قصة بقلم : نعمة الله رياض
إسمي كمال صفوت المنصوري، عمري 27 عاما، أتمتع بحمد الله بلياقة بدنيه عاليه، وصحة جسدية ممتازة، مطلق. وأنجبت طفلا يعيش مع زوجتي السابقة. أعمل معيدا» بقسم الكهرباء بكلية الهندسة. تبدأ أحداث قصتي عندما قرأت إعلانا» في الصحف يطلب متطوعين في برنامج (مارس وان) الأمريكي لترشيح رواد فضاء ضمن بعثة للسفر للمريخ بلا عودة. قلت لنفسي: لماذا لا أتقدم وليس لي إرتباطات تذكر في الدنيا، عدا ولعي الشديد بابني وحرصي علي لقائه حسب ما قررته محكمة الأسرة. مازلت أتذكر لوعة بكائه عندما علم بهجرتي للمريخ وإنه لن يراني مرة أخري. وهكذا أصبحت واحدا» ضمن مئات المرشحين من قارة أفريقيا لإختيار واحدا» فقط. بعد الإختبارات الطبية والنفسية تم إختيار أربعة مرشحين من أفريقيا للسفر إلي مقر البرنامج بالولايات المتحدة لإجراء إختبارات نهائية لإختيار واحدا» منهم. وفزت في النهاية بالترشيح عن قارة أفريقيا.
تشكلت البعثة المقرر إنطلاقها إلي المريخ في خلال عام من عشرة رواد من مختلف القارات منهم ثلاث فتيات يرأسهم قائد البعثة الأمريكي. وخضعنا لبرامج تدريب مكثفه تشتمل علي السباحة في فضاء غرفة محاكاة إنعدام الوزن، والتدرب علي ارتداء بذلة معادلة الضغط وشرب الماء المحضر من البول بعد تطهيرة. إلي أخره من التدريبات الضرورية لرحلة طويلة في الفضاء, كذلك تلقينا محاضرات متخصصة.. في أول محاضرة ألقاها عالم فضاء من ناسا قال:
- أهنئكم علي إختياركم لأول بعثة بشرية تستعمر المريخ وتقيمون فيها إقامة دائمة يمكنها التمدد والإكتفاء الذاتي. سابدأ بالسؤال المنطقي وهو: لماذا نستتعمر كواكب أخري؟ والإجابة قد تكون زيادة المخاوف من حرب عالمية ذرية، أو وباء فتاك يحصد أي منهما الجنس البشري أو ببساطة حب البشر للإستكشاف, وكما عبر الإنسان المحيطات ليكتشف القارات ويعيش فيها، تغلب الإنسان علي جاذبية الأرض ليطير في الجو ثم ليعبر إلي الفضاء ويطأ القمر ومن ثم يتطلع لإعمار الكواكب الأخري.
والسؤال التالي: لماذا نستعمر كوكب المريخ الملقب بالكوكب الأحمر؟ والإجابه لأن المريخ هو أقرب الكواكب في المجموعة الشمسية بعد كوكب الزهره، ووجود المياة فيه علي شكل جليد.ومن الحقائق المعروفة هي أن المريخ كوكب غير مضياف للبشر أو أشكال الحياة المعروفة علي الأرض، فهو في مدار حول الشمس أبعد من الأرض عن الشمس، وقطره نصف قطر الأرض وكتلته عشرها، والطاقة الشمسية 43% مما يصل للأرض، وسنة المريخ 88، 1% من سنة الأرض والجاذبية علي المريخ38% من جاذبية الأرض، وليس للمريخ غلاف مغناطيسي مما يسمح بنفاذ كمية كبيرة من الأشعة الكونية الضارة، ويتكون الغلاف الجوي للمريخ من 95% من ثاني أكسيد الكربون، كل هذا يسبب فقدان العضلات وهشاشة العظام، أما الأخبار المشجعة فهي إننا قد أرسلنا من قبل روبوتات لتجهيز مأوي وممرات داخل انابيب الحمم البركانية للمريخ، وهي سميكة وتحميكم من الأشعة الكونية والعواصف الشمسية التي تخترق الغلاف الجوي الرقيق للكوكب الأحمر، كذلك ثبت نجاح تكاثر البكتريا الزرقاء معمليا» في ظروف مشابهه لتربة وطقس المريخ، مما يمكنا من انتاج الغذاء والوقود للبعثة المقيمة.
لفت نظري منذ الإجتماع الأول للبعثة كلارا وهي عضوة في البعثة من بولاندا تعمل مهندسة في مجال الألكترونيات وعمرها لا يتعدي 25 عاما جميلة، ذلك الجمال الذي لا تمل من النظر اليه، وفوق ذلك تتمتع بنشاط عالي وذكاء متوقد.ولكن لم أكن قد علمت بعد، أن راج من الهند وعضو البعثة أيضا معجب بها ويتقرب منها بكافة السبل.
في محاضرة تاليه شرح عالم في النفس والإجتماع عدد من المصاعب التي ستواجهنا وتشتمل علي الأثار النفسية للعزلة والمهام المتكررة التي يتولاها أعضاء البعثة والعيش مدة طويلة مع عدد محدود من أفراد آخرين، وايضا» منع أفراد طاقم سفينة الفضاء التي يستغرق سفرها للمريخ تسعة أشهر من ممارسة الجنس، فالمرأة الحامل تحتاج لتغذية اضافية لها وللطفل من الحصص الموجودة علي متن السفينة، كذلك يعيق الحمل ورعاية الطفل واجبات وقدرات مطلوبه من أفراد الطاقم.
كان حظي من التقرب من كلارا أوفر من حظ راج، بسبب تداخل المهام الموكلة لي مع تلك لكلارا فأتيحت لي فرصة الحوار معها والتعرف علي ظروف كلا منا علي الأرض، وحدث ذلك التجاذب الطبيعي بيننا، فقررنا الزواج، وابلغنا قائد الرحلة الذي بارك الزواج ووثقه واوصي كلارا بعدم الحمل لحين الوصول للمريخ طبقا لقوانين البعثة.
وصلنا بسلام إلي المنطقة المحددة علي أرض المريخ وبدأنا في تشغيل مولدات الطاقة الشمسية وكذلك العربة التي تشحن بالطاقة الشمسية، ومعدات إنتاج الغذاء والوقود والطاقه والأكسجين. وقد تم في رحلات مكوكية سابقة يقودها روبوتات توفير هذه المعدات في موقعنا.
في فترة الراحة من آداء مهامنا كنا نتصل بأهلنا وأقاربنا، وكنت أتصل بإبني بشغف علي فترات متقاربة. كما كنا أيضا» نجتمع معا في المساء لنتسامر ونحكي ذكرياتنا علي الأرض. نظرنا إلي قبة السماء عندما أشار أحدنا لكوكب الأرض الأزرق وقال ها هي أرضنا، العالم الذي جئنا منه، ليس أكثر من حبة رمل في كوننا الفسيح، لا يظهر لنا تقسيم الدول أو خطوط الحدود أو الصراعات بين البشر علي حبة الرمل الزرقاء هذه! تساءل زميل آخرعن إمكانية وجود حياة عاقلة أخري في بلايين الكواكب في الكون، رد عليه أحدنا: – ربما، فالمسيح قال لتلاميذة: أنا ذاهب لعالم آخر. كنت أستمع لمناقشتهم وقلبي يهفو للحظة واحدة لكورنيش النيل وقراطيس الترمس وكيزان الذرة المشويه ماسكا بيد طفلي الناعمة.. إنه عالمي الذي فقدته، والذي طالما أحببته بكل المقاييس.
قالها سليمان الحكيم منذ آلاف السنين: – باطل الأباطيل، الكل باطل وقبض الريح ولا منفعة تحت الشمس، حقا» كل من عاش تحت الشمس ويمارس حياته اليومية. يأكل ويشرب وينجب أطفالا»، ويعمل في مهنة ولا يبتكر فيها، بل يؤدي ما يطلب منه، فلا منفعة منه، وهو كقبض الريح، يولد ليعيش ويتناسل ويموت. المنفعة الحقيقية والإنجاز المحسوب، هما للعلماء ومراكز البحث العلمي الذين إبتكروا الكهرباء والذرة والقطارات والطائرات، وغيرها من المخترعات التي جعلت حياة البشر أسهل، وكما عبر الإنسان المحيطات ليكتشف القارات ويعيش فيها، تغلب الإنسان علي جاذبية الأرض ليعبر إلي الفضاء ويطأ القمر ويتطلع لإعمار الكواكب الأخري.
جاء وقت ولادة كارلا وأنجبت طفلة جميله، فرح جميع أفراد البعثة وتناولنا الحلوي عدا زميلنا راج الذي لاحظت علي وجهه بوضوح الغيرة الشديدة والحسد العميق.
ولإن الطبيعة البشرية تغلب التطبع، وتسيطر أحيانا النزعة الشريرة علي الإنسان منذ قتل قايين أخيه هابيل. فبالرغم من التوصيات الدائمة لأعضاء الفريق بالتعامل بهدوء والسيطرة علي الإنفعالات، حدث عندما كنت أمر في تفتيش روتيني علي أجهزة المختبر، أن شاهدت الزميل راج يسرق مياة فوق حصته المقننة، فعاتبته واخبرته باني سأقدم تقريرا» بذلك فثار وهجم علي وسدد طعنة غادرة في جسدي ونقلت في حالة حرجه لمستشفي البعثة. قبض علي الجاني وسجن، ونظرا» لحالتي المتدهورة، أوصيت بحرق جثتي إذا فارقت الحياة, ودفن رمادها في تربة المريخ، لأصبح، وياللمفارقة، أول من يدفن خارج الأرض، وقد سجل من قبل الإنجاز الوحيد الذي حققته، بأني أول إنسان ينجب طفلين أحدهما في الأرض والاخر في المريخ. !!!