بقلم: تيماء الجيوش
عُرِف عن بروفيسور بول مارتين PROFESSOR J.PAUL MARTIN. تأسيسه لمركز حقوق الإنسان في جامعة كولومبيا مع البروفسور لويس هنكن Louis Henkin حيث قاما بتأسيسه في العام ١٩٧٨ The institute for the study of Human Rights. ISHR. والذي بات معهداً فيما بعد. وهو أي معهد دراسات حقوق الانسان ISHR يُعادّول معهد أكاديمي في العالم لدراسات حقوق الإنسان على تعدد الاختصاصات في إطارها حيث تتدرج من القانون ، إلى الصحة، الصحافة، البيئة، العلوم الإنسانية و العلوم الاجتماعية. أثرى المعهد ISHR الحياة الفكرية والعلمية في جامعة كولومبيا و الذي حدد أهدافه معلناً أن ما هو أساسي يتمثل في توفير تعليم متعدد التخصصات في حقوق الإنسان ، تعزيز البحث الأكاديمي المبتكر و تقديم الخبرات لبناء القدرات لقادة حقوق الإنسان و المنظمات و الجامعات في العالم . كما و عُرف عن بروفسور مارتين تأسيسه برنامجاً للمدافعين عن حقوق الإنسان والذي يتجاوز عددهم اليوم ٣٥٠ في أنحاء العالم. طوّّرَ بروفسور مارتين الكثير من المناهج الدراسية.
كان بروفيسور مارتين هو هذا المزيج بين الأكاديمي الذي يضع النظرية ، يحللها يبحث في نتائجها و صعوبات و إمكانية تحقيقها وبين ما يتم تطبيقه عملياً وجعله واقعاً معاشاً من حيث الحقوق و الكرامة الإنسانية. كان معنياً بالدرجة الأولى بتعليم و ثقافة حقوق الإنسان. كان مُدّرساً ، مستشاراً أكاديمياً لكثيرٍ من طلبة الجامعات في أطروحاتهم و المحامين. كان اهتمامه بحقوق الإنسان هو مركز إنتاجه المعرفي و الفكري. كان مصدراً هاماً لنا نحن طلبته الباحثين الزائرين في المعهد، القادمين بهدف تشذيب الوسائل و زيادة المعرفة و تطوير الشبكات الداعمة. قام بتدريب المئات من جاء قادماً من محامين و صحافيين و مدافعين من مشارب مختلفة و أفاض على الجميع بعلمه من حيث القانون الدولي و حقوق الإنسان في محاضراته ، لقاءاته، المؤتمرات و الحلقات البحثية. كان يؤكد أن تتمتع بحريات و حقوقك الأساسية يعني مبدئياً ان يحترمها الآخرون . تمنحنا حقوق الإنسان القوة كي نقف في وجه التمييز و العنف والحرمان و الإقصاء، تمنحنا القوة كي نقف في وجه ممارسات من يمتلك القوة و السلطة سواء تمّثل ذلك في حكومة ديكتاتورية، شخص،مؤسسة…الخ.
أمران في غاية الأهمية يعيهما من يعمل في حماية والدفاع عن حقوق الإنسان ، أولهما هو آليات نشر الوعي و المعرفة بهذه الحقوق و فهمها، بمعنى أن تُعّرف الأفراد حق المعرفة بالقوانين ، حقوق الإنسان ، المعاهدات الدولية عموماً وان هناك العديد من الوسائل المتاحة التي يمكن منها و من خلالها التبليغ و عبر وسائل متعددة. وثانيهما هو في حال وقوع الخرق كيف تمنعه ؟ وهذا الأمر تحديداً يحتوي على تحديات نوعية تختلف من بلد إلى آخر ومن مجتمع إلى آخر . في عالم متقلب سياسياً و اقتصادياً واجتماعياً مع كل ما تحمله هذه التقلبات في طياتها من تعقيدات و تحديات، بروفسور مارتين كانت لديه رؤيا مختلفة نوعياً ، تتجاوز ما هو كلاسيكي ، تستشرف مستقبلاً مختلفاً ، تنبه إلى حقيقة مفادها أن أبحاث حقوق الإنسان بطبيعتها تتجاوز التقسيمات الأكاديمية التقليدية ، وأن ما يحتاجه حقاً باحثو حقوق الإنسان هو تخطي الحدود النظرية و الانتقال إلى الممارسة العملية في تناولهم لانتهاك حقوق الإنسان. ومن منطقة تضجُّ بتعقيداتها السياسية والاجتماعية و الاقتصادية أتيت وكان لي نصيباً ان أكون باحثة زائرة في المعهد كان هذا في العام ١٩٩٩. أتيت أحمل الكثير من الرغبة لنهل المعرفة و دراسة حقوق الإنسان ، المعاهدات الدولية ، و الاتصال مع العالم الخارجي لتبادل الخبرات و معرفة المزيد من المصادر .
أتيت وانا أعلم يقيناً ان احترام حقوق الإنسان مرتبط ارتباطاً أصيلاً مع النظم الديمقراطية و دور القانون، و السؤال الذي كان يشغلني ما الذي يمكنني أن أقوم به كي أمد يد العون والخبرة ؟ كيف لي أن أطوَّرَ من المعطيات التي تحيط بي و الوسائل؟ آلية تطوير ما هو متوفر في البيئة المحلية؟ كان لي الشرف ان التقي الدكتور مارتين وان أكون في ضمن مجموعة من الباحثين في صفه. كل ما دار من نقاشٍ و معلومات كان له قيماً وثميناً . كان ينظر لنا متسائلاً كيف لكم ان تقوموا بعمل مختلف؟ ان تبتكروا ؟ ان تجعلوا حقوق الإنسان أمراً مفهوماً للأفراد ، أن يعوها و يعلموا أنها حقوقاً لهم ومن اجلهم لا يمكن انتهاكها؟ ثم يتابع في منحى آخر من النقاش صيغوا الخطط ، لا تستكينوا لنجاح ، بل اعملوا على تطويره، انتقدوا ما قمتم به ، تمعنوا جيداً في نقاط الضعف فيه، و العقبات التي واجهتكم ، ما يمكن التغلب عليها ، وما هو معقد ان كان ثقافياً، سياسياً أو اجتماعيا. ثم يعود ليؤكد أهمية مشاريع حقوق الإنسان على تنوعها ، آلياتها و أهمية البحث عن وسائل دعمه. مع انتهاء البرنامج خرج كل منا نحن الباحثين الزائرين برؤيا جديدة ، فهم أعمق، وتقدير لخبرة اكتسبناها ومصادر ثمينة . وهذا حقيقة انعكس على عمل كلٍ منا. عملت جاهدة ان انقل نصائحه إلى الواقع العملي. وكما قدم النصح أنشأت مكتباً للدفاع عن حقوق المرأة ، شاركت في تأسيس منظمة لحقوق الإنسان، ومن هناك كان العديد من الوسائل التي قمت بتطويرها في التواصل و مع انتهاكات حقوق الإنسان.
من هناك من خلف أسوار تجاوز ما وهبه بروفيسور مارتين من معرفة و خبرة ليصل إلى العديد من الأفراد ليس فقط في أروقة المحاكم في دمشق و لكن ايضاً في العديد من بلدان العالم. كل ما ذكره ان تكون خلاقاً ان تعطي ان تتنبه إلى أهمية التفاصيل و أن تقوم ببناء علاقة إنسانية و مهنية مع من يأتي مساءلاً عن حقوق، أن تلتمس سعة المصادر و ان تبحث عن شبكة للتنسيق. لم يقف إرثه عند حدود جغرافيا لكنه تجاوز ذلك منذ زمنٍ بعيد ، امتد نحو بلداناً مختلفة في العالم و لم يقف إرثه عند المئات من كان لهم شرف اللقاء به و نهلوا من علمه ، بل هو يمتد إلى ابعد من ذلك . ذلك هو الإرث الحقيقي لإنسان صنع تغييراً حقيقياً و جعل من الوعي و ثقافة حقوق الإنسان هدفاً ليصل كل من انتُهِك حقاً له. ذلك هو إرث البروفيسور مارتين.