بقلم: سونيا الحداد
مأساة هذا العصر الذي نعيش فيه والذي خطى خطوته الأولى في عالم الفضائيات والتكنولوجيات المتطورة، الذي بدأ باستعمال الروبوهات في قطاعات عدة حتى في داخل الجسم البشري، الذي حارب قرونا من أجل التحرر من عبودية المستبدين وتحرير المرأة من نير المتدينين وغسل أدمغة المؤمنين، الذي وضع شرعة حقوق الإنسان الدولية والتي بقيت حبرا على ورق، هي مشيئة الله.
مشيئة الله هذه تجعل من الحروب، الغزو والتنكيل أمرًا مقبولا. تجعل من مدعي الثقافة والمسؤولين مناصرين لها بكم، صم، عميان، لا بل يقبلون ويدافعون عن اللآ مقبول فقط لأنها مشيئته. هو الذي يدبر، يقرر، يوزع ويتفرج على ضحاياه الأبرياء حتى المؤمنين به. مشيئة يقبل بها فقراء العقول والنفوس حتى لو أدت إلى تدمير شامل للحياة والكرة الأرضية بأكملها، عقابا من هذا الله الذي لم أعد أجد الكلمات الوافية في وصف مدى الرحمة التي ينسبوها إليه!
جريمة نكراء يوم وضع هذا الله من قبل تجار الهيكل في كتب لقبوها بالسماوية باتت هي الشرع والشريعة والحد الفاصل بين الغباء والذكاء. باتت المعيار الأساسي للتعليم والتوجيه بحجة الحفاظ على القيم والابتعاد عن الشر وقد حللت أبشع الشرور من قتل، تنكيل وتفرقة باسم هذه المشيئة اللعنة. نعم أنها لعنة العصور والأجيال التي دمرت أكثر مما عمرت، التي صبغت بلون الدماء والدمار والتنكيل حيثما حلت، التي ذرفت دموع الألم، القهر والعذاب بسببها. لعنة ترى النور مجددا بعد أن عاشت البشرية لفترة قصيرة حلم التحرر والمساواة. حلم رحل مع سقوط الفكر الليبرالي الاشتراكي وعودة المتدينين إلى الساحة يمولهم تجار الهيكل ذاتهم الذين شرعوا هذه الكتب خطوطا حمراء لآ تمس. يقولون لك ويبررون بأنك لم تفهم هذا الله كما يجب وكأنك أمي ناقص عقل بحاجة لمن يشرح لك معجزات ودرر هذه الكتب التي تجعل منك فعلا ناقص عقل وضمير أيضا ساعة تقبل بمشيئة هكذا اله منهجا لك تتبعه مثل أعمى يفتش عن النور والنور في كل مكان خارج خطوط الله خاصته لكنه يرفضه ويعمل على إطفائه تحقيقا لمشيئته!
ها ان اللعنة تحل علينا اليوم بفضل هذه المشيئة لأنه،حسب ادعائهم، نبهنا لكننا لا ندرك. جميع المجتمعات تشهد عودة الفكر الأصولي المتدين الذي يدمر تدريجيا أسسها الديمقراطية الليبرالية التي أنارت فترة قصيرة من حياة هذا الكوكب وأعطته الأمل والرغبة في التحليق بعيدا في رياض التحرر الفكري، الاجتماعي والإنسانية الحقيقية. نعود الى سلبنا وخاصة النساء، حقوقا أساسية تتعلق في كياننا الروحي والجسدي. حلم قضت عليه مشيئة الله وها نحن نسير على طريق نهاية عالم مأساوية، بشرت بها كتبهم السماوية يعملون على تحقيقها دون أي شعور بالذنب أبدا. نهاية ستعيشها أجيال وقد تطيح بالكوكب بأكمله لا خيار لمن قد يبقى على قيد الحياة سوى العيش في صحون طائرة أو ملاجئ تحتية تسبيحا لمشيئته!
كيف تمسك بيد أعمى سعيد بما خصه الله به من مصير في الدنيا وما بعدها؟