بقلم: علي عبيد الهاملي
كاتب وإعلامي إماراتي
كان المدير يفتقد مهاراتِ التعامل مع الناس، وكانت الأعمال تتراكم عليه فصاح على سكرتيره. دخل السكرتير ووقف بين يدي المدير، فصرخ فيه:
- اتصلت بهاتف مكتبك ولم ترد؟
قال السكرتير: - كنت في المكتب المجاور؛ أنا آسف.
قال المدير: - كل مرة آسف.. آسف.. خذ هذه الأوراق وسلمها لرئيس قسم الصيانة، وعُدْ من غير تأخير.
مضى السكرتير منزعجاً من معاملة مديره، وألقى الأوراق على مكتب رئيس قسم الصيانة قائلاً: - لا تؤخرها.
انزعج الرجل من أسلوب السكرتير، وقال: - حسناً، ولكن ضعها بأسلوبٍ مناسبٍ.
قال السكرتير: - مناسبٌ أو غير مناسبٍ، خلّصها بسرعة.
تشاجرا وارتفع صوتاهما، قبل أن يمضى السكرتير إلى مكتبه. بعد برهةٍ جاء أحد الموظفين إلى رئيس القسم، وقال: - سأذهب لآخذ أولادي من المدرسة وأعود.
صرخ رئيس القسم غاضباً: - أنت كلّ يومٍ تخرج؟!
قال الموظف: - أنا أفعل هذا منذ عشر سنوات، وهذه أول مرة تعترض فيها على خروجي!
قال رئيس القسم: - ارجع إلى مكتبك.
مضى الموظف إلى مكتبه متعجباً من رد رئيسه، وأخذ يجري اتصالاته بحثاً عمّن يوصل أولاده للبيت كي لا يطول وقوفهم في الشارع، حتى وجد من يوصلهم.
عاد الموظف إلى بيته غاضباً، فأقبل عليه ولده الصغير وفي يده لعبة، وقال: - بابا، المدرس أعطاني هذه لأنني …
صاح به الأب وهو يدفعه بيده: - اذهب لأمّك.
مضى الطفل إلى أمه باكياً، فأقبلت قطته الصغيرة تتمسح به كالعادة، لكن الطفل ركلها بقدمه، فاصطدمت بالجدار.
السؤال هنا: مَنْ رَكَلَ القطة؟ هل هو الطفل الصغير، أم هو المدير الذي يفتقد مهارات التعامل مع الناس؟
هذه القصة تذكّرنا بنظرية «تأثير الفراشة» التي تقول إن رفرفة جناح فراشة في الصين قد تسبب فيضانات وأعاصير ورياحاً في أبعد مكان على سطح الكرة الأرضية، وهي نظرية يؤمن بها كثيرٌ من العلماء والفلاسفة والكُتّاب، والبشر بشكلٍ عامٍ.
في الخامس والعشرين من شهر يوليو عام 2000 أقلعت رحلة الخطوط الجوية الفرنسية رقم 4590 من مطار شارل ديغول بباريس متجهةً إلى نيويورك وعلى متنها 100 راكب، بالإضافة إلى أفراد طاقمها التسعة. لكنّ الطائرة ما كادت ترتفع عن مدرج المطار حتى حدث حريق في جناحها الأيسر، لتهوي متحطمةً على فندق قريب من المطار، الأمر الذي أدى إلى مقتل جميع ركابها وأفراد الطاقم، بالإضافة إلى 4 أشخاص كانوا في الفندق الذي سقطت عليه الطائرة، لتصل محصلة الضحايا إلى 113 شخصاً.
في البحث عن سبب الحادث، وجدوا أن سلكا معدنيا صغيراً، طوله لا يتعدى 43 سنتيمتراً، كان موجودا في ممر الإقلاع، ارتطمت به الطائرة بينما كانت تسير بسرعة 350 كيلومترا في الساعة، فانفجر إطارها الحسّاس مُطيّراً قطعةً تزن 25 كيلوجراماً من الإطار، اصطدمت القطعة بمحركات الجناح الأيسر، فتسللت كميةٌ كبيرةٌ من الوقود على طول الجناح وعلى المحركات. إلا أن هذا لم يكن كافياً لاحتراق الطائرة، فقد اشتعلت النيران عندما طارت قطعةٌ أخرى صغيرةٌ من الإطار المنفجر في الوقت نفسه مع خروج القطعة الأولى، قاطعةً سلكاً كهربائياً بالقرب من الجناح، مما أدى إلى صدور شرارةٍ أشعلت الوقود المتسرب، الذي بدوره أشعل حريقاً كبيراً في جناح الطائرة بأكمله، أدى إلى إيقاف محركات ذلك الجناح، ومن ثَمّ سقوط الطائرة مشتعلةً على الفندق.
كانت الطائرة من طراز كونكورد الذي كان العالم يراهن على تقليصها لزمن الرحلات الجوية، نظراً لسرعتها الفائقة، والتي عُرِف عنها اتّباعُها معاييرَ سلامةٍ عاليةٍ، جعلتها الطائرة الأكثر أماناً في العالم، فلم يُقتَل إنسانٌ أو يتعرض للموت عن طريق الكونكورد قبل هذه الحادثة طوال 25 عاماً. بعد هذا الحادث توقفت الطائرة عن الطيران سنةً كاملةً لتحسين إجراءات السلامة عليها. هذه الإجراءات الاحترازية الجديدة جعلت من الرحلة باهظة التكاليف، فتوقفت الطائرة عن العمل تماماً عام 2003.
السؤال هنا: من أسقط الطائرة، التي كانت مشروعاً حلماً، هل هو السلك المعدني الصغير، أم هو العامل الذي ترك ذلك السلك على المدرج؟