بقلم: علي عبيد الهاملي
الزمان: الأربعاء 7 ديسمبر 1988 الساعة 11:41 بالتوقيت المحلي.
المكان: المنطقة الشمالية من أرمينيا، التي كانت وقتها جزءا من الاتحاد السوفيتي.
الحدث: زلزال سبيتاك.
شدة الزلزال: 7 درجات على مقياس ريختر.
الخسائر وعدد الضحايا: ما بين 25 ألف إلى 31 ألف قتيل، بالإضافة إلى نحو 130 ألف مصاب، وأكثر من 500 ألف مشرد فقدوا منازلهم. مدينة «سبيتاك» التي سُمّي الزلزال باسمها، والبالغ عدد سكانها 16 ألف شخص، دُمِّرت تماما لوقوعها قرب بؤرة الزلزال الذي حدث على عمق 20 كيلومترا من سطح الأرض، وعلى بعد 6 كيلومترات شمالا من المدينة، وتم تدمير 80% من المساكن في مدينة لينينكان (غيومري حاليا) ثاني أكبر المدن الأرمينية، ويبلغ عدد سكانها 250 ألف نسمة، وتضاعفت الخسائر عندما تلت الهزة الأولى هزة ثانية بلغت قوتها 5.8 درجة على مقياس ريختر، حيث تسبب ذلك في تشريد أكثر من مليوني شخص من منازلهم، وتعرضهم للبرد القارس في الشتاء. ألحق الزلزال أضرارا بما مجموعه 21 مدينة وبلدة، و324 قرية، ودمر العديد من المستشفيات والمدارس والمتاحف والمكتبات والمسارح ودور العرض السينمائي والمصانع والطرق وشبكات السكك الحديدية، وغيرها من المنشآت والمرافق.
العلماء يقولون إن الزلازل تنتج عن حركة الصفائح الصخرية الأرضية، وإن مركز الزلزال يسمى البؤرة، ويتبع ذلك ارتدادات تسمى أمواجا زلزالية، وهذا يعود إلى تكسُّر الصخور وإزاحتها بسبب تراكم إجهادات داخلية للأرض نتيجة لمؤثرات جيولوجية ينجم عنها تحرك الصفائح الأرضية، التي يُطلق عليها الصفائح التكتونية، وتوجد الأنشطة الزلزالية على مستوى حدود الصفائح الصخرية، وينشأ الزلزال نتيجة لأنشطة البراكين، أو نتيجة لوجود انزلاقات في طبقات القشرة الأرضية.
هذا ما يقوله العلماء عن الزلازل وأسباب حدوثها، أما ما يقوله أصحاب «نظرية المؤامرة» فشيء مختلف تماما عمّا يقوله العلماء، إذ هم ينسبون الزلازل إلى أسباب أخرى، ليس من بينها التفسير العلمي الذي نجده في الكتب العلمية والموسوعات المختلفة. ففي زلزال «سبيتاك» مثلا نسبوا حدوث الزلزال إلى تفجير نووي تحت الأرض، نفذته القيادة السوفيتية آنذاك. وظهرت هذه النظرية بسبب ارتفاع مستوى عدم الثقة في النظام السوفيتي في ذلك الوقت، لكنه لا يوجد دليل يدعم هذه النظرية التي تم رفضها على نطاق واسع من قبل جهات عدة. أما سبب ظهور هذه النظرية فهو منع السلطات السوفيتية وقتها انتقال رجال الإنقاذ اليابانيين الذين وصلوا إلى منطقة الزلزال الأرمنية، ومعروف أن رجال الإنقاذ اليابانيين هم الأكثر تقدما من الناحية الفنية في مجال علم الزلازل، كون اليابان من أكثر بلدان العالم تعرضا لها ومعاناة منها، وقد كانوا مزودين بمعدات متفوقة قادرة على اكتشاف وجود عوامل بيولوجية غير طبيعية.
حدث هذا قبل 35 عاما، واليوم يعيد التاريخ نفسه، فتطل نظرية المؤامرة برأسها لتفسر لنا سبب الزلزال الذي وقع الشهر الماضي في تركيا وسوريا، والذي بلغت درجة شدته 7.8 بمقياس ريختر، مستبعدة نظرية تحرك الصفائح الأرضية التي يتحدث عنها العلماء، لتنسب حدوث الزلزال إلى مشروع ممول من الحكومة الأمريكية هذه المرة، تطلق عليه اسم برنامج بحوث الشفق القطبي النشط عالي التردد (HARRP). ولمن لا يعرفه، هذا برنامج بحوث للغلاف المتأين، يموله الجيش والحكومة الأمريكيان وجامعة ألاسكا، وهو مثار شكوك واتهامات دائمة من قبل أصحاب نظرية المؤامرة، الذين يستندون في تأكيد نظريتهم إلى ظهور صواعق في أجواء تركيا قبل الزلزال بثواني قليلة، هي ما دفعتهم إلى الاعتقاد بأن ما حدث لم يكن كارثة علمية جيولوجية. خبراء الكوارث الطبيعية يؤكدون ظاهرة مصاحبة البرق للزلازل، ويسمونها «برق الزلازل» الذي يحدث قبل الثوران البركاني أو الزلزال أو الإجهاد التكتوني، ولا يتضح من المقاطع المتداولة إن كان هذا برق زلازل أو مجرد اضطراب في شبكة الكهرباء بسبب الاهتزاز. وهناك تفسيرات أخرى ذات طابع سياسي، نفضل عدم التطرق لها.
نحمد الله لأن العلماء والخبراء يرفضون هذه النظريات ولا ينشغلون بها، ويركزون على كيفية الاستجابة للآثار المدمرة للزلازل، كما نحمده تعالى لأن العالم لا يلفت إليها، ويركز على إرسال فرق الإنقاذ والمعدات والأجهزة والمساعدات لإنقاذ من يمكن إنقاذهم من تحت الأنقاض وإسعافهم، وإيواء المشردين والمتضررين منهم، تاركا لأصحاب نظريات المؤامرة نظرياتهم التي تزلزل العقول وتشوشها قبل أن تزلزل الأرض ومن عليها.