إن الحديث عن التعاون في ظل ما يعتري بلادنا العربية حالياً من أحداث قد يعتبره البعض ضرباً من ضروب الخيال، فالاحتقان السياسي الذي تشهده المنطقة إثر ثورات الربيع العربي وتبعاتها وصل إلى ذروته، ورغم محاولات جامعة الدول العربية – وهي الملاذ الأخير لتفادي التشرذم والانقسام – رغم محاولاتها لإيجاد سبل للتقارب بين الأشقاء العرب إلا أنها بذلك تشق طريقا مليئا بالأشواك و”المطبات” وقد نالها ما نالها من الانتقادات. وأيا كان الرضا عن أدائها فإن الدور الذي تلعبه الجامعة العربية غاية في الأهمية للحفاظ على الأمة وتماسكها ووحدتها ومواجهة محاولات التفكيك.
وفي ظل تأجج الخلافات السياسية فإن التعاون العربي في المجالات الاقتصادية والاجتماعية في إطار الجامعة العربية ومؤسساتها قد تبوأ أهمية خاصة، فهو الباب الخلفي للتعاون العربي؛ فتلتئم الاجتماعات المتخصصة في المجالات التنموية – بعيداً عن السياسة لتلتئم معها الجراح وتذوب الخلافات، فعلى نفس الطاولة يجلس الأشقاء المختلفة دولهم لتتوحد رؤاهم وتوجهاتهم؛ فتحقيق التنمية والسلم الاجتماعي في المنطقة أمر لا خلاف عليه ويصب في مصلحة الجميع، ومؤخراً عقدت منظمة العمل العربية وهي إحدى مؤسسات جامعة الدول العربية الدورة (41) لمؤتمر العمل العربي بالقاهرة بمشاركة وزراء العمل في الدول العربية وكذلك ممثلي أصحاب الأعمال والعمال العرب، المؤتمر عقد تحت رعاية الرئيس السيسي وفي كنف مصر أم العروبة ودولة مقر المنظمة، وقد كان لعقد المؤتمر في هذا الزمان والمكان بعداً خاصاً ؛حيث روعي خلال الترتيبات الخاصة بانعقاده حضور كافة الدول العربية، وقد شهدت كواليس تلك الترتيبات عمليات شد وجذب عنيفة استمرت لقرابة 5 أشهر وقد نجح التنظيم المحنك في جذب كافة الأطراف للمشاركة والذين التفوا حول هدف واحد وهو تنمية الأمة، وكان المحور الرئيس الذي دارت حوله النقاشات هو “التعاون العربي وآفاقه لدعم التشغيل” وهو عنوان تقرير مدير عام المنظمة السيد أحمد لقمان المقدم للمؤتمر.
ويطرح التقرير رؤية جديدة للتعاون العربي من أجل التشغيل والقضاء على البطالة ويوضح أسباب المشكلة وكيفية اجتثاثها من جذورها، ويطرح أرقاماً ومعلومات مهمة حول موضوع التشغيل منها على سبيل المثال ارتفاع نسب البطالة في الوطن العربية إلى 17 % وهي الأعلى بين أقاليم العالم حيث وصل عدد العاطلين العرب إلى 20 مليون عاطل عن العمل، ويعرض تجربة الاتحاد الأوروبي الرائدة في التعاون والوحدة، موضحاً أن انضمام الدول الفقيرة لهذا الاتحاد أدى إلى دعم اقتصاداتها ولم يضر بالدول الغنية. كما يؤكد التقرير على ضرورة تفعيل التجارة البينية في المنطقة والتي لم تتعد 10% خلال العقدين الماضيين، كما شدد على تيسير تنقل الأيدي العاملة بين الدول العربية وتعديل سياسات التعليم والتدريب لتلبي احتياجات سوق العمل.
شهد المؤتمر العديد من الفعاليات الهامة منها إطلاق شبكة عربية لمعلومات سوق العمل واعتماد توصية عمل عربية لحماية العاملين في القطاع غير المنظم، وناقش موضوع تفتيش العمل والتدريب المهني، وخرج المشاركون بتوصيات مهمة تدعو الدول العربية لبناء تحالف عربي لمواجهة البطالة يكون قادراً على الدفاع عن مكانة متقدمة ضمن التكتلات الإقليمية والدولية من منطلقات اقتصادية واجتماعية وثقافية تكاملية وليس تنافسية، كما أكد المؤتمر على أن التعاون العربي أصبح ضرورة لا جدال فيها لتعظيم المعالجات القطرية والقومية لقضايا التشغيل والبطالة والاستخدام الأمثل على مستوى الوطن العربي للطاقات المادية والبشرية المتوفرة.
وعادت وفود الدول العربية من وزراء عمل وممثلي أصحاب أعمال واتحادات عمالية حاملين إلى دولهم تلك التوصيات التي تلفها روح التعاون والتآخي والطموح فهل ينجح المؤتمر في لم الشمل العربي للالتفاف حول هم واحد وهو التشغيل بهدف حماية الأمة من آفة البطالة … هذا ما نصبو إليه جميعاً.