بقلم: هيثم السباعي
١. أفغانستان (تتمة):
ذكرنا في العدد الماضي أن السوڤييت دخلوا أفغانستان ونشروا جنودهم في جميع أطراف البلاد بهدف فرض الإستقرار، وأسندوا رئاسة البلاد إلى البارشامي بابراك كارمال الذي شكل حكومة جمعت طرفي النزاع على السلطة وأعني منظمتي خلق وبارشام، وغرقوا في الحرب الأهلية التي استعرت مسبقاً فيها وعرفت بحرب السوڤييت-أفغان.
لاتعنينا هنا تفاصيل الحقبة السوڤيتية التي انتهت بخروجهم عام ١٩٨٩ بقدر مايهمنا أبرز تداعياتها، داخلياً. كانت وكالة المخابرات الداخلية الباكستانية الراعي الرئيسي لدعم المجاهدين والعرب الأفغان والوسيط الوحيد بينهم وبين مموليهم وداعميهم. أقامت الوكالة المذكورة قاعدة تدريب وتنظيم على أراضيها التي تحد أفغانستان من الجهة الشمالية الغربية، بمساعدة القبائل المحلية (ديوباندي) التي لعبت دوراً رئيسياً بدعم الجهاد. من أبرز ممولي وداعمي المقاومين، العربية السعودية والولايات المتحدة الأميريكية. فقد قدمت السعودية مساعدات نقدية وعينية بمليارات الدولارات، شملت ٢٠٠٠ صاروخ أرض-جو من طراز “ستينغر” الذي يحمل على الكتف. قام حزب الشعب الديموقراطي ببعض الإصلاحات الإجتماعية، فمنع الربا الفاحش وأعلن المساواة بين الجنسين وأدخل النساء في المعترك السياسي.
نظراً لغياب الإحصائيات الدقيقة فإن التقديرات التي وصلتنا عن نتائج حرب السوڤييت-أفغان وضحاياها مختلفه جداً. فقد تراوح عدد الضحايا التي قتلها السوڤييت من ٥٦٢ ألف إلى مليوني أفغاني ونزح نتيجة القتال أكثر من ٦ ملايين، هرب بعدها معظمهم إلى باكستان وإيران. إنسحب السوڤييت من أفغانستان عام ١٩٨٩ واستمروا بدعم الرئيس محمد نجيب الله حتى عام ١٩٩٢.
٢. ظهور طالبان:
قام الصف الثاني من قادة الجمعيات وجبنيش والحزب الإسلامي وحزب الوحدة بين عامي ١٩٩٣-١٩٩٩٥ بعمليات اغتصاب وقتل وابتزاز. ذهب على أثرها المُلا محمد عمر إلى باكستان وعاد مع بعض المقاتلين وقتل جميع القادة المذكورين ومن اشترك معهم، فسطع نجمه كقائد لحركة طالبان التي أعلنت في إيلول/سيبتمبر عام ١٩٩٤ كحركة وميليشيا من طلاب الباشتون وتعهدت بتخليص أفغانستان من “أمراء الحرب والمجرمين.”
حصلت الحركة بعدها بقليل على دعم عسكري من باكستان، تمكنت بواسطته من السيطرة في تشرين الثاني/نوفمبر عام ١٩٩٤ على مدينة قندهار وسلموا زمام أمورها إلى الباشتون المحليين. فشلت الحركة بالسيطرة على العاصمة كابول في عام ١٩٩٥ ولكنها نجحت في محاولتها الثانية في إيلول/سيبتمبر من عام ١٩٩٦ وأعلنت يومها قيام إمارة أفغانستان الإسلامية وطبقت بحزم الشريعة الإسلامية الشبيهة لما هي عليه في العربية السعودية الوهابية، وأجبرت – حركة طالبان – نصف الشعب الأفغاني على الإقامة الجبرية، وشبه أطباء حقوق الإنسان الوضع عندها بروسيا الستالينية والخمير روج الكمبودية.
من وراء حركة طالبان؟؟؟
كثرت التحليلات التي تناولت الجهات الخارجية التي كانت وراء إنشاء حركة طالبان وبروزها على مسرح الأحداث، بعضها ينسبها إلى المخابرات الباكستانية، والبعض الآخر ينسبها إلى المخابرات الأميريكية إبان الحرب الأفغانية – السوڤييتية، وهي تنفي عن نفسها كل ذلك وتحكي على لسان مؤسسها المُلا محمد عمر كيف نشأت وتطورت. يستند الذين ينسبون قيامها إلى باكستان إلى الجولة الذي قام بها وزير الداخلية الباكستاني آنذاك، الجنرال ‘نصير الله بابر’ في جنوب وغرب أفغانستان في تشرين الأول/ أكتوبر عام ١٩٩٤ حيث التقى فيها بالقادة والمسؤولين في ولايتي قندهار – معقل الحركة – وهيرات وأرسل قافلة إغاثة من ٣٠ حافلة تحت قيادة كولونيل (عقيد) من المخابرات الباكستانية واستطاعت طالبان إنقاذها بعد أن حاولت جماعة جيلاتي بزعامة منصور آغا إعتراضها وبرز إسم طالبان في الإعلام العالمي منذ ذلك اليوم الذي كان يتابع أنباء الإستيلاء على القافلة. من الثابت أن حركة طالبان بدأت نشاطها قبل ذلك بأربعة أشهر على الأقل وجاء ظهورها متواكباً مع رغبة باكستان في الحصول على تأييد حركة شعبية بمثل حركة حركة طالبان التي بدأت تكسب تأييد الشعب الأفغاني يوماً بعد يوم.
يرى آخرون، أن المولوي فضل الرحمن، أمير جمعية علماء المسلمين في باكستان والذي كان يرأس لجنة الشؤون الخارجية في البرلمان الباكستاني في حكومة بناظير بوتو هو الذي طرح فكرة إنشاء حركة طالبان واستشار في ذلك “برهان الدين رباني وعبد رب الرسول سياف” وقد وافقا على إنشائها على اعتبار أنها يتوجه ضربة قوية لقوات حكمتيار عدوهما اللدود حينذاك.
اما المُلا محمد عمر مؤسس الحركة فيقول أن الفكرة نبعت في ذهنه بعد أن فكر في الفساد المستشري في ولاية قندهارحيث كان يتلقى علومه الدينية ورأى أنه لابد من وضع حد لهذا الفساد الذي أشاع الفوضى والإخلال بالأمن في ربوع البلاد ودعا بعض طلاب المدارس الدينية فوافقوا على العمل للقضاء على الفساد وبايعوه أميراً لهم، وفي ٠٣-٠٤-١٩٩٦ اجتمع ١٥٠٠ من علماء أفغانستان من مناطق مختلفة وبايعوه أميراً على البلاد.
في العدد القادم سنتحدث عن علاقة الحركة بالعالم وبداية النهاية.