بقلم: هيثم السباعي
درج بعض المفكرين ورواد التنوير والحداثة العرب بالدعوة إلى ترك كل مايمت إلى تراثنا التاريخي العريق بصلة ورميه خلف ظهورنا والبدء من جديد وكأننا وصلنا إلى هذا الكوكب منذ فترة ليست بالطويلة. من المؤكد، برأيي الشخصي دائماً، ليست جميع المبادىء والقيم الغربية تناسبنا، سواء من الناحية الإجتماعية أو الأخلاقية وحتى بعض السياسية.
من المعروف مثلاً أن الديموقراطية البريطانية تختلف عن الفرنسية وكلاهما يختلفان عن الديموقراطية الأميريكية. لذلك أعتقد أن أياً من تلك الديموقراطيات لا يمكن أن نتبناها كما هي ونعتبرها مناسبة لنا. بل يجب علينا أن نأخذ منها مايناسبنا ويتماشى مع أخلاقياتنا ومفاهيم مجتمعاتنا المختلفه.
مما لاشك فيه أن النصوص الدينية لها علاقة بالتاريخ وليست فوق التاريخ إلا بمقاصدها الروحية والأخلاقية السامية. تبدأ مشكلات رواد النهضة والتنوير العرب مع الأصوليين المتعصبين لأنهم لايفرقون بين الإلحاد والإيمان المستنير، وأقصد هنا الذي يستخدم العقل. فإذا لم يؤمنوا مثلهم، بطريقة عمياء مغلقة وطائفية متعصبة إتهموهم بالكفر والإلحاد. وهنا يكمن سر تبعثر أغلب المفكرين العرب في أصقاع الدنيا المختلفه خوفاً من رجال الدين.
إن أساتذة الفكر العلمي الجديد في أوروپا وعلى رأسهم أبي الفلسفة الحديثة الفرنسي رينيه ديكارت أول الذين ميزوا بين العقيدة الدينية والمعرفة العلمية العقلانية. قالوا بما معناه: من الأن وصاعداً لسنا مجبرين على قبول كل ما وصلنا عن تراث الأقدمين وكأنه حقائق مطلقة غير قابلة للنقاش.”
وكذلك نحن بدورنا مسيحين ومسلمين في العالم العربي ينبغي علينا أن لا نصدق كل ما جاء بكتب التراث الديني وكأنها حقائق ثابته معصومة عن الخطأ. لايكفي أن يقول رجال الدين شيئاً كي نصدقه فوراً. ولكن علينا أن نضع كل المقولات والفتاوى تحت المجهر، ندققها ونغربلها وننتقدها عقلانياً لكي نضعها في خانة الصح أو الخطأ. فالله زود الإنسان بالعقل كي يستخدمه لا لكي يلغيه كما يجبرنا على ذلك المتزمتون الأصوليون. فهم يملؤون عقول عامة الشعب بأفكار التواكل والتسليم والغيبيات والخرافات والمعجزات فيلغون بذلك عقولهم التي تعتبر من أفضل ما وهبهم الله.
يقول ديكارت: “ينبغي علينا أن نفكك كل التصورات والأفكار الموروثة عن الأقدمين إذا ما أردنا أن نؤسس معرفة علمية دقيقة بالظواهر والقضايا أياً تكن. لا يكفي أن يقول رجال الدين شيئاً ما لكي يصبح صحيحاً بشكل تلقائي.”
تتألف المعرفة بالنسبة لديكارت من شقين سلبي وإيجابي. أما الشق السلبي فيكمن بالتخلص من معظم الأفكار القديمة التي تربينا عليها في البيت وبيوت العبادة والمدرسة. بعد نجاحنا بهذه العملية، يمكننا الإنتقال إلى المرحله الإيجابية ونشكل المعرفة الجديدة الصحيحة بالظواهر والقضايا. وهذا ما لا يفهمه المثقفون العرب، بغالبيتهم حتى اليوم لأنهم يعتبرونه تدميراً للتراث، علماً بأن كل القيم الأخلاقية والروحية لتراثنا العربي العظيم لن تهدم أبداً، ولن يمسها أحد. فقط أفكار التعصب والتزمت والتمييز الطائفي بين الناس سوف تتعرض للنقد والتفكيك
ونحن بدورنا لا يكفي أن يكرر رجال الدين نفس الكلام الخرافي صباح مساء لكي يصبح حقائق مُنزلة، فرجال الدين في نهاية المطاف بشر مثللنا، وجلَّ الذي لا يخطىء وكفانا جهلاً وتجهيلاً.
رمضان كريم وكل عام وجميع أهالينا في الوطن العربي بألف خير.