بقلم: علي عبيد الهاملي
لا أذكر عدد المرات التي تسلمت فيها رسائل عبر البريد الإلكتروني، يبلغني مرسلوها أنه تم اختياري ضمن الفائزين بمبلغ كبير جداً في سحب إحدى شركات تقنيات الحاسوب، ويطلبون مني إرسال المعلومات الخاصة بي، ورقم حسابي في البنك، لتحويل مبلغ الجائزة إليه. كما لا أذكر عدد المرات التي وصلتني فيها رسائل من أشخاص لا أعرفهم، يخبرونني فيها أنه تم التبرع لي بمبالغ تتراوح بين مليونين وخمسة ملايين دولار من مؤسسات خيرية، ويطلبون مني تزويدهم ببعض المعلومات البنكية لتحويل المبالغ المتبرع بها إلى حسابي.
فالدكتور «كوفي والا»، الذي يعمل بإحدى شركات الأمن في دولة أفريقية مثلاً، أرسل لي مرةً إيميلا يخبرني فيه أن هناك صندوقا من الصناديق يحتوي على 20 مليون دولار و550 كيلوغراما من السبائك الذهبية تعود إلى أحد الأمراء، توفي قبل فترة، وأنه يريد أن نعمل معاً على نقل الشحنة من شركة الأمن إليّ، ويؤكد لي أن هذه العملية خالية من المخاطر بنسبة 100٪ وأنه عند الانتهاء منها يحق لي الحصول على 40٪ من إجمالي المبلغ، بينما سيكون نصيبه هو 60٪ منها، وينصحني بالحفاظ على سرية هذه الصفقة لأنه لا يزال في الخدمة ولا يريد أي تعقيداتٍ حتى تنتهي العملية.
وأخشى أن لا تصدقونني لو حدثتكم عن السيدات اللواتي توفي أزواجهن، وورثن عنهم ثروات طائلة، وقد كتبن إليّ يعرضن أن أساعدهن في إخراج هذه الثروات من بلدانهن مقابل نسبة مجزية، ولا عن ابنة أحد الزعماء الذين أطيح بهم في بلدانهم أثناء ثورات ما أطلق عليه «الربيع العربي» حينها، تعرض عليّ مساعدتها في إخراج الثروة التي تحتفظ بها في بلدها، مقابل نسبة مغرية جدا.
أما المكالمات التي تصلني من أرقام محلية ودولية، يخبرني المتحدثون على الطرف الآخر منها عن فوزي بمبالغ لا تقل عن نصف مليون دولار في كل مرة، ويطلبون مني تحويل مبالغ بسيطة إليهم لإرسال مبلغ الجائزة لي، فهي لا تنقطع عن هاتفي، رغم أنني أحاول التهرب من أصحابها، ليس هرباً من الثروة وإنما حفاظاً على عقلي، وكي لا أصاب بجنونها.
ولأنني إنسان، مثل سائر البشر، فكثيرا ما تراودني أفكار بأن الحظ قد طرق بابي أخيرا كي أدخل نادي الأثرياء الذين أقرأ أسماءهم في قوائم «فوربس» دائما، ولا أعرف ماذا يفعلون بالمليارات التي تتكدس في أرصدتهم البنكية، لكنني سرعان ما أعود إلى رشدي وأستعيذ بالله من الشيطان الرجيم الذي يجعل هذه الأفكار تحوم حولي.
أتذكر كل هذه الإيميلات والرسائل الهاتفية والمكالمات وأنا أتابع الحملات التوعوية التي تطلقها دوائر الأمن والشرطة بين فترة وأخرى لمكافحة الاحتيال الهاتفي والإلكتروني، والتي تخاطب الجمهور بمختلف اللغات، وتستهدف جميع شرائح المجتمع، لتحذيرها من عمليات النصب الهاتفي والإلكتروني، التي تروّج للفوز بجوائز وهمية بالأساليب التقنية الحديثة والتقليدية، لتضييق الخناق على المحتالين وضبطهم، والتصدّي لأساليبهم الإجرامية المتجددة بتدابير احترازية أمنية متقدمة، تتطلب من أفراد المجتمع رجاحة العقل في التعامل معها لمنع انتشارها، وتعزيز الأمن، ولفت أنظار الجميع إلى أهمية تكاتف الجهود المؤسسية والمجتمعية لإنجاح أهدافها، ودعوة أفراد المجتمع إلى ضرورة عدم الاستجابة للمكالمات والرسائل الإلكترونية والهاتفية الخادعة، وسرعة الإبلاغ عنها لاتخاذ الإجراءات الكفيلة بحماية أموالهم من هجمات قراصنة الهواتف المتحركة وشبكات الإنترنت المحليين والعالميين.
هذه الحملات ليست مطلوبة فقط، وإنما هي ضرورية في ظل ازدياد أساليب الاحتيال الإلكتروني، وفي ظل غفلة بعض الذين يتعرضون لعمليات الاحتيال هذه، ويستجيبون لها رغم التحذيرات الكثيرة التي تطلقها الجهات الأمنية، ورغم رسائل التوعية التي تبثها من خلال وسائل الإعلام ووسائط التواصل الاجتماعي، خاصة وأن بعض الذين يقعون ضحايا لعمليات الاحتيال هذه من فئة المتعلمين الذين يُفترض أن يكونوا أكثر وعيا من غيرهم، لكن الطمع يطمس أحيانا على عيونهم وعقولهم، على أمل أن يدخلوا نادي الأثرياء، وهو نادٍ مغلق على أصحابه، لا يستطيع دخوله المغفلون وغير المحظوظين الذين تجد فيهم عصابات النصب الإلكتروني صيدا سهلا للاستيلاء على مدخراتهم والأموال القليلة التي يمتلكونها، لأنها تعرف أن أصحاب الأرصدة والحسابات الضخمة أكثر ذكاءً منها، وإلا لما أصبحوا أعضاء دائمين في هذه الأندية المغلقة عليهم.
«مبروك.. فزت بالجائزة الكبرى» هو الطُعم الذي يستخدمه المحتالون لينظفوا جيوب المغفلين، ولا عزاء للحالمين بالثروة.