بقلم: هيثم السباعي
إستعرضت في المقاله السابقة، بإختصار شديد حقبة حرجة من تاريخ سورية إمتدت لعدة عقود أدت إلى خروج الشباب في آذار (مارس) ٢٠١١ مطالبين بإجراء بعض الإصلاحات السياسية والإقتصادية. قوبلت المظاهرات السلمية من اليوم الأول من قبل النظام بإستخدام القوة المفرطه، وإستمرت حتى يومنا هذا.
لن أدخل بتفاصيل العمليات العسكرية، خلال السنوات الخمس الماضية، لأن المتابع يعلم تفاصيلها اليوميه ويعلم أن النظام خسر أجزاءاً كبيرة من الوطن، لحين بدء الغارات الجويه الروسية في ٣٠ إيلول (سيپتمبر) ٢٠١٥ عندما إستطاعت قوات النظام مع مقاتلين من حزب الله اللبناني الموالي لإيران وكتائب القدس، من الحرس الثوري الإيراني والميليشيات الشيعيه العراقية التي تدعى بالحشد الشعبي، بإسترداد بعض الأراضي التي خسرتها من قبل. يهمني هنا الجانب السياسي، لأن حل الأزمة منذ يومها الأول سياسياً ولم يكن للحل العسكري أي مكان فيها كما يعتقد البعض، ولايزال.
عندما خرجت القوات الأميريكية التي غزت العراق عام ٢٠٠٣ بعد تقسيمه غير المعلن إلى إقليم كردي في الشمال وشيعي في الجنوب وسني في الوسط وتكريس الطائفية في البلاد من خلال تسليم السلطة المركزية للطائفة الشيعية المواليه لإيران، من جهة، ووجود حزب الله الشيعي، الموالي لإيران، في جنوب لبنان، من جهة أخرى، جعل من سورية الحليف الهام منذ عقود خلت لإيران أكثر أهمية لأن طريقها إلى شرق المتوسط أصبحت سالكة من خلالها. لهذه الأسباب كان دعم إيران للنظام بدون حدود. قدمت له النفط والمال والسلاح والمقاتلين من “ كتائب القدس” والحشد الشعبي العراقي، ومقاتلين من ‘نخبة’ حزب الله. لاغرو أن الدعم المالي تقلص خلال السنه أوالسنه والنصف الماضية بسبب إنخفاض أسعار النفط، من جهة والحصار الإقتصادي من جهة أخرى، ولكن الدعم العسكري لايزال مستمراً حتى اليوم.
زاد من حرية حركة إيران في المنطقة عامة وفي سورية خاصة، المفاوضات النوويه مع الأعضاء الدائمين في مجلس الأمن وألمانيا (٥+١)، وكانت الولايات المتحدة ممثلة برئيسها تحديداً مستعدة لغض الطرف، ولو مرحلياً، عن طموحات إيران الإقليمية، بل كان مستعداً لتقديم تنازلات من هذا الشكل في سبيل الوصول إلى إتفاق نووي، بأي ثمن وهكذا كان. إلا أنه من غير المسموح به أن تتجاوز الجمهوريه الإسلامية حدوداً معينه بالنسبة لطموحاتها الإقليمية. لاشك أن من حقها حماية نظامها والدفاع عن نفسها والتحول إلى دولة إقليمية كبرى. كما أن من حقها أن تعمل على تطوير إقتصادها وتحقيق إكتفاء ذاتي بكل شيءٍ إن أمكن مع عدم الحاجة لحماية خارجية. ولكن المبالغة بطموحاتها الإقليمية غير مسموح به بالتأكيد، وأن النجاح بتحقيق بعضها إنجاز عليها للمحافظة عليه أخذ المصالح الإقليمية والدولية بعين الإعتبار ولو أنها تتعارض مع طموحاتها. إن إصرارها مثلاً على الوصول إلى شرق المتوسط وحدود إسرائيل سيكبدها خسائر لايعوضها الإتفاق النووي. ذلك أن سيطرتها على بغداد يمكن القبول به لأن غالبية العراقيين من الشيعة. أما سيطرتها على سورية ولبنان وفلسطين، وتوسعها بإتجاه دول عربية أخرى فمستحيل ومرفوض، خاصة بعدما تأكد العالمان العربي والإسلامي السني أن مشروعها ليس إسلامياً بل مذهبي وقومي معاً. يدل على ذلك أن دول “هلالها” التي كانت في يدها صارت أقسام منها مع أعدائها، وهي لاتزال تحارب فيها ولاتزال قوية لعدة أسباب. لكن إنتصارها العسكري والسياسي الشامل غير ممكن، لذلك من الأفضل اللجوء للحوار مع المجتمع الدولي، وعلى رأسه أميريكا، تستطيع به إيران الوصول إلى الحد الأقصى من المكاسب التى لن يحققها التمسك بمشروعها الإقليمي.
ككل الأنظمة في العالم، كان النظام السوري منقسم إلى حمائم وصقور. إنتصر الصقور منذ البداية وقضوا على الحمائم بتدبير تفجير خلية الأزمة في مركز المخابرات العامة، وبقي الصقور يديرون الأزمة ويرفضون الحوار. لذلك حاول الصقور إسكات الحراك بتطبيق عقوبات جماعية على المواطنين من خلال الغارات الجويه والقصف بالمدفعية الثقيلة والدبابات وصواريخ أرض-أرض والبراميل المتفجرة غير الموجهه على الأحياء السكنيه والمحاصيل الزراعية والأسواق في ساعات الذروة. إلا أن كل تلك المحاولات لإسكاتها باءت بالفشل. خرج عدد كبير من الضباط والجنود من الجيش وشكلوا نواة الجيش السوري الحر الذي إستطاع الإستيلاء على مخازن أسلحة وتجنيد مواطنين أدوا الخدمة الإلزامية سابقاً والبدء بالمواجهات مع النظام.
عانت الثورة منذ بدايتها من عدة نقاط سلبية هامة تحتاجها أي ثورة في العالم. أهمها القيادة، لم تكن هناك قيادة للثورة للتحدث والتفاوض بإسمها، وبالتالي لم تكن هناك مطالب محددة أو جدول أعمال للثوار أو المضربين كي يتفاوضوا عليها مع النظام. لم تكن هناك أي علاقة من أي نوع تربط المعارضة الموجودة في الخارج مع المقاتلين على الأرض من الجيش السوري الحر. .
من الأخطاء التي إرتكبت آيضاً مطالب المجلس الوطني الذي تشكل من المعارضة الخارجيه. من أهم أخطائه سقف المطالب التي كبل نفسه بها وهي أن لاتفاوض مع النظام وأن على الرئيس الأسد الخروج من السلطة وماشابه. تفكك الجيش السوري الحر، أو على الأقل فقد كثير من مقاتليه بسبب نضوب الدعم المالي أوتقليصه ما حدا بأعضائه إلى الإنضمام إلى المجموعات الأخرى المقاتلة التي بدأ تشكيلها بدعم من جهات دينية مدنية وإقليمية مختلفه، وظهرت القاعدة في ميادين القتال التي إنفصل عنها أبو بكر البغدادي ليعلن خلافة الدولة الإسلامية في العراق والشام في ٢٩ حزيران (يونيو) عام ٢٠١٤.
لعبت المصالح الإقليمية والدولية دوراً هاماً بتطور الأزمة ووصولها إلى ماآلت إليه اليوم، كما أنها ساهمت بجعل القرارات غير سوريه. من الواضح، حسب مجريات الأمور أن الجميع يدير الأزمه ولايحاول إيجاد حل لها.
في العدد القادم سنتطرق إلى التدخل الروسي ودور الجماعات التكفيرية بالأزمة.
ميلاد مجيد وعام جديد سعيد ملؤه المحبة والسلام وكل عام والجميع بخير.