بقلم : ﭽاكلين جرجس
تحل على الأمة الإسلامية و العربية فرحة عيد الأضحي المبارك التي تقترن بفريضة الحج ويزخر التراث الشعبي المصري بصور بديعة تحكي كيف يستقبل الأهل بمصر العيد بالفرحة والابتهاج ، و بالطبع أهم مظاهر عيد الأضحى هو ذبح الأضحية ، لكن فى حقيقة الأمر بدأ أمر ذبح الأضحية فى العصر الفرعونى و أستمر مع ظهور الأديان الإبراهيمية الثلاثة ولكن هل يحتفل أصحاب الديانات الإبراهيمة الأخرى –اليهودية، المسيحية- بذكرى “الذبيح”، وهل يقومون بذبح الأضاحى فى مثل تلك المناسبة ، و هل يتعبر مدلول هذه المناسبة الروحى واحد عند الجميع ، وهل مظاهر الاحتفال بالعيد اختلف من عصر الفراعنة حتى الأن ؟!!
نجد أن عيد الأضحى ظهر فى مصر القديمة بوضوح من خلال رسومات على جدران المعابد :
كان الاحتفال بالعيد يتخذ مظاهر تبدأ بذبح الذبائح وتقديمها قرابين للإله وتوزيعها على الفقراء، والبعض منها يقدم إلى الكهنة لتوزيعها أيضا، وكانوا يذهبون إلى الحدائق والمتنزهات والحقول ويستمتعون بجمال الطبيعة.
كان الحج أيضًا معروفًا لدى القدماء المصريين، فكانت لهم بعض المناسك المشابهة لما يقوم به الحجاج المسلمون حاليًا، كانت طقوسه تتم في منطقة “العرابة” في محافظة سوهاج، نظرًا لوجود معبد “خنتى أمنيتى”، ومدون الكثير من هذه المظاهر على جدران المقابر سواء الأفراد أو النبلاء، حيث اعتبرت مراسم رحلة الحج شيئًا روحيًا حرص المصري القديم على تسجيله على جدران مقبرته.
أما بعد ظهور الديانات الإبراهيمية الثلاث كان لكل منها طقوس و معتقدات مختلفة و منهم من لم يعد يؤمن بفكرة التضحية بذبح الخراف لكن اصبحت التضحية متمثلة بمبدأ العطاء كما حدث فى المسيحية .
بحسب الطقوس فى اليهودية:
وبحسب الاعتقاد بالنص التوراتى – العهد القديم- يحل عيد رأس السنة العبرية “روش هشانا”- كما يطلقون عليه – بعد انتهاء شهر أيلول العبرى وهو ذكرى ما يعتقدونه بأضحية إسحاق فى رأس السنة العبرية كما أنه يمثل اليوم الذى بشرالملائكة فيه سارة بولادة إسحاق عندما قال له فى سفر التكوين
خُذِ ابْنَكَ وَحِيدَكَ، الَّذِى تُحِبُّهُ، إِسْحَاقَ، وَاذْهَبْ إِلَى أَرْضِ الْمُرِيَّا، وَأَصْعِدْهُ هُنَاكَ مُحْرَقَةً عَلَى أَحَدِ الْجِبَالِ “
ومن شعائر اليهود فى تقديم القرابين “الأضاحى” عند هيكل سليمان- يزعم اليهود أنه تحت المسجد الأقصى -، كما في “التلمود” -كتاب تعاليم الدين اليهودى- والذى قدم وصف دقيق للهيكل.
ومن تقاليد عيد “روش هشانا” تناول شرائح التفاح المغموس بالعسل، رمزا لأمل أن تكون السنة الجديدة سعيدة، أما التقليد الثانى فهو التوجه إلى مصدر مياه مثل البحر أو أحد الأنهار أو الينابيع، حيث تتم تلاوة بعض الآيات وإلقاء قطع من الخبز فى الماء، رمزا لـ”إلقاء” جميع ما ارتكبه الإنسان من خطايا خلال العام المنصرم .
فى العقيدة المسيحية :
فطبقاً للكتاب المقدس، الذي هو كلمة الله ، وعد الله إبراهيم بابن يكون مميزاً جداً، فالله سيبارك كل شعوب العالم من خلال ابن إبراهيم. وأعطاه الله ابناً ومن ثم أمره أن يذبحه لكن تم إنقاذ ابن سيدنا إبراهيم لأن الله وفر حملًا ليكون مكان الصبى ؛ ونعرف جميعاً أن دم حياة الحيوان أقل من دم حياة إنسان، إذاً، كيف يمكن لمجرد حيوان أن يحل مكان إنسان؟ يعلم الكتاب المقدس “فَمِنَ الْمُسْتَحِيلِ أَنْ يُزِيلَ دَمُ الثِّيرَانِ وَالتُّيُوسِ خَطايَا النَّاسِ” (عبرانيين 10: 4).لكن يسوع المسيح وضع نفسه وضحى بحياته ليكون الذبيحة العُظمى، في مرة واحدة، البريء بدلا المذنب. سفك المسيح دمه،يعلم الكتاب المقدس “إِذْ إِنَّهُ، بِتَقْدِمَةٍ (ذبيحة) وَحِيدَةٍ جَعَلَ (المسيح) أُولَئِكَ الَّذِينَ قَدَّسَهُمْ كَامِلِينَ إِلَى الأَبَدِ.” (عبرانيين 10: 14)فنحن نستحق العقاب بسبب خطايانا لكن المسيح أخذ مكاننا وأخذ عقابنا لكي نتمتع بعلاقة مصالحة مع الله. مرة أخرى.
لذلك نجد أن المسيحى لا يؤمن بالأضحية إلا فى حالات “النذور” وهو ما يمثل خلاص من ضيقة أو من عدو أو من أزمة مالية، أو صحية، وذلك كون “المسيح” افتدى خطايا جميع البشر. “
أما بعد ظهور الإسلام و انتشاره فى بقاع الأرض :
تبدو عقيدة المسلمون مختلفة كليا أو إلى حد كبير مع المسيحية فيما تختلف شكليا مع نظيرتها اليهودية ؛ فالمسلمين، يحتفلون بعيد الأضحى وهو أحد أهم العيدين (والآخر لعيد الفطر)، ويوافق يوم 10 ذو الحجة بعد انتهاء وقفة يوم عرفة، الموقف الذى يقف فيه الحجاج المسلمين لتأدية أهم مناسك الركن الأعظم فى الإسلام وهو الحج ، ويعتبر هذا العيد بحسب المعتقد الإسلامى ذكرى واقعة إبراهيم عليه السلام عندما أراد التضحية بابنه إسماعيل تلبية لأمر الله، ويأتى ذلك استنادًا للنص القرأنى ، قوله تعالى:(وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ) (الصافات: ١٠٧).
ومن مظاهر احتفالات المسلمين فى هذا اليوم، التضحية بأحد الأنعام (خروف، أو بقرة، أو إبل) وتوزيع لحم الأضحية على الأقارب والفقراء ،-وهو ما يتشابه مع الطقس اليهودى- وذلك بعد الانتهاء من صلاة العيد والتى تكون بعد فجر اليوم الأول -10 ذو الحجة- تطبيقا للآية القرآنية(فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ) (الكوثر:٢).
لعل ما أجده مشتركًا بين جميع الأديان أن من عظمة و محبة الله للإنسان أن يضع لنا ميثاق للإنسانية يتجلى فيها فعل العطاء و البذل و التضحية؛ فالعطاء بسخاءيثمنه الله وهو يتمم فكره ومشيئته فى البشرية .
دعونا نتذكر الاعمال الذهبية التى ترفع أجر المؤمن عند الله في هذه الأيام المباركة من الأعمال الصالحة مثل الصيام، لما له من فضل عظيم وثواب كبير.و يستحب الإكثار من الصلاة لننول العفو والغفران ، و عمل المزيد من الأعمال الطيبة والصالحة، وإخراج الصدقات تقربًا إلي الله.