بقلم: د. حسين عبد البصير
الملكة موت نجمت
تنتمى الملكة موت نجمت إلى ملكات عصر العمارنة ونهاية عصر الأسرة الثامنة عشرة. ويعنى اسمها «(الربة) موت الحلوة». وكان أبوها ربما الملك «آى» وأمها الملكة تى (أخرى غير زوجة أمنحوتب الثالث). وكانت الزوجة الملكية الكبرى للفرعون والقائد العسكرى السابق الملك حورمحب، آخر فراعنة عصر الأسرة الثامنة عشرة.
وحملت من الألقاب والصفات الملكية المهمة «الأميرة» و»الزوجة الملكية الكبرى» و»عظيمة المديح» و»سيدة الفضل» و»حلوة الحب» و»سيدة مصر العليا والسفلى» و»مغنية حتحور» و»مغنية آمون».
ويميل البعض إلى الاعتقاد بأن موت نجمت كانت أخت الملكة نفرتيتى التى كانت تحمل اسم «موت بنرت»، (بمعنى «موت الحلوة»)، وأنها هى التى أعطت زوجها الملك حورمحب الشرعية وجعلت منه حاكما لمصر. وربما كانت هى موت نجمت التى ظهرت فى مقابر العمارنة، وكانت هناك تحمل لقب «أخت زوجة الملك الكبرى»، غير أن البعض يعتقد أنها ليست هى، وأنها قد تزوجت من حورمحب حين كان قائدا عسكريا فى نهاية عصر العمارنة، وأنها مثلها مثل الملك لم تكن تنتمى للدم الملكى.
ودُفنت الملكة موت نجمت فى مقبرة فى منطقة سقارة الأثرية التى كان قد شيدها زوجها حورمحب لنفسه عندما كان قائدا للجيش وقبل أن يصعد إلى سدة الحكم بعد رحيل الملك «آى»، وزواجه ربما من ابنته الأميرة موت نجمت.
وظهرت الملكة موت نجمت على كبير من الآثار من تلك الفترة. ولعل من بين أهمها، تمثال التتويج الأشهر لزوجها الفرعون العسكرى الملك حورمحب والذى تظهر فيه معه. وكان قد عُثر على هذا التمثال فى معابد الكرنك. ويوجد هذا التمثال فى المتحف المصرى فى مدينة تورينو الإيطالية. ولعل من أروع ما صُور على هذا التمثال هو تمثيل الملكة موت نجمت على هيئة تمثال «أبو الهول» المجنح على الجانب الأيسر من كرسى العرش لهذا التمثال. وفى هذا المشهد، تتعبد الملكة لاسمها المكتوب داخل الخرطوش الملكى، ذلك الشكل البيضاوى الذى كانت تُكتب فيه أسماء ملوك مصر القديمة، ومن فوق الخرطوش قرص الشمس الذى تكتنفه ريشتان طوليتان. وظهرت الملكة ترتدى التاج ذا القمة المسطحة، ومن فوقه عناصر نباتية متربطة بربة الرطوبة الإلهة تفنوت والملكة تى زوجة الفرعون الشمس الملك أمنحوتب الثالث. وعلى ظهر التمثال، كتب الفرعون العسكرى الملك حورمحب قصة صعوده لحكم مصر العظيمة. وتم تصوير الملكة موت نجمت وزوجها الفرعون حورمحب فى مقبرة المدعو روى، المقبرة رقم 255 في منطقة دراع أبو النجا فى جبانة طيبة الغربية بالبر الغربى لمدينة الأقصر الحالية. وفى هذه المقبرة، يظهر الملك وزوجته الملكة يقدمان القرابين. ويوجد تمثال ضخم يخص الملك حورمحب فى معابد الكرنك، وتحديدا فى الجانب الشمالى للصرح العاشر من صروح معابد الكرنك، وتم تصوير الملكة موت نجمت عليه. وللأسف تم سرقة هذا التمثال من قبل الملك رمسيس الثانى وصور نفسه وزوجته الشهيرة الملكة الجميلة نفرتارى عليه، بدلا من الملك حورمحب والملكة موت نجمت. وهذا ليس غريبا على الملكة موت نجمت نفسها فقد قامت بنفس الفعل وسرقت عددا من نقوش سابقتها، وربما قريبتها، الملكة عنخ إس إن آمون، زوجة الملك توت عنخ آمون، فى منطقة الأقصر، مما قلل من وجود الآثار الخاصة بعنخ إس إن آمون فى الأقصر. وعُثر على عدد كبير من التماثيل، أو غالبا كسرات التماثيل، وبعض كسرات الألباستر تحمل اسم الملكة موت نجمت فى مقبرة زوجها الملك حورمحب فى سقارة. وبعض من هذه الآثار تحمل نصوصا جنائزية تخص تأمين رحلة المتوفى فى العالم الآخر.
وماتت الملكة موت نجمت بعد العام الرابع عشر أو الخامس عشر من حكم زوجها الملك حورمحب. وكانت غالبا فى منتصف العقد الخامس من عمرها. وعثر على مومياء الملكة موت نجمت فى مقبرة زوجها فى سقارة، وكذلك عُثر على مومياء طفل حديث الولادة. ومن الظاهر أن الملكة موت نجمت دُفنت فى هذه المقبرة مع زوجة حورمحب الأولى، التى تزوجها حينما كان قائدا للجيش، السيدة «إمن إيا». ويظهر من مومياء موت نجمت أن أنجبت كثيرا، غير أنها لم تنجب ولى العهد الذكر لزوجها الملك حورمحب. ويدلل دفن مومياء الطفل حديث الولادة معها على أنها ربما ماتت وهى تلد هذا الطفل. وكانت لموت نجمت ابنة غير أنها لم تُذكر على أى من الآثار. وكان عدم وجود وريث ذكر لهذا الملك هو نهاية الأسرة الثامنة عشرة. وربما كانت موت نجمت هى صاحبة المقبرة رقم 33 فى وادى الملكات فى البر الغربى لمدينة الأقصر. ومن المعروف أن هذه المقبرة تخص ملكة غير معروفة تدعى «تا نجمت» بمعنى «اللذيذة» أو «الحلوة»، غير أن تشابه الاسمين وبعض المقاطع فى الاسمين قد يسمح بصحة نسب المقبرة لموت نجمت.
موت نجمت ملكة عاشت فى فترة مثيرة وشهدت نهاية الأسرة. وكان عدم إنجابها ولد ذكر لزوجها الملك والقائد العسكرى حورمحب سببا فى نهاية الأسرة الثامنة عشرة والتعجيل بنهايتها ونهاية عصر العمارنة، وبزوغ عصر الملوك الرعامسة العظام، وأشهرهم نجم الأرض الفرعون الأشهر جدنا الملك رمسيس الثانى.
الملكة نفرتاري
الملكة نفرتارى هى جميلة الجميلات والملكة الأجمل والأكثر سحرا وجاذبية وفتنة، والزوجة الملكية الكبرى، والأجمل والأحب فى قلب زوجها نجم الأرض، فرعون مصر الأشهر، الملك رمسيس الثانى الذى عاش فى الأسرة التاسعة عشرة فى عصر الدولة الحديثة. واسمها الكامل هو «نفرتارى ميريت موت». ويعنى «نفرتارى محبوبة الربة موت». ويعنى اسمها المختصر الأشهر، «نفرتارى»، «أحلاهن»، أو «حلاوتهم» بالعامية المصرية.
وكان من فرط وعظم حب وإعزاز وتقدير رمسيس الثانى لزوجته المحبوبة نفرتارى هو تصويرها معه فى معظم آثاره، وبناء الآثار الكبيرة والجميلة لها مثل مقبرتها فى وادى الملكات رقم 66 ومعبدها فى أبوسمبل.
وتقع مدينة أبو سمبل إلى الجنوب من أسوان على الضفة الغربية لنهر النيل فى النوبة المصرية بالقرب من حدود مصر مع السودان الشقيق. وبنى الفرعون الأشهر رمسيس الثانى بأبوسمبل معبدين فى الصخر، المعبد الكبير له، والمعبد الصغير لنفرتارى.
وكان معبد أبوسمبل الكبير واحدا من أربعة معابد بُنيت خلال فترة حكم الملك رمسيس الثانى كوحدة واحدة، والثلاثة الأخرى هى: معبد وادى السبوعة (مقر المعبود آمون رع) ومعبد الدر (مقر المعبود رع حور آختى) ومعبد جرف حسين (مقر المعبود بتاح). وقد أمر الفرعون رمسيس الثانى مهندسيه البارعين بالبدء فى بناء معبدى أبو سمبل فى السنوات الأولى من فترة حكمه العريق. واكتمل العمل فيهما فى العام الخامس والعشرين من حكمه المديد.
ويطل معبد أبو سمبل الكبير على بحيرة ناصر فى منظر جمالى رائع قلما أن يتكرر فى أى مكان أثرى آخر حيث تتزاوج زرقة السماء الصافية بزرقة المياه الرائقة ورمال صحراء مصر الصفراء النقية بصخور المعبد الداكنة وخضرة الأشجار والنباتات الموجودة فى المنطقة بسمرة أبناء مصر المميزة. ويعتبر معبد أبو سمبل الكبير من روائع فن العمارة فى مصر القديمة. ومن أروع معالم معبد أبو سمبل الكبير هو اختراق شعاع الشمس باب المعبد ليصافح وجه رمسيس الثانى مرتين من كل عام فى ظاهرة هندسية وفلكية تثير الانبهار باستمرار. ويؤكد هذا على عبقرية المصرى القديم التى لها أدلة كثيرة ما تزال تحير العالم كله إلى يومنا الحالى. وتعد ظاهرة تعامد الشمس على وجه تمثال الملك رمسيس الثانى بذلك المعبد المهم حدثا فريدا ينتظره عشاق مصر فى كل مكان فى العالم.
ويقع معبد أبو سمبل الصغير أو معبد جميلة الجميلات الملكة نفرتارى إلى جوار المعبد الكبير الخاص بزوجها الفرعون الشهير الملك رمسيس الثانى. ومن أجل الجميلة نفرتارى، بنى لها زوجها ذلك المعبد المتميز المنحوت فى الصخر الطبيعى. ونُحتت تماثيل عديدة فى واجهة المعبد تمثل الملك العظيم وزوجته الجميلة التى أبهرت العالم، قديما وحديثا، بجمالها وجاذبيتها وعذوبتها ورقتها التى لا تُقاوم. ثم تتوالى الأجزاء المعمارية المكونة لهذا المعبد المهم. وصارت نفرتارى الزوجة العظمى للملك رمسيس الثانى، على الرغم من تعدد زيجاته ومحظياته. وكانت نفرتارى أم ستة من أهم أبناء الملك رمسيس الثانى. ومن فرط حبه الشديد لزوجته فائقة الجمال، أمر الملك المعظم بإنشاء مقبرة رائعة لها فى وادى الملكات.
وقد حملت منطقة وادى الملكات فى مصر القديمة أسماء عدة مثل «الوادى العظيم»، و»الوادى الجنوبى»، و»تا ست نفرو»، ويعنى الاسم الأخير «مكان الجمال»، وشاع أكثر من الاثنين السابقين. وأُسس فى البداية كجبانة مخصصة لدفن نساء الطبقة الحاكمة من المجتمع المصرى القديم فى بداية عصر الدولة الحديثة على الشاطىء الغربى لنهر النيل المواجه لمدينة الأحياء فى شرق طيبة (الأقصر الحالية). ولم تبدأ الحفائر العلمية المنظمة إلا فى عام 1903، بوصول الأيطالى الشهير «إرنستو سيكياباريللى» -مدير المتحف المصرى فى تورينو- وحصوله على التصريح بالتنقيب فى الوادى من مصلحة الآثار، فنجح فى اكتشاف مقبرة الملكة الفاتنة نفرتارى، جميلة الجميلات.
ومنذ العثور على هذه المقبرة الجميلة، اعتبرت واحدة من أجمل المقابر التى أبدعتها مخيلة المصريين القدماء فكرا وأداء، فبلغت الرسوم المصورة على جدرانها وممراتها 520 مترا مربعا من الجمال الساحر. وحين اكتشفها سيكياباريللى فى عام 1904، فتح الباب ليطل العالم على واحدة من أجمل الإبداعات الفنية فى العالم عبر تاريخ الفن البشرى الطويل، وعلى واحدة من أجل وأجمل المقابر القادمة من مصر الفرعونية ذات الرسوم التى تخلب الأبصار، وتسحر العقول بجمال مناظرها، وتنوع موضوعاتها، ونقاء وصفاء ألوانها. وأصبح من المفضل عند عشاق الجمال الراغبين فى نشدان البهجة زيارة هذه المقبرة للنهل من جمالها الأخاذ، وأصبح الجمال علامة وعنوانا عليها وعلى صاحبتها، جميلة الجميلات، كما كانت الحال فى حياتها الأولى المليئة بالجمال والحب والسعادة والعشق فى عهد مليكها العاشق الأبدى لها ولجمالها التى كانت تنافس به حتحور ربة الحب والجمال عند قدماء المصريين. وتحول الطموح الفنى الذى راود وساور صاحبتها ومبدعيها إلى حقيقة واقعة واضحة كوضوح الشمس فى كبد السماء فى نهار مشمس رائق العذوبة.
وربما ماتت نفرتارى فى العام الثلاثين من حكم رمسيس الثانى المديد. ودُفنت فى مقبرتها الأشهر والأكبر والأهم بين مقابر وادى الملكات.
كانت جميلة الجميلات نفرتارى ملكة قوية ومؤثرة بقوة فى عهد زوجها، نجم الأرض الفرعون الأشهر، الملك رمسيس الثانى. ولعبت آنذاك دورا كبيرا فى الشؤون الدبلوماسية فى الدولة المصرية العريقة؛ نظرا لما كانت تتمتع به من مهارات عديدة مثل فنون الكتابة، خصوصا الهيروغليفية، والقراءة وأصول وفنون علم المراسلات الدبلوماسية، فأفادت بمهاراتها الكبيرة مصر وزوجها الملك العظيم الشأن فى الشرق الأدنى القديم، فضلا عن حبها وإخلاصها لزوجها الملك المعظم مما جعل من قصة حب رمسيس الثانى ونفرتارى أعظم قصص الحب والعشاق التى خلدها الإنسان فى الحجر والفن قبل أن يخلدها فى فنون الأدب والقول.
البقية في العدد القادم