بقلم: حسّان عبد الله
قِيلَ : ما رَأَيْنا رَجُلًا جَريئًا رأى الموْتَ رَأْيَ العَيْنِ ، فما أَذْهَلَهُ ذلكَ عَمَّا يجِبُ أنْ يؤَدِّيَهُ أَجْرَأَ مِنْ تميم بنِ جميل . فَإِنَّهُ لمَّا جِئَ بِهِ إلى المُعْتَصِم ودنا منْهُ ، وقد كانَ جَنَى ما ساءَ المعتَصم ، دَعا بالسَّيْفِ فَجِئَ بهِ ، فجَعَلَ تميم ينْظُرُ إليهِ ولا يَقولُ شَيْئًا فَتَعَجَّب المُعْتَصِمُ وحَاضِرو المَجْلِسِ مِمَّا رَأَوْهُ منَ الجُرْأَةِ والثَّبات .
وكانَ تميم وضِيءَ الوَجْهِ وسيمًا ، فرأَى المُعْتَصم أَنْ يَعْلَمَ أيْنَ فُؤَادُهُ ولِسانُهُ منْ حُسْنِ هَيْئَتِهِ ونَضارةِ وَجْهِهِ فقالَ لَهُ: إِنْ كنتَ ذا حُجَّةٍ فَأْتِ بِحُجَّتِكَ . فقالَ لهُ: أَما وقد أَذِنَ أميرُ المؤْمنينَ فَإِنِّي أَقولُ ثُمَّ حَمَدَ اللهَ وَأَثْنى عليه وقالَ ما مُؤَدَّاهُ : إِنَّ الذُّنوبَ تُخْرِسُ الأَلْسِنَةَ وَتُصَدِّعُ الأَفْئِدَة ولقد عَظُمَتِ الإِساءَةُ وكَبُرَ الذَّنْبُ وساءَ الظَّنُّ ولم يَبْقَ إِلَّا عَفْوُكَ أوْ انتِقَامُكَ وأَرْجو أَنْ يَكونَ العَفْوُ أَقْرَبَهُما منْكَ ، وأَخَذَ يَسْتَعْطِفُهُ ببَيْتَيْنِ من الشّْعْرِ قائِلًا :
مَوْلَايَ إِنْ عَظُمَتْ ذُنُوبِي كَثْرَةً
فَلَقَدْ عَلِمْتُ بِأَنَّ عَفْوَكَ أَعْظَمُ
إِنْ كانَ لا يَرْجُوكَ إِلَّا مُحْسِنٌ
فَبِمَنْ يَلوذُ ويَسْتَجيرُ المُجْرِمُ
فَعَفا عنْهُ المعتصم لِحُسْنِ اعتِذارِهِ وكَمالِ آدابِهِ.