بقلم: تيماء الجيوش
تزامناً مع احتفالات الدول قاطبةً بعيد المرأة في الثامن من آذار لهذا العام ، جاء اختيار نوال السعداوي ضمن قائمة مجلة Time magazine التايم الأمريكية للنساء الأكثر تاثيراً على مستوى العالم . سبق ذلك الاختيار تكريماً لها من مجلس أوروبا في العام ٢٠٠٤ ثم تلاه جائزة اينانا من بلجيكا، ثم لتعود و تفوز بجائزة شون ماكبرايد للسلام من مكتب السلام العالمي The Sean McBride Peace Prize
في سويسرا في العام ٢٠١٢ . جاء هذا تتويجاً لعملٍ رفيع و قّيم يعود لنوال السعداوي عبر العقود الخمسة الماضية. هي لم تتوانى عن التنوير الفكري و الثقافي و العلمي للمرأة و لم يبتعد هذا كثيراً عن هويتها فهي الطبيبة ، الباحثة، النسوية، المدافعة عن المرأة دون هوادة. تعكس سيرتها الذاتية الشيء الكثير من صلابتها و قيمها التي أخلصت لها.
فهي وُلِدت في بيئة متوسطة طبقياً في العام ١٩٣١ ، جدها شيخٌ من شيوخ الأزهر ، ووالدها ليس فقط مناهضاً للاحتلال البريطاني بل موظف ذو درجةٍ وظيفية عليا مما هيأ لها هذا تعليماً و ثقافةً مُبناة على المساواة و التعبير عن الرأي، تصاحب وعيها العميق مع تمرد على شرائط اجتماعية بالية. إعمال العقل هو نهج حياتها و ما أرادت لنفسها سوى ان ترسم الصورة الحقيقية للمرأة . الصورة الحقيقية لنوال السعداوي المرأة أولاً. تخرجت من كلية الطب في جامعة القاهرة لتبدأ مسيرتها المهنية كطبيبة في الأمراض الصدرية في العام ١٩٥٥. التواصل المهني المباشر مع المرضى قادها إلى لمس معاناة و اضطهاد المرأة لمس اليد على صعيد الأسرة و المجتمع و هذا تحديداً أوصلها إلى نتيجةٍ مؤداها أن القمع المجتمعي للمرأة يؤدي إلى الكثير من الأمراض النفسية و الجسدية للمرأة كما كان من نتيجته ايضاً ان يدفع بنوال السعداوي لان تكون مدافعةً عن حقوق الإنسان و حقوق المرأة .
في كتابها المرأة و الجنس انتقدت نوال السعداوي كل الممارسات التمييزية و العنيفة ضد المرأة في الريف المصري ، ثم توجهت للمرأة العربية لتناقش أسباب الاضطهاد و جذوره فكان كتابها « الوجه العاري للمرأة العربية» . و لا احد يجافي الحقيقة بالقول ان أهمية كتبها تكمن في انها أسست النسوية الثانية في العالم العربي و ليس في مصر فحسب.
عندما سُجِنت في العام ١٩٨١ بسبب اراءها خرجت منه بكتابٍ عنونته «مذكرات في سجن النساء» . و هكذا بلغ مجموع إنتاجها الفكري أربعون مؤلفاً في العلم و الأدب . و لم يكن السجن فقط هو عقوبتها بل أن البعض رفع دعاوى قضائية لاسقاط الجنسية المصرية عنها.
وهو الأمر الذي رفضتهُ و بشكلٍ قاطع محكمة القضاء الإداري في مجلس الدولة في مصر في العام ٢٠٠٨. أو اتهامها بازدراء الأديان أو اعتماد قانون الحسبة للتفريق بينها و بين زوجها آنذاك الكاتب و المُفكر المصري شريف حتاتة، أو وضع اسمها على قائمة الموت للجماعات الارهابية المتطرفة.هذه الحرب التي لا هوادة فيها ضد نوال السعداوي يعود مركزياً إلى عملها فهي القت بحجرٍ في مياهٍ راكدة تحدثت عن المرأة و الجنس بعلميةٍ و منطق لما ارادت لرسالتها ان تصل ليس فقط للنساء بل للمجتمع بكافة اطيافه و لا حياء في العلم و بفكرٍ منفتح و موقفٍ انساني تحدثت عن التمييز ضد المرأة و انتهاك حقوقها ، ارادت ان تُشير إلى الانتهاكات التي اغمض المجتمع عينه عنها بالبنان، نوال السعداوي دأبت في كل عملها للبحث عن المرأة و الدين و السياسة ، إلى ان تقول لا لدونية المرأة ، لا للتمييز الجندري و لماذا هو قائم أصلا و بناءً على أية أسس؟ و الانتقاص من قيمتها الإنسانية للمرأة هل سيدفع بالمجتمعات حضاريا، أم سيكون سبباً لمزيدٍ من التخلف و الجهل؟ نزع الحجاب عن العقل و إعمال المنطق هو هدفها المعلن الذي لا تخفيه في لقاءاتها الصحفية أو مشاركاتها الفكرية. التناقضات الثقافية و الاجتماعية و الأخلاقية القهر و السلطة المطلقةلا تعاني منها النساء فقط بل الرجال ايضاً فالحلقة المجتمعية للاضطهاد تبدأ باضطهاد الرجل سياسياً أو طبقياً -اقتصادياً أو اجتماعياً فالرجل يواجه هذا الأمر خارجاً فهو قد يُضطهد من قبل رب عمله أو رئيسه و لكنه يعود ليعكسه على زوجته أو ابنته أو اخته و ينفس عن هذا الغضب على السلطة في عائلته بحسب شرح نوال السعداوي . . و في معرض إجابتها على حرية التعبير في احدى المقابلات قالت ما يلي: «أنا مع حرية التعبير طبعاً أنت أرسم اللي أنت عايزه وأكتب ومَن اللي يحكم؟ الجمهور هو اللي يحكم ويرفضوك مش إنه يقتلوك إنهم لا يقرؤوا لك يعني أنا مثلاً لو واحد رفض روايتي مش عايزها لا يقرأها لكن مش يقتلوني.»
و برمزيةٍ و بدعمٍ من الحركة النسوية المصرية قررت التقدم للترشح لانتخابات الرئاسة المصرية في العام ٢٠٠٥ وًكان برنامجها الانتخابي يعكس تماماً من هي نوال السعداوي و كان يتألف من ستة نقاطٍ أهمها ثلاث أولى أساسية:
الأولى: فلسفة التعليم و التي يجب ان تشجع الحوار و الإبداع و التعبير مع التأكيد على ان تكوين العقل النقدى الحر هو أساس التقدم فى العلوم والفنون وجميع مجالات الحياة المتجددة المبدعة.
الثانية: فلسفة الحكم : الحكم يجب ان يكون لا مركزياً و يعمل بمبدأ المساءلة و المحاسبة ، وتكون جميع المناصب فى الدولة بالانتخاب الحر المباشر ، ويلغى مبدأ التعيين خاصة فى المجالس النيابية والتشريعية والتنفيذية العليا .
الثالثة: ان يتم تغيير جميع القوانين التي تكرس التمييز ، و أن حقوق النساء والأطفال من أهم حقوق الانسان , التى نصت عليها المواثيق الدولية , لأنها حقوق انسانية عالمية عادلة لا يصح انتهاكها تحت اسم الهوية أو الخصوصية الثقافية أو العادات أو التقاليد لأى مجتمع.
ما أن تتم قراءة برنامجها الانتخابي حتى تعلم يقيناً انها ارادت ان تُثير حواراً على صُعدٍ سياسية اقتصادية اجتماعية و ثقافية ارادت بها أن تُعيد الحيوية للساحة المصرية، أن تُضيف فصلاً نسوياً يليق بمصر و دورها الحضاري و المدني. نوال السعداوي تعلم ان هكذا برنامج انتخابي لا بد له من البلورة و التشذيب و هي كانت تعلم ان فرص نجاحها السياسية محدودة و ليس لها من الدعم السياسي الشيء الكثير لكنها اقدمت و بكل ثقة على ممارسة حق ضمنه لها الدستور المصري. لم تخالف عاداتها و قررت ان تكسر اطاراً نمطياً اخر.
كنت لا ازال في الخامسة عشر من عمري عندما حضرت نوال السعداوي إلى دمشق لتلقي محاضرةً في المركز الثقافي في أبو رمانة اصطحبنا اخي عدنان أنا و شقيقتي كنده ، أراد لنا ان نرى نسويةً لاتهدأ و مثقفةً سلمية تعمل بشكلٍ دؤوب و متواصل على ابقاء نافذة النقاش مشرعةً و حيوية . رأيناها حينها كما هي ، كما احبت الآخرون ان يروا فيها ، المرأة الحقيقية ، النسوية، الكاتبة، المدافعة عن حقوق المرأة . اكتظ مركز أبو رمانة بالحضور و بانتهاء محاضرتها وقوفاً حيا الجميع امراةً شجاعة هي نوال السعداوي. أسبوع سعيد لكم و لكن جميعاً.
اسبوع سعيد لكم جميعاً.