهدافهم في الآونة الأخيرة وفُرِضتْ عليهم مراقبة غير قانونية عبر الانترنت ولعل هذا ما دفع إلى الأخذ بعين الاعتبار حمايتهم و منح الأولوية للعمل من اجل هذه الحماية لا سيما عبر الانترنت. و هذا يتسق تماماً مع التزام دولي في المجتمعات الديمقراطية بحماية حقوق الإنسان حيثما وأينما كانت. وبالتأكيد عملية التقييم لأي ملف أو قضية تبدأ من الأخذ بعين الاعتبار العوامل الموضوعية، الذاتية، الظروف المحلية ، الأدلة الداخلية والخارجية و هذا هو الحال في عالم الانترنت أيضاً حيث عامل المعلومات الخاصة بمستخدميها التي يمكن الوصول إليها عبر الصفحات المختلفة، ما يُشّكلُ سهولة في الوصول إلى الشخص المعني من إطلاقٍ للتهديد و انتهاكاتٍ جسيمة و ما يليها من قمع لحرية التعبير او التجمع، حرية التنقل …الخ. و هنا أيضاً تبرز مسألة الجندر و العنف القائم على النوع الاجتماعي وهي ليست بالبعيدة . حيث لا يختلف العالم الواقعي عن العالم الافتراضي من تأثيره المباشر على النساء و الفتيات فتكون المخاطر مضاعفة عندما تقع على كاهلهن و تأخذ ضراوةً و شراسة في مناحٍ عدة لسبب النوع الاجتماعي.
المدافعات عن حقوق الإنسان في العالم العربي و كما ذكرت عدة تقارير صادرة عن منظمات حقوق إنسان عالمية و منها آمنستي انترناشيونال ، منظمة مراقبة حقوق الإنسان كُنَّ هدفاً لهجوم منهجي و لإعمال عنف ، حملاتٍ لتشويه السمعة والتي نشأت برعاية حكومية، التعدي بالقتل، الاعتقال، الخطف ، الاختفاء القسري و كذلك التعذيب و السجن مع انتفاء دورٍ فاعل و مستقل للقانون يوفر محاكمة عادلة عندما يواجهن بتهمٍ مثل الإرهاب و تعريض الأمن الوطني او القومي للخطر، و يُعتمد في ذلك كله على تشريعات محلية بنيانها القانوني يتعارض بالمطلق مع مبادئ القانون الدولي لحقوق الإنسان ، فكانت الإدانة الجائرة هي النموذج وليس العدالة الحقة ، هذا كله حدث ولا زال يحدث لان تلك النسوة تقدمن بالسؤال و دافعن عن المساواة و العدالة في العالم العربي.
بالعودة لحماية المدافعين عن حقوق الإنسان ، للعديد من أصحاب الرأي يُعدُّ الشفافية والحوار الدائم أساسيان لبناء الثقة و تبني إستراتيجية حماية بما تنضوي عليه من شراكة حقيقية مع الخبراء، المجتمع المدني، العاملين في القانون و غيرهم إذ لا بد من تواجدهم بآرائهم و خبراتهم لتحديد المخاطر لمعرفة منحى الجهود و توجهها في بلوغ الأهداف و النتائج المرجوة من الإستراتيجية المتوخاة. بمعنى أدّق التحديد الذكي للتهديدات والمخاطر و بناء سياسة ذكية وفقاً لنقاطٍ تبدأ من تخطيط و موارد و تدريب إلى حوارٍ مستمر فهي مجتمعة تؤدي بطبيعة إلى الحال إلى التنفيذ الفعال لهذه السياسة .
في الحادي عشر من آذار / مارس للعام ٢٠٢٤ صدر بيان و توصيات عن الولايات المتحدة الأمريكية و الاتحاد الأوروبي يؤكد فيه التزامهما بحماية حقوق الإنسان على شبكة الانترنت و خارج الانترنت و التعاون من خلال مجلس التجارة و التكنولوجيا TTC. لدعم حقوق الإنسان و تعزيزها و حماية المدافعين عن حقوق الإنسان .
جاء في مقدمة البيان : «يسرُ الاتحاد الأوروبي و الولايات المتحدة أن يُعلنا عن إصدار توصياتٍ مشتركة لمنصات الانترنت و التي تحدد ١٠ خطوات عملية تتخذها المنصات عالمياً بهدف منع الهجمات الموجهة ضد المدافعين عن حقوق الإنسان عبر الانترنت .»
من يقرأ التوصيات سيجد اعترافاً دولياً بالمخاطر و التمييز والعنف الذي ينال من المدافعين عن حقوق الإنسان و الاهتمام بوضع سياسات و برامج ملموسة في هذا الصدد . من يقرأ التوصيات سيجد أن منح الأمن للإنسان هو أولوية وان احترام حقوق الإنسان و مبادئها و معاييرها تعزز العدالة الاجتماعية و السلام. مدافعات و مدافعي حقوق الإنسان لكم تُرفع القبعات تقدمتم بثبات لدعم الفئات المهمشة، ناديتم بالمساواة و احترام دور القانون ، العديد من المدافعات تحدين و بكل شجاعة نظم تقليدية وًثقافية و أنماط اجتماعية عفا الزمن عليها و سلف. رمضان مبارك لكم. عيد فصح سعيد . كل عام وانتم بخير .
كل عام لكم الأمن و السلام.