بقلم: تيماء الجيوش
Magna Carta او وثيقة الحريات التي ظهرت في العام 1215 و هي كلمة لاتينية معناها الميثاق العظيم و تعد اول وثيقة شكلت القاعدة الأساس التي استند اليها القانون الإنكليزي في احكامه و مواده و الأهم من ذلك فهي أيضاً تُعدُ بأنها اول وثيقة دستورية او دستور في أوروبا قاطبةً . و لا يناهض الامر الحقيقة عندما قال البعض بأنها من اعظم الوثائق في التاريخ البشري كونها أرست الارض الصلبة لقانون حرية الأفراد في مواجهة السلطة الُمطلقة للحاكم فكانت الوثيقة القانونية – السياسية للتغيير في بريطانيا. ثم امتد تأثيرها الى المستعمرات منذ مائتي عام لتصبح مرةً اخرى رمزاً للتحرر السياسي و المطالبة بالحقوق بانتقال مبادئها و تأثيرها الى هذه المستعمرات. و قد تم تصديق الوثيقة في القرنين الثالث عشر والرابع عشر حيث تم تطبيق الفقرة الأساسية 39 التي تنص على الحريات الفردية و عدم التعسف في اعتقال أي رجل أو حرمانه من أملاكه أو سجنه ولو حدث ذلك يكون معارضًا للقانون .
تلا ذلك بقرون عدة ظهور الدستور بالصيغة التي نعهدها في العصور الحديثة حيث بدأت في الولايات المتحدة الامريكية بأول دستور مكتوب في العام 1778 ثم ليأتي الدستور الاول للثورة الفرنسية في العام 1791. لتعم العالم اجمع حركة تدوين الدساتير لاحقاً.
وبالتعريف الدستور هو:» مجموعة الأحكام التي تحدد شكل الدولة ونظام الحكم فيها ، وسلطاتها ، وطريق توزيع هذه السلطات ، وبيان اختصاصاتها ، وبيان حقوق المواطنين وواجباتهم.»
وينطبق تعريف الدستور هذا على تعريف القانون الدستوري ؛ لأن القانون الدستوري ما هو إلا الأحكام الدستورية المطبقة في بلد ما، وكذلك الامر بالنسبة للدستور المطبق في بلد فما هو الا مجموعة الأحكام الدستورية الخاصة بهذا البلد .
تأتي أهمية الدستور في اَي بلدٍ من انه يعتبر اهم القوانين السارية و اساسها و ان هذه القوانين ( المدنية، الجزائية، الإدارية …الخ) يجب ان تتسق مع الدستور أولاً و ألا تخالف احكامه لأنها احكام دستورية.
ويجرى وضع الدستور عادة عن طريق سلطة أعلى من السلطة التشريعية ، وتسمى السلطة التأسيسية ، وتتم إجراءات تعديل أحكام الدستور بطريقة أشد تعقيدا من الإجراءات المتبعة لتعديل الأحكام القانونية الأخرى .
وتطلق كلمة الدستور أحيانا فتنصرف إلى الوثيقة التي تحمل هذه التسمية ، أو ما يراد ضمنها ، مثل القانون الأساسي للدولة ، وهذا هو المعنى الشكلي للدستور ، و هذا التعريف تحديداً يُقصي ما ليس دستورياً و ما ليس وارداً في الدستور و نعني هنا عندما يكون العرف هو المصدر لنصٍ او أمرٍ دستوري.
أُطلِقت منذ أيام حملة من قبل ناشطاتٍ نسويات و تحديداً في التاسع عشر من كانون الثاني / يناير من العام 2019 ، هدف هذه الحملة و عنوانها تعديل دستوري New Amendment في الولايات المتحدة الامريكية و اضافة بابٍ خاص ب الحقوق المتساوية و الذي تستعر النقاشات حوله من عقودٍ عديدة. أُطلِق اسمٌ مختصرٌ عليه ERA/ Equal Rights Amendment
و ما تعنيه عملياً هذه الحملة بأهدافها هو التاكيد على معاملة المرأة بمساواةٍ مع الرجل ان كان هذا على مستوى الولايات أم على المستوى الفيدرالي و لاحقاً لم يكن مفاجئاً انضمام العديد من الشخصيات السياسية و المجتمعية لهذه الحملة الوليدة. التمييز بين الرجل و المرأة هو حقيقة يومية نعيشها. و ترجمة ذلك قانوناً على سبيل المثال في العالم العربي نجده في الارث، في التعليم ، في العمل ، في زواج الصغيرات، في الطلاق و الحضانة و تعدد الزوجات او حتى في بعضٍ من الخدمات الصحية الاساسية. ناهيك عن العنف ضد المرأة . و لو تفحصنا قليلاً سنجد ان العنف القانوني هو موجود وقائم أيضاً في دولة مثل الولايات المتحدة فمن قرائته سنجد ان القانون يميز جنسانياً بين المرأة و الرجل . إذاً لماذا لا يمكننا ان تُنشء منظومة قانونية تمنح المرأة القوة و الكرامة ؟ و هكذا كان قيام هذه الحملة النسوية في الولايات المتحدة الامريكية. فالعنف ضد المرأة موجود في كل المجتمعات و ان اختلفت اشكاله وأنواعه و شدته و منها العنف القانوني الذي يُعتبر احد أوجه العنف ضد المرأة لكنه أشدها قسوة و عودٌ على بدء ، لكن لماذا القانون الدستوري تحديداً المراد به ان يتضمن تغييراً بخصوص الحقوق المتساوية؟
النظم الديمقراطية تستند الى أربعة محاور جذرية ألا وهي النظام السياسي المُنتخب و المشاركة المباشرة للأفراد في الحكم و احترام حقوق الانسان و دور القانون Rule of Law الذي يضمن المساواة بين جميع الأفراد في الحقوق و الواجبات و بالتالي فهو الذي يضمن المساواة بين المرأة و الرجل. و القانون عموماً يجب ان يملأ الفراغ الذي يحدث بين التشريع المُطبق و تطور الشروط الاجتماعية و الاقتصادية و السياسية في اَي مجتمع . و غالباً ما تتطور هذه الشرائط بشكلٍ اسبق من التشريع لهذا نشأت الحاجة للتغيير القانوني كي يفي بمتطلبات المجتمع و التغيير القائم فيه. على سبيل المثال كان حق الانتخاب و التمثيل النيابي ممنوعاً على المرأة في القرن الماضي بل كان محرماً . لاحقاً كان نصيب المجتمعات المدنية ان تلحق تشريعاتها الركاب و تتسق مع المتغيرات المجتمعية العميقة وتفي بأسس الشراكة و ان المرأة هي مواطنة لها ذات الحقوق و الواجبات . و البدء كان قي إقرار القوانين بحقوق المرأة بالانتخاب و التمثيل و عُدَّ ذلك حقاً سياسياً و مدنياً اصيلاً ليس على الصُعُد المحلية بل و الدولية أيضاً و على ذات المنوال كان حق التعليم و العمل و اكتساب الجنسية و الطلاق. في العالم العربي كان المثال الابرز لهذا التغيير هو انخراط المرأة و ممارستها لحق العمل و حق التعليم ، من يلقي نظرة على احصائيات منظمة العمل الدولية او منظمة اليونسكو سيجد النسب مترافقةً مع الأعوام و تصاعدها المضطرد من حيث قطاعي التعليم و العمل و كيف استطاعت المرأة ان تثبت جدارتها في ميادين كثيرة. بديهياً هذا التغيير لم يكن وليد لحظته في دول العالم قاطبةً بل كان كما ذكرنا أعلاه تغييراتٍ عميقة في كل بلدٍ على حدة و ناصرها العديد من المدافعين عن الحقوق و المنادين بالتغيير في هذا البلد او ذاك ، تحضرنا أسمائهم ، ربما البعض من هذه الأسماء، في كندا كان هناك السيدةCasgrain التي نادت بمناهضة التمييز و كذلك السيدة Mary Ann Shadd و السيدة Emily Howard Stowe التي ناهضت التمييز و كانت اول من دعا الى انخراط المرأة في التعليم الطبي و في عالمنا العربي كانت السيدة هدى شعراوي مؤسسة الاتحاد المصري للمرأة و السيدة نازك العابد في سوريا. عندما تطالب الناشطات و المدافعات عن حقوق المرأة في الولايات المتحدة الامريكية بالتغيير الدستوري فهذا لأنه القانون الذي يحمي حقوق المواطنين جميعاً على قدم المساواة و لانه يوفر الحماية القانونية للمرأة دون تمييز و لهذا كان لا بد لنصٍ دستوري واضح و تعديلٍ غير قابلٍ للاجتهاد او التفسير . هكذا هي حقوق المرأة كجزءٍ من حقوق الانسان و المكفولة بالنصوص الدستورية. هذه هي الحركة التشريعية المعاصرة و المواكبة للتغييرات الحقيقية في اَي مجتمع هكذا تتبلور الحداثة و تكون مقدمةً لحداثة أعمق.
تغييرٌ دستوري قد يحدث في الولايات المتحدة و يُكرّس الحقوق المتساوية دستورياً و حركة نسوية في كندا هي بخير و تتبلور بشكلٍ حداثي يثير الإعجاب و نساء في العالم العربي يدافعن بجدارة عن حقوقهن و مطالباتٍ بالتغيير. إن أردت ان تعرف درجة تقدم مجتمعٍ ما فانظر الى اوضاع المرأة فيه . أسبوع سعيد لكم جميعاً