بقلم: كلودين كرمة
الاحتلال بمعناه المعروف هو استيلاء دولة على أخرى بالقهر أو بالقوة..وهذا اعتداء واضح يسبقه تصريحات وتهديد ووعيد ، ينذر به مسبقا خلافات سياسية وأزمات اقتصادية أو منازعات دينية ، تهدف إلى السيطرة التامة على الأراضى وإلى استغلال الموارد الطبيعية وخنوع الشعوب. ولكن الاحتلال بمعناه الأحدث والأكثر تعقيدا هو الاحتلال السلمى وهذا يكون بالحجر على الأفكار والآراء ومحاولة توجيه الرأى العام الى مسار محدد واختلاق الأزمات حتى تبقى الأغلبية العظمى من الشعب فى هم وحيرة وقلق لعدم امكانهم من تدبير أمورهم الحياتية وبالتالى يستحيل أن تكون لهم نظرة مستقبلية ، فكل شئ مبهم والرؤية غير واضحة والأبواب مغلقة ؛فإن كنت لا استطيع أن ادبر أمور يومى فكيف يتسنى لى أن أبنى مستقبلى ؟؟ وبالطبيعى أن تعكس هذه الصورة وسائل الإعلام المختلفة وكذلك الصحف وتصبح قضية مجتمع وتظهر التعليقات والصور المعبرة عن هذه المأساة وكذلك السخرية من هذه الأوضاع الكارثية على وسائل التواصل الإجتماعى ؛ فالكل يشترك برأيه و يبرز فى حروف ما يعوق انطلاقه محاولا أن يكسر الأغلال ويتخطى العوائق ويحرر نفسه مما يضيق به صدره. ولكن للأسف هناك أناس يُصدرون الرعب إلى نفوس البشر ويحذروهم من مشاركة أى رأى وإلا سيواجهون المتاعب الجمة وحينئذ فلا يلومون إلا أنفسهم ! وهذا أيضا كنوع من الإرهاب و صورة من صور الاحتلال .. إذ يتوعدون ويسلبون الحريات .. وأحب أن أنوه إننى لا أدعم أى من التصرفات غير المسئولة أو الأقوال التى تثير الرأى العام فهذه تسمى فوضى ولا تأتى بثمر نافع لبناء مجتمع واع ولا بناء مستقبل وحضارة ، بل على العكس تدفعنا إلى الخلف ونتقهقر خطوات وخطوات ونخسر الكثير ونفقد ما نملكه.. فحذار.. فلنفسح المجال للإبداع الحقيقى والإبداع يكون ظاهرا عندما نرى تطورا فى كل المجالات وعلى كل الاصعدة بشكل مؤثر فى طرق الإدارة ونهضة الاقتصاد حتى يرتفع مستوى المعيشة وتتحسن الأوضاع ويصبح كل فرد مهما كان مستواه المادى أو الإجتماعى أن يحيا حياة كريمة أمنة لا تحفها المخاطر لا ظلم فيها ولاقهر ولا إنحطات بأى شكل من الأشكال . فعندئذ يتحقق النجاح الحقيقى ، فعندما يشعر الإنسان بالتقدير والاحترام ويأمن على يومه وغده فإنه ينطلق للبناء والتعمير و يترسخ فى أعماق نفسه المعنى الحقيقى للانتماء لوطنه ؛ هذا الوطن الذى يحتويه ويحميه ويجله وبالمقابل يكون عليه رد الجميل عن طيب قلب فيخلص فى عمله ويتمسك بالمبادئ والأخلاق الحميدة ويعزز الصفات الكريمة فتختفى من مجتمعاتنا الصور المشوهة والألفاظ البذيئة ونستنكر السرقة والخيانة والإهمال حينئذ فقط لن نضطر لمخالفة ضمائرنا والتحايل على القوانين وتختفى ظاهرة المنتفعين والمنتهزين الذين يدفعون غيرهم إلى الهاوية حتى يعلو هم فوق القمم .. فإننى احلم بالمدينة الفاضلة التى تحكمها المبادئ السامية ويخضع العلم فيها للأخلاق و يبقى الإنسان فى صورته الأنقى على قمة هرم الأولويات..ونرفض تحويل” الإنسان” إلى إنسان آلى ، بدفعه فقط لتنفيذ الأوامر أو بالتحكم فيه عن طريق شرائح معدنية ملعونة ..فنحط من قدر اعظم مخلوقات الله القادر الحكيم..وكأن هؤلاء المعتدين ،الذين يدسون السم فى العسل ،أكثر فهما من العلى فيعتقدون بجهلهم ان يعدلون فى الإنسان وأن عمل القدير ناقص و يتخيلون أنهم بهذه التعديلات الإلكترونية يخلقون انسانا أكثر ذكاءا وتقدما.. فيالهم من تعساء ! فلنعمل معا ضد هذا السلوك المشين الذى يلغى الفكر و يحجم من الإبداع ..نعم إنه أيضا صورة من صور الاحتلال… فليستفيدوا من العلم والدراسة حتى يمنعوا الحروب و يقدموا العلاج للإمراض وليزيدوا من سعادة الإنسان ورفاهيته وعلو مكانته.