بقلم: سونيا الحداد
وصلني يوما على الميسينجر، وخلآل شهر رمضان المبارك! رسالة خاصة من صديق اعتبرته رجلا متملكا فكريا وروحيا، يدعوني الى الدعاء على هولندا بأن تتقطع أوصالها ويموت ابنائها الكفار عن بكرة ابيهم بالنار والكوارث وكل ما يمكن أن يدمرها تدميرا كاملا وأهلها بسبب إخراج فيلم فاضح عن النبي وسيرته مع نسائه العديدات. ويُشدد الداعي على نشر الرسالة وإكثار الدعاء كونه خير وأقوى سلآح!!! هذا الخبر بالأصل ليس صحيحا ولكن هذا الشخص لم يتقص عنه بل قام بردة فعله التلقائية التي تعبر بشكل مباشر عن داخليته وفكره الباطني.
أول شعور انتابني هو القشعريرة من قسوة الدعاء المرعب التي ذكرتني بما طلبه الله اليهود ساعة سأل شعبه المختار !!! بالدخول الى أرض الميعاد وحرق وقتل كل ما هو حي من بني آدم، حيوان ونبات. والشعور الثاني هو الإشمئزاز من كمية الحقد التي تحملها كل هذه القلوب والتي يعيش العديد منها في هولندا بالذات ويتنعمون في خيراتها. شيء لآ يحلمون به في أي بلد من بلدانهم الأسلامية. وتساءلت عن كيفية نهوضهم جميعهم الى التعاضد عالميا وبكل قوة ضد من يكتب كتابا أو يخرج فيلما يسيئ الى سيرة نبيهم ولكنهم لآ يحركون اصبعا مقابل المجازر المريعة من أغتصابات، وتشنيع وقطع رؤوس وحرق شعوب بأكملها وتهجيرها باسم الدين، وكأن كل هذا لآ يضر أبدا بسمعة النبي وكتابه، لآ بل يتهمون الغرب بالمكيدة ضدهم دائما وكأنهم بريئون من دم هذا الصديق!…
افتكرت جميع افلام الفيديو التي تنتشر بالآلاف على اليوتيوب ومحطات التواصل الفضائية عن معاقين عقليا يدعون الى ترسيخ الشريعة بالسلم أو الحرب من أجل الهدف الرئيسي والنهائي لكل مسلم شريف مؤمن، ألا وهو نشر الإسلام في بلد الكفار واحتلآل أراضيهم وأملاكهم ونسائهم وكل ما يمكن لهم من وضع اليد عليه وتطهيرها من نجسهم، دون أن تتحرك المراجع الدينية العليا والشعوب الأسلامية لوقف هذه التعاليم الأرهابية التي تدمر الإسلام وتهينه أكثر مما يقوله الكفار في أفلامهم وأقوالهم وأقلامهم. هذا الأعلام يأتي منهم ومن داخلهم وضرره أكثر من قنبلة نووية على الدين ونبيّه وأهله.
افتكرت طوابير المصلين التي تقفل الشوارع وتكبّر بمكبرات الصوت في شوارع الغرب الكافر استفزازا لآ علاقة له بروح التقوى والصلاة ولكنه يشوه صورة دينهم ونبيهم سواء، ثم يطلبون من العالم الاحترام. افتكرت الكاريكاتورات التي أدت الى مجزرة تحت اسم الله اكبر. ورايت أمامي مشهد بعض الشيوخ في فلسطين المحتلة والآلاف مجتمعه أمام المسجد الأقصى يدعون بأعلى أصواتهم على اسرائيل طالبين من الله أن يقتلهم بأشنع الطرق ويقتل أولادهم ويحرقهم والى آخره من الدعوات التي يطلبونها من الله ويرددها المصلون ورائهم، بينما من باعهم هم منهم وفيهم ولكنهم لآ يدعون الى التظاهر والتعاضد ضده! دُعاءات نسمع فحواها وتُترجم الى كل لغات العالم والعالم يتفرج ويشهد على مأساة تأكل نفسها بنفسها!
أجبت هذا الرجل الذي دعاني لمشاركته الدعاء بأنني لآ أدعو الله أبدا الى التشنيع والقتل والذبح وتدمير الآخرين، لأن الله هو الكمال والكمال لآ شر ولآ سلبية بداخله ابدا… الله لآ يمكن أن يقتل والا ماذا تُرك لابليس او الشيطان؟ ذكرته بما قاله نبيه في سورة النحل، الآية 125: «ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ»! وكان ردّه لي واضحا وهو أنه لآ يدعوني لأن أعتنق دينه ولكنه يطلب من العالم أن يحترم دينه كما هو يحترم ديني ودين الآخرين. كلام جميل وأنا واثقة من صدقية كلام هذا الرجل ولكنه لآ يدرك حتى اليوم بأنه لآ يمكن لمسلم أن يذبح ويطعن نائب في البرلمان الهولندي بالسكين مع كلمة «الله وأكبر» ملصقة على صدره المدرج بالدماء لأنه عبّر عن رفضه أو عدم إيمانه بالدين الإسلامي أو حتى لو افترضنا أنه استهزأ بهذا الدين ونبيه. لآ يمكن التظاهر في شوارع الغرب الكافر حاملين شعارات الشريعة واصمين أهل البلد بالكفار ومجتمعاتهم بالعاهرة النجسة وهم يأكلون من خيراتها ويستفيدون من خدماتها. لآ يمكن لهم إنشاء المدارس الدينية الإرهابية ومنع أهل البلد من دخول شوارعهم وتنجيسها، لآ يمكنهم قتل المثليين لآن الله دعاهم في كتابه المقدس الى ملآحقتهم وقتلهم حيثما حلوا. والى آخره من التصرفات المقيتة التي تسيئ بالدرجة الأولى الى سمعتهم والطلب من العالم أن يحترمهم ويحترم دينهم..
نحن في عصر لآ يمكن منع الناس فيه من حرية التفكير والتعبير، الأيمان أو عدمه، مهما كانت هذه الحرية صادمة. لو ان خبر أنتاج هولندا فيلما فاضحا عن النبي ونسائه كان خبرا صحيحا، لماذا لآ يُنتج المسلمون أفلاما أخرى تُعرّف النبي من وجهة نظرهم بدل اللّجؤ دائما الى التهديد والعنف؟ أنا أكيدة أن تصرفهم الأيجابي هذا سيكون له الأثر الإيجابي على كل الأصعدة. الحوار والتسامح والإبتعاد عن الردود العنيفة والتهديدات، والإبداع في الرد بطريقة حضارية، فعالة وذكية هي من خصائص النبل التي تفرض الاحترام ولآ تشتريه. العالم ليس بالكافر بل هو عالم حر لديه الخبرة والجرأة في التعبير عن رأيه وبكل الوسائل المتوفرة لديه، إنه حق مكتسب في الحرية الكلية في التفكير والتعبير، فاعملوا بالمثل. أكبر ثروات العالم متوفرة بين ايديكم، قوموا بتوظيفها بكل إنسانية، وعدل وذكاء وهكذا تفرضون احترام العالم لكم بالتأكيد. كونوا المثل الذي يدحض كل الأقاويل.
لماذا تخافون النقاش ومواجهة صراحة الرأي الآخر معتبرينه إهانة؟ الواثق من دينه ونبيه لآ يخاف أحداً ولآ يهتز لآي شيئ يُقال عنه مهما كان بشعا لأنه يعرف كيف يرد وبكل جرأة وليس بالإجرام وإهانة الغير بالكلام البذيء والشتيمة والدعوة الى القتل. أنها وسائل لن تجلب الأحترام ولن تمنع الكفرة في رأيهم عن التعبير لآ بل ستحفّزهم على المضي قدما في مسيرتهم، فما عليكم سوى القبول بهذه الحرية التي تمنحكم أنتم أيضا كل الحق في الرد بالمثل، حرية لآ يوفرها لكم الدين بالذات… الأحترام يُفرض، بالذكاء والسلام وليس بالسيف، فهذا الأخير هو سلاح العاجز!