بقلم: ابراهيم شير
تشكيلة الحكومة السورية القادمة ربما تكون النقاش اليومي في المجتمع السوري حاليًا خاصّة عند الحديث عمّا ستقدّمه وكيف ستحلّ الأزمات التي تواجهها البلاد، وقد أُجزم أنّها ستكون تحت مجهر الشارع السوري بكل أطيافه ومشاربه والأغلبية يعوّلون على نجاحها حتّى تخفف الضغط عنهم. لكن السؤال المهم كيف ستنجح هذه الحكومة، هل لديها مقوّمات النجاح وآليّاته وهل بالفعل تريد أن تنجح؟ لكن في البداية يجب أن نعلم أنّها حكومة حرب وأنّ الحرب لم تنتهِ بعد ومعظم مقدّرات البلاد خارج سيطرة الدولة السورية.
أهمّ قاعدة عند اختيار المسؤولين في أيّة حكومة بالعالم هي (الإخلاص والاختصاص) فهذه الثنائية مرتبطة تمامًا بأي نجاحٍ حكوميّ، فلو كان الشّخص المختار ليكون وزيرًا أو مسؤولًا بمفصلٍ ما في الدّولة غير مخلص لوطنه سيتمّ شراؤه بكل سهولةٍ ولنا في رياض حجاب مثال على ذلك، ولو كان المسؤول مخلص لكنّه غير مختصّ سوف يفشل ولنا بالكثير والكثير من المسؤولين أمامنا عبرة ومثال، وبالتالي على الحكومة الجديدة أن تقتدي بوزارة الخارجية وأن تكون مثالًا لها، فهذه الوزارة متماسكة لدرجة ملفتة ويُقدَّم فيها صاحب الخبرة والمعرفة على صاحب الشهادة العليا، ويُحترم فيها التراتبية والهرميّة، لكن في وقت الضرورة ربما يتدخل الوزير نفسه لأمر قنصلي عادي، بالتالي نرى أنّ هذه الوزارة لا يوجد عليها شكاوى كثيرة سواء من السوريين في الداخل أو الخارج، وهي منتجة للدولة السورية وتسند خزينتها بشكل واضح، وبالتالي هي مثال للوزارة الناجحة التي تعمل بصمت بدون ضجيج أو تصريحات تخلق الأزمات مع الشارع. ويجب أن أكون صريحًا فالحكومات السابقة كانت تعتمد على أن يكون المرشح للمنصب الوزاري وطني مع بلده ووطنه قبل أي شيء ثم تأتي لاحقًا الأمور الأخرى، أمّا الحكومة القادمة يجب أن يكون الاعتماد فيها على الشهادات العلمية والخبرات العمليّة أكثر من الولاء فقط، وبالتالي سيتم خلق فرص اقتصادية كبيرة للشارع السوري وفرص وظيفيّة أيضًا.
الخطط الموضوعة للحكومة الجديدة من الآن سوف تركّز: أولًا: مكافحة الفساد من جذوره، وهنا سوف أقول أنّ عملية مكافحة الفساد قد بدأت منذ أشهر ومسؤولين كبار إضافةً إلى ضباط رفيعي المستوى تم كفّ أيديهم عن العمل ومحاسبتهم، والعملية الآن ستكون أشمل وأكثر إيجابية على الشارع. ثانيًا: عملية إعادة الإعمار سوف تسير بسرعة أكبر ممّا كانت عليه في الوقت السابق وسيتمّ إزالة كافّة الحواجز القانونية التي قد تصعّبها أو تؤخرها إضافة إلى عملية الاستثمار في البلاد، وإعادة الإعمار ليس فقط للمناطق التي طالتها الحرب بل أيضًا للقطاعات التي أصبحت متهالكة بسبب الحرب مثل الكهرباء والمياه والصحة والبنية التحتية. ثالثًا: دعم المنتج الوطني ومساعدة الصناعيّين بكل قوة من قبل الدولة ومحاولة استقطاب رؤوس الأموال السورية الموجودة في الخارج عبر ضمانات أمنية واقتصادية.
الحكومة القادمة عليها اختراق التكتلات المواجهة للدولة السورية خصوصًا في أوروبا، ويجب ألّا يتمّ السماح بحدوث أزمات اقتصادية أو تموينية في البلاد، ووضع خطط حقيقية لتجاوز أي أزمة مستقبلية، فهل من المعقول أنّ صيانة محطة أو محطتي كهرباء يؤدي لأن يعيش الشارع في ظلام لأشهر؟ وكيف لاتضع وزارة الكهرباء في حسبانها هذا الأمر المهمّ؟ لو فرضنا أن أميركا شنّت عدوانًا على سوريا كما فعلت في العدوان الثلاثي عام 2018 وقصفت محطات الكهرباء، هل من المعقول ألّا يكون لدينا خطّة بديلة؟ نحن الآن مقبلين على فصل الشتاء ولو فرضنا أنّ توريدات النفط تأخرت من إيران هل سندخل بأزمة محروقات وطوابير جديدة؟ بالتالي الحكومة القادمة عليها أن تضع خطط مواجهة حقيقية لأي أزمة قد تحدث.
لايوجد مسؤول سوري يخرج للحديث أمام الإعلام حول أي أزمة إلّا ويعيد ويصرّح بعبارة “قانون قيصر والحصار الجائر على الشعب السوري” عبارة حفظها الجميع عن ظهر قلب ولكن هل نصمت ونموت؟ الدولة السورية بإمكانها التأقلم مع قانون قيصر والتكيف معه بل والتغلب عليه أيضًا. فالدولة التي تستطيع خلال ساعات ضبط سعر الصرف وتخفيضه لأكثر من النصف، تستطيع بسهولة أن تضبط أي شيء آخر سواء بالتلاعب بالأسعار او إخفاء المواد التموينية أو السوق السوداء، لأنه وللاسف هناك سوق مواز حيث الأسعار موازية والكميات لامحدودة من كل شيء، وبالتالي من يضبط سعر الصرف بساعات يستطيع فعل كل شيء. ومن الضروري أن تستغل الحكومة القادمة ثغرات قيصر وهي كثيرة بالمناسبة، أولها استثناء بعض المناطق السورية غير المشمولة بالحظر مثل: مناطق مليشيات قسد، ولدى الدولة السورية فيها مناطق كبيرة تسيطر عليها وهو ما يتيح لدمشق القضاء على هذا القانون عبر الاستعانة بها بطريقة أو بأخرى. بالإضافة إلى أن المناطق التي استأجرتها روسيا في سوريا مثل: مرفأ طرطوس غير مشمولة بالعقوبات وموسكو حليف لدمشق، والحكومة القادمة تستطيع أن تدخل من هذه الثغرة واستيراد البضائع باسم المناطق هذه. وهناك أمر آخر تستطيع الحكومة الاعتماد عليه ضد قيصر وهو التحالف مع الصين، حيث بكين تريد الدخول بشكل جدي إلى سوريا وتبحث عن الاستثمار فيها والوصول إلى البحر الأبيض المتوسط أيضًا، وبالتالي تستطيع تجاوز الحرب الاقتصادية عبر حليف اقتصادي اخر.
قانون قيصر تم تهيئة الأرضية له منذ عام 2014 خصوصًا عندما زلّ لسان الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما وقال أن واشنطن تسعى إلى استمرار الحرب في سوريا حتى يتم إلهاء “النظام” بها مما يؤدي لقيام الشريحة المؤيدة له بالتظاهر ضدّه، وبالتالي أي مسؤول يزيد الضغط على الشارع السوري وهو لايحرك ساكنًا لتخفيف هذا الضغط أو يضع تقصيره على قيصر هو شريك لواشنطن بهذه الحرب الاقتصادية ضد الشعب السوري.
منذ سنوات عديدة كشفت الإدارة الأميركية عن بعض سجلات المخابرات لديها وكان الملفت فيها هو العميل (XY) أو (فيرويل) هذا العميل بقيت شخصيته سرية حتى اليوم، وهذا العميل كان مسؤولًا كبيرًا في الاتحاد السوفيتي والولايات المتحدة لم تطلب منه أي شيء رغم مركزه الكبير في الاتحاد، ولكنها طالبت بأمرٍ واحدٍ لاغير وهو أن يصل الأشخاص الجهلة وعديمي المسؤولية إلى مناصب عليا في الاتحاد وأن تكون بين أيديهم مفاصل القوى، ويقال أن هذا العميل هو من أوصل الرئيس السوفيتي الأخير ميخائيل غورباتشوف الذي فكك الاتحاد وأسقطه.
أنا اليوم أرى كل مسؤول أو وزير سوري فاشل في الإدارة وليس لديه خطط للأزمات ومهتَرِئ واتّكالي ومهتزّ بأنّه العميل (XY) الذي زُرع في سوريا لتدميرها، بالتالي يجب على الحكومة القادمة أن تكون بدون هؤلاء حتّى تستطيع العمل بنجاح.