بقلم: بشــير القــزّي
في اليوم الذي سبق التاريخ المعلن لحفل الزواج، قامت إسرائيل بالإغارة بطائراتها الحربيّة على مداخل بيروت الجنوبيّة كما تسبّبت بقطع التواصل على خمسة جسور قامت باستهدافها بتلك الغارات، كما قضى نحبه أناس أبرياء يُعدّون بالمئات!
وإذ كانت تلك العمليّة باكورة أعمال عدائيّة ضخمة بدأت آنئذٍ ولم تنتهِ حتى يومنا هذا،استفاق لبنان في اليوم التالي والوجوه قد تجهّمت والمحال قد أُقفلت بغالبيتها وحركة السير تعكّرت. كانت ميشا تسكن مع والديها في بلدة “عين علق”القريبة من مدينة “بكفيا”، بينما كنتُاسكنُ مع والديّ في بلدة “وادي الزينة” القريبة من بلدة “الرميلة” حيت ستجري مراسم الزواج! ذاك الصباح لم يكن بالإمكان الحصول على ورود وأزهار، لتزيين الكنيسة، من مدينة “صيدا” القريبة نظراً للحالة المستجدة!
غدت والدتي باكراً واستقلّت السيارة المعدّة للزفاف ورافقها بعض الأقارب بسيّاراتهم وسلكوا طرقاً فرعيّة عبر الجبال لتجنّب الطريق الساحلي الذي يربط بين المنطقتين والذي كان يعجّ بالمسلّحين الذين كان الغضب مستشرياً في عيونهم!
بعد سفر استغرق زهاء ثلاث ساعات وصلت والدتي برفقة الوفد المرافق لها إلى منزل العروس وكان يعجّ بالمحتفلين! كنا قد تعاقدنا مع مصوّرين اثنينلالتقاط الصور والفديوهات للحفل بدءاً من منزل ميشا وانتقالاً إلى مراسم الزفاف في الكنيسة ومن ثمّ حفل الكوكتيل في منزل والديّ، إلّا أنّ المصوّرين عكفا عن متابعة المهمّة خوفاً من أخطار الطريقوالالتقاء بالجماهير الغاضبة! أما والدتي فطلبت جمع الازهار الموجودة في البيت ووضعها في صناديق السيّارات وعدم تزيينسيّارة العروس بأية زهرة!
وإذ كنتُ أشكُّ بإمكانية وصول العروس ذاك اليوم، لم أحلق ذقني وبقيت أرتدي ثياب الانشراح التي ارتديتها في الفراش تلك الليلة! إلّا انه، قرابة الظهر، وصل متعهّد الاحتفال مع فريقه من بيروت وفد حمل معه مستلزمات الكوكتيل كافةمن الكيك المتعدد الطبقات والحلويات المنوّعة ومجمل الضيافات المعدّة للحفل، وكنا قد جهّزنا عدداً لا بأس به من زجاجات الشمبانيا المبرّدة! وما ان بدأ المتعهد، وهو من أحد الأقارب،بترتيب صالة السفرة للإحتفال حتى بدأ وصول بعض الأصدقاء المدعوّين إلى المنزل! عندئذٍ انتابني الخجل، كلّ الحاضرين يرتدون أفضل ما لديهم من ثياب وأنا ما زلت في “البيجاما”!
قمتُ بحلاقة ذقني وارتديت بدلة السموكنغ السوداء التي أعددتها للزفاف كما ربطت ربطة عنق بيضاء فراشيّة الشكل! وما ان فرغت من ارتداء ملابسي حتى سمعت أصوات زمامير سيارات الوفد المرافق للعروس، وقد وصلت قبل زهاء الساعة قبل موعد الزفاف!
توجّهت العروس نحو منزل عمتها الذي كان يقع على طريق شحيم القديمة على بعد نحو ثلاث ماية متر من طريق صيدا القديم، وذلك بانتظار موعد الزفاف. وإذ وصلني خبر عدم وجود مصوّر مع العروس أرسلت أحد الأقارب إلى بلدة الجيّة حيث تمكّن من إحضار أحد المصوّرين الأقارب لتصوير وقائع الزفاف، وزوّدته بكاميرا سينمائية سوبر ٨ لتصوير بعض المشاهد!
توجّهت مع بعض الأصدقاء نحو كنيسة الرميلة وهي تقع على تلة مرتفعة تطلّ على شاطئ الرميلة الرملي والذي يحتضن البحر الذي يدخل نحوه بشكل خليج منفتح. المنظر الذي كنت أراه يومئذٍ من أجمل ما شاهدت!
وصلت العروس وبجانبها والدها. نزل من مقعده، دار حول السيارة وفتح الباب لها وأمسك بيدها وانزلها ثم قدمها لي وقال: “ها هي سالمة! هي في عهدتك بعد اليوم!” كانت ترتدي طرحة بيضاء ناعمة فوق رأسها، أما فستانها فكان من أجمل ما رأيت!
مددتُ لها يدي اليمنى ودخلنا باب الكنيسة من المدخل الرئيسي المواجه للبحر، وكنت من ناحية اليسار، إذ قيل لي انه لدى الموارنة تكون العروس من الناحية اليمنى!
كانت الشبينة أخت ميشا ريموند بينما كان الشبين أخي صلاح. بعد انتهاء حفل الزفاف وأخذ الصور توجهنا نحو المنزل للاحتفاء وقبول التهاني!
وإذ كنت قد طلبت من ابن عمي هاني حجز غرفة لنا في فندق السمرلاند على شاطئ بيروت، توجّهت مع عروسي نحو بيروت بسيارة أخي صلاح التي كانت حمراء اللون من نوع رينو ٥. كان علينا ان نسرع قبل ان يداهمنا الظلام.
ما ان وصلنا إلى السعديات بالقرب من منزل آل غفري حتى اضطررنا إلى النزول بالسيارة في حفرة كبيرة من آثار القصف الذي حدث في اليوم الذي سبق!
وصلنا أخيرا إلى الفندق وتوجهت إلى الاستقبال وسألت المسؤول عن الحجز الذي تمّ باسمي! فوجئت بجوابه:” آسف، لا يوجد حجز باسمك!”
أما ما حصل بعد ذلك، فسيكون بالجزء الثامن من الذكريات…