بقلم: هيثم السباعي
أعلن الرئيس الأميريكي دونالد ترامپ بتاريخ ٢١ تشرين الأول/أوكتوبر ٢٠١٧ عن نيته، رغم إعتراض مجلس الأمن القومي الشديد، الإفراج عن كافة الوثائق فائقة السرية والمتحفظ عليها منذ مدة طويله حول إغتيال چون ڤيتزجيرالد كينيدي، الرئيس الخامس والثلاثين للولايات المتحده الأميريكية والمعروف ب (چي إف كي). تراجع الرئيس ترامپ عن مشروع قراره المذكور بعد عدة أيام بناء على طلب كل من مكتب التحقيقات الفيديرالي ووكالة الإستخبارات المركزية، ثم عاد وأكد نيته مجدداً، سأذكر في خلاصة هذه المقالات الدوافع التي تقف خلف قرار الرئيس ترامپ بنشر هذه الوثائق ونكىء الجروح في هذا الوقت بالذات، مع أنه يعلم ونعلم أن نشر الوثائق التي سيتم نشرها لاتسمن ولاتغني من جوع لسبب بسيط هو طمس الحقيقة من قبل “الدولة العميقة” التي وقفت وراء الإغتيال.
نذكر أنه في الساعة ١٢:٣٠ من بعد ظهر ٢٢ تشرين الثاني/نوڤمبر ١٩٦٣ إغتيل الرئيس كينيدي أثناء حملته الإنتخابية لفترة ثانية في مدينة دالاس عاصمة ولاية تكساس. وأعلنت وفاته في الساعة ٢:٣٠ في مستشفى القوات البحريه في المدينة، وفي الساعة ٢:٣٩ أدى ‘ليندون بي (بينز) چونسون’ نائب الرئيس، اليمين الدستورية ليصبح الرئيس السادس والثلاثين للولايات المتحدة.
تم توجيه الإتهام إلى الجندي السابق في مشاة البحرية السيد “لي هارڤي أوزوالد”، الشخصية المهزوزة المثيرة للجدل بالإغتيال مستخدماً بندقية قديمة صوبها إلى رأس الرئيس المصاب أصلاً بشظية أثناء الحرب العالمية الثانية من أحد طوابق مخزن للكتب المدرسية. لي هارڤي أوزوالد أميريكي منشق، متزوج من روسية أقام في الإتحاد السوڤييتي فترة زمنية طويلة نسبياً ومتهم بأنه ينتمي إلى الحزب الشيوعي. كما قام في إيلول/سيبتمبر بنفس العام بزيارة إلى المكسيك إلتقى فيها بمسؤولين في سفارتي الإتحاد السوڤييتي وكوبا. بعد مرور يومين من الإغتيال، قام اليهودي چاك (روبي) روبينشتاين، صاحب ملهى ليلي بقتل أوزوالد أثناء نقله من سجن شرطة الولاية إلى سجن فيديرالي بحراسة ضباط مكتب التحقيقات الفيديرالية (إف بي آي). المثير للإنتباه هو نقله دون إتخاذ أية إجراءات أمنيه لحمايته وكأن تعريضه للقتل كان مقصوداً كما سنرى فيما بعد، رغم أنه كان محاطاً بالضباط المذكورين. سنتطرق فيما بعد إلى مصير چاك روبي في سجنه وكيف كانت نهايته.
إغتيال كينيدي الذي اعتبر في حينها أصغر رئيس وأول وربما آخر رئيس كاثوليكي بتاريخ الولايات المتحدة (جاء بعده بيل كلينتون الذي تولى الرئاسة وهو يصغره بعام واحد) هز العالم بشكل عام والأميريكيين بشكل خاص، علماً بأنه لا يختلف عن بقية الرؤساء الأميريكيين عندما تقتضي مصلحة بلاده القيام بعمل لا أخلاقي. چون كينيدي أمر بتفجير طائرة أمين عام الأمم المتحدة في زمنه السويدي ‘داغ همرشولد’ في كانون الثاني/يناير ١٩٦١ أثناء قيامه بمهمة وقف إطلاق النار في الكونغو لمعارضته سياسة الولايات المتحده ضد باتريس لومومبا (قتل غيلة في شباط/فبراير من نفس العام من قبل تشومبي بتواطؤ غربي) الذي كان أول رئيس وزراء كونغولي تم إنتخابه ديموقراطياً بعد استقلال البلاد عن الإستعمار البلجيكي لإتهامه بالشيوعية.
عندما إغتيل “چي إف كي” كنت في عز الشباب ومن المعجبين به جداً. بالفعل منذ ذلك الوقت حتى اليوم لم يصدر بموضوع إغتياله تقريراً مسموعاً أو مكتوباً أو مرئياً على شكل مسلسل أو فيلم سينمائي إلا تابعته ولا أزال. وقد تشكلت لدي قناعات كثيرة أوصلتني إليها وأكدتها ملاحظات ومشاهدات وأحداث لا يمكن إلا أن تكون براهين على تلك القناعات التي توصلت إليها. وقد قمت منذ عدة أعوام بكتابة عدة مقالات على صفحات هذه الجريدة الغراء تشرح تسلسل الأحداث وتفند الدوافع والجهات المستفيدة من الإغتيال. وأراني اليوم مدفوعاً مرة أخرى للكتابة حول هذا الموضوع مع بعض التعديلات والإضافات طبعاً. وسأقوم أيضاً بنقل آراء المؤرخين والمحققين الصحفيين الذين أدلوا بدلوهم لأول مرة أو مرة أخرى بعد أن عبر الرئيس ترامپ عن رغبته الإفراج عن وثائق الإغتيال.
سأبدأ هذه المرة بوصف الأحداث وتسلسلها من الموقع الذي تم إغتياله فيه. يميز الموقع الذي قتل فيه بأنه منعطف يُجبر الموكب الرئاسي على تخفيف سرعته. إختلفت شهادات شهود العيان في الموقع عن عدد الطلقات، فمنهم من قال إنه سمع طلقة واحده ومنهم من قال إنه سمع طلقتان وآخرين قالوا أن عدد الطلقات كان ثلاث وربما أكثر. إذا علمنا أن البندقية التي إستخدمها أوزوالد قديمة وإن إعادة تلقيمها اليدوي يحتاج لوقت أطول من سرعة الطلقات التي سمعت لشككنا بأن هناك شريك آخر أو أكثر بالإغتيال، ثم إن الرئيس المغتال أصيب بطلقتين إستقرت إحداها في الرأس والثانية في الرقبه يصفها بعض المحللين أنها أكملت طريقها لتصيب السيد كوناللي حاكم تكساس مؤدية إلى إصابته بجرح طفيف.
وللحيث بقية.