بقلم: تيماء الجيوش
لن نعود إلى الوراء هذا ما أكدت عليه كاميلا هارس نائبة الرئيس بايدن في حديثها مع قنوات إعلامية مختلفة حول المرأة ،حق الإجهاض وقرار ولاية أريزونا الأخيرة في تقييد هذا الحق بل انها أعادت العمل بقانونٍ قديم يعود الى العام ١٨٦٤ حيث يُقيّد هذا الحق بشكل شبه مُطلق . كنت قد ناقشت هذا الأمر في مقالٍ سابق و ما قررت بشأنه المحكمة العليا في الولايات المتحدة الأمريكية( جو رو- ويد) التي ألغت حق المرأة الدستوري في الإجهاض في أشهر سابقة مما شّرع الأبواب أمام الولايات المختلفة لتقرر و بشكل مستقل موقفها القانوني و التشريعي بشأنه. وهذا ما كان عليه الحال في قرار ولاية اريزونا الاخير، الذي جاء ليستدعي مرارة نضال خاضته النساء لقرن و نصف و هذه حقيقة أخرى دُفِعَ ثمنها .
جاء القرار قاسياً و خلق حالة من الارتباك القانوني ، فهو ينصُّ على معاقبة كل من يُقدم او يساعد على الإجهاض بالحبس ما بين سنتين إلى خمس ، أي انه يشمل الأطباء و الممرضين و موظفي القطاع الصحي في هذا .
في التشريع الأمريكي تقوم حكومات الولايات بإتباع القرارت الصادرة عن المحكمة الدستورية على انه مصدر تشريعي رئيسي لا يُخالف، فهو الضابط الذي يُثبت التوازن الدستوري و حماية الحقوق و الحريات المدنية.
في الحالين التي تمّ فيها تقييد حق المرأة ، كان الصوت النسوي قويا يناقش و يقدم كل الأسس القانونية و الأخلاقية التي تفضي إلى حقيقة مفادها أن جسد المرأة ملكاً لها وحقاً لها ، لا مساحة فيه لآخر يفرض ومن خلاله و عنه وعليه قيوداً ،سواء كان يبدر هذا الأمر من أفراد أو مؤسسات أو حكومات.
أثار القرار الحرية الانجابية للمرأة ، كما أثار فئة هامة من النساء اللواتي لا يسمح لهن وضعهم الصحي باستمرار الحمل، إما لضعفٍ لديهن ، أو ضعفٍ لدى الجنين الذي قد يكون محالاً استمراره.
المسألة ليست بذات البساطة التي نهجها الُمّشرع فيما نحى إليه، بل هي بالغة التعقيد و لها نتائج قانونية و سياسية. لا يمكن أن يبتعد القانون في جوهره عّما يلامس تفاصيل يومية يعيشها الأفراد ، القانون يعني حزماً لكنه لا يبتعد عن التعاطف ، يحمي الأفراد كافة و دوره أساسي في المجتمعات الإنسانية.
كما أن القانون يجب أن يوافق في الروح والنص المعايير الدولية. الحق في الحصول على خدمات صحية آمنة هي حقٌ أساسي من حقوق الإنسان.
القانون الدولي لحقوق الإنسان أورد بكل وضوح أن لكل فرد الحق في الحياة، الحق في التمتع بالصحة و الحق في أن يكون حراً من أي شكلٍ أو صيغة للعنف والدونية. حراً من التعذيب و أي معاملة قاسية ، غير إنسانية أو مُهينة. تؤكد هذه الشرعة الدولية الاستقلال الذاتي الجسدي ، أي أن الجسد و ما يتعلق به وما يُتخذ بشأنه من قرار هو حق ، هو قانون .
بشكلٍ موازٍ قامت لجنة اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة التابعة للأمم المتحدة، لجنة سيداو أو معاهدة حقوق المرأة، بالتأكيد بصورة دائمة على أن القوانين المقيِّدة للإجهاض هي في واقع الأمر تمييزاً ضد المرأة. ولا تستثني أحداً من النساء .
من يتابع اللجنة يعلم يقيناً أن تدابير الحماية التي تنص عليها سيداو وما يتصل بها من التزامات الدول، تنطبق على كل إمرأة، و كل ما عد ذلك هو تمييزاً.
لا عودة إلى الوراء ليس عنواناً او تصريحاً سياسياً يناسب مرحلةً ما بل هو ما تتجه اليه العديد من النساء و الحكومات الديمقراطية ، ربما هو عنوان مرحلة قادمة من النضال النسوي. الزمن له بعدٌ واحد ألا وهو إلى الأمام وليس التشبث بكل ما أساء إلى الإنسانية في ظل الجهل و انعدام الوعي و عدم احترام الحقوق .