بقلم: ﭽاكلين جرجس
يحتفل رواد الفن الفرنسى فى هذا الشهر بالكاتب المسرحى “ موليير”؛ الذى لقبه الكاتب و الفيلسوف فولتير بـ “فيلسوف الكوميديا الاجتماعية” لامتلاك موليير القدرة الفنية ،والثروة اللغوية العميقة، والمعاني القوية على الصعيدين الإنساني والاجتماعي المغلفين بالكوميديا الساخرة البديعة ، إضافة إلى أن أعمال موليير تتمتع بروح الإجتهاد والمثابرة ، وطموحه الجامح غير المحدود الذى مكنه من النهوض بالمسرح الفرنسى في سنوات قليلة ، فقد أجمع أدباء العالم العربى و الغربى القدامي والمعاصرين الذين قرأوا وأحبوا أدب موليير على إنه الكاتب الفرنسي الوحيد الذي كتب ما قد يكتبه “العقل البشري” كله من روائع الأدب الكوميدي الإنساني على نحو كامل من التعابير والمعاني الغنية الواضحة في نصوصه المتشبعة بالمفاجآت الدرامية غير المتوقعة.
بالطبع كان موليير مدعوماً من لويس الرابع عشر ومن نافذين في القصر، ليتمكن من اختراق الصعوبات التي واجهها. فأعماله ابتعدت عن الكلاسيكية، ولم تكن موضع إجماع؛ لخرقها بشكل كبير قواعد الجماليات الكلاسيكية، لذلك لم يُنظر إليه وعلى مدى عقود على أنه كاتب عظيم، بقدر ما اعتُرف به ممثلاً بارعاً. كان لابد من انتظار زمن طويل كي تجد نصوصه التي كُتبت بنكهة الشعب، وللشعب ومرحه ومشكلاته العميقة، ما تستحقه من تقدير. فخلف الهزل والضحك، تمكّن موليير من رسم كاريكاتيرات شديدة العبقرية. بفضل التضخيم والكاريكاتورية في رسم أبطال أعماله، تمكَّن من أن يظهر ويشرّح عيوب مكامن ضعف بشرية تصعب رؤيتها دون وضع الشخصية تحت مجهر التكبير ؛مما يجعلنا نرفع القبعة أمام أعماله فبالرغم من مرور الزمن و التغييرات الاجتماعية التى طرأت على الشعوب فى العصور الماضية؛ يروادنا تساؤل مُلح هل كان موليير يتحدث عن عصره أم عن عصرنا؟ الفرق بينهم وبيننا هو أن التنوير فى فرنسا جاء بعد موليير مباشرةً ، أما نحن لانزال نحبو نحو التنوير ؛ ألم يحين حتى الأن موعد إستعادة هيبة المسرح و الأعمال الثقافية و التنويرية لرفع المستوى المعرفى و الثقافى للمجتمع ؟ !
علينا ألا نغفل الدور الهام الذى تلعبه القوى الناعمة و دور الثقافة و خاصة الفنون بمختلف اشكالها و ألوانها و على رأسهم المسرح بأعتباره “ أبو الفنون “ فهو مرآة تعكس هموم وقضايا الوطن ، حيث يجسد المسرح بفنانيه حال المجتمع بشكل عام و يكشف الغطاء عن بعض المشاكل الاجتماعية و السياسية و الاقتصادية التى تنخر فى عظام الوطن و تؤرق المواطنين تأتيهم فى قالب كوميدى محبب للمتلقى بل و يقدم أيضًا حلولًا لمشاكله مما يزيد من نسبة وعى المواطن و طريقة تعامله مع مجريات الأمور.
يستحق “ أبو الفنون “ أن يستعيد مجده و نبدأ من جديد لنتخطى فترات الإخفاق ؛ نحتاج لتوجيهات الناقد الفنى للعمل المسرحى من خلال وجهة نظر متكاملة للعمل و ليس ناقد للنص المسرحى فقط ، إنتقاء الأعمال المسرحية الهادفة و الابتعاد عن فكرة الاسكتشات الموجودة حاليًا ، فالمسرح الحقيقى هو الذى يُنمى و يُثقف و ينشىء جيلًا واعيًا مبدعًا لكنه لا يخلوا من الفكاهة و الضحك الراقى الغير مبتذل .
و عليه يجب تكاتف رجال الأعمال وجمعيات التنمية الاجتماعية مع مسرح الدولة؛ وعمل جوائز تشجيعية للنصوص المسرحية الجيدة،إعادة الروح للفرق المسرحية من جديد والعمل على تطوير تقنيات خشبة المسرح غير المواكبة للعصر، وكذا تطوير تقنيات الممثل ثم الاهتمام بالتسويق الجيد للأعمال لتحقيق المكاسب المالية.