بقلم: أسامة كامل أبو شقرا
يروى أن مجنونًا صعد أعلى المئذنة، في إحدى المدن، حاملًا طفلًا لا يتجاوز عمره العام الواحد. ثم راح يهدد ويتوعد بإلقاء الطفل من الأعلى إذا لم يجعلوه سلطان المدينة. فتجمع أبناء المدينة، بمن فيهم كبار القوم وأهل الحل والربط، في باحة المسجد يحاولون إثناءه عن عزمه، ولم يتركوا إلى ذلك وسيلة، من ترغيب أو ترهيب، ولكن من دون جدوى. وكان بينهم رجلٌ حكيمٌ، فقال لهم: يا سادة أنتم تخاطبون مجنونًا بالعقل والمنطق اللذين يفقدهما، فإني أنصح لكم أن تأتوه بمجنونٍ مثله ليقنعه.
فقالوا: فلنجرب، فأرسلوا من أتاهم بمجنونٍ آخر من أبناء المدينة. فقال له الحكيم: يا هذا لك منا هدية جميلة إن تمكنت من جعل هذا الرجل ينزل ويعيد الطفل سالمًا إلى أبويه.
فتقدم هذا المجنون نحو المئذنة ووضع يده على جدارها وخاطب نظيره قائلًا: إذا لم تنزل فورًا أنت والطفل، فسأهدم المئذنة بيدي هذه فتسقط بك وتموت أنت بالحال.
فلم تمضِ لحظاتٌ قليلة حتى هبط ذاك المجنون سُلّم المئذنة مسرعًا وسَلّم الطفل إلى والده ولاذ بالفرار.
هنا قال الحكيم: حقًّا لا يفهم المجنونَ إلا مجنون مثله. وكما قال الشاعر:
لكل شيء آفة من جنسه حتى الحديد سطا عليه المبردُ