بقلم: سليم خليل
بعد تنفيذ نظام العولمة الاقتصادية التي وُضعت منذ ربع قرن، صدرت عدة كتب لعلماء في الإقتصاد والمال حذروا فيها من نتائج الانفتاح الاقتصادي وفتح الاسواق ومن فشل النظام الاقتصادي الجديد في إنعاش وتحسين مستوى المعيشة على مستوى العالم أجمع .
تصريحات متناقضة تصدر يوميا تؤكد تحسن الأسواق الاقتصادية وفي ذات الوقت تصدر الاتهامات بأن بلدان مثل الصين تستغل النظام وتعوَم الأسواق ببضائعها الرخيصة وتتلاعب بأسعار عملتها المحلية – الياون – والنقد الأجنبي وتسبب أزمات البطالة وفقدان فرص العمل في البلاد الغنية .
إن الاتهامات صحيحة لكن هل هناك تحسن في الاقتصاد ؟
سؤال يستحيل الرد عليه لأن الرسوم الجمركية المفروضة حديثا لحماية الإنتاج المحلي ولتشجيع عودة الصناعات التي هاجرت إلى الصين والمكسيك وغيرها يصعب أن تحقق هذه الأهداف عندما نقارن تكلفة السلع المستوردة بتكلفة المواد التي ستنتج محليا في البلاد الغنية .
على سبيل المثال تكلفة الحذاء الرياضي من ماركات مشهورة في إندونيسيا ٢ دولار فقط ويباع للاستهلاك في أسواق الدول الغنية بسبعين دولارا !!! إذا أضفنا 20% (عشرين بالمئة) رسوم جمركية تصبح التكلفة 2.40 بهذا السعر يستحيل شراء الشريط اللازم لشد وضبط الحذاء من إنتاج الدول الغنية !!! هل ستتنازل الشركات عن نسبة أرباح هائلة لتنقل مصانعها من إندونيسيا أو الهند أو الصين ؟
إن أسعار الأحذية مثال ولا مجال هنا للحديث عن أسعار ألعاب الأطفال والألبسة المختلفة والأدوات المنزلية وقطع تبديل السيارات والهاتف الخلوي والتجهيزات التقنية إلخ إلخ .
أصرت دولة ألمانيا على شركة أحذية – آديداس- على أن تبيع أحذيتها في ألمانيا من إنتاج محلي ؛ أنشأت الشركة مصنع أوتوماتيكي يحرك مراحل الإنتاج – روبوت – الإنسان الآلي ويراقب الإنتاج عدد صغير من العمال 12 (إثنا عشرعاملا) فقط !!! وهذا مثال على مصانع آلية تنتشر في الدول الصناعية وغير الصناعية لتخفيض التكلفة والرواتب وضرائبها وتحل محل العمال في الإنتاج ؛ وهذا ما دفع المشرعين لطلب دفع ضريبة على كل روبوت يحل محل عامل في الإنتاج .
في نشرات الأخبار إعلانات عن مساعدة الدولة في الولايات المتحدة وكندا لمصانع السيارات وغيرها بمئات ملايين الدولارات لتشجيعها على استمرار الإنتاج في مصانعها لتشغيل العمال وأن بعض الشركات تسلمت المعونة وبعد فترة قصيرة أغلقت أقساما من مصانعها وسرّحت عمالها لأن المضاربة في الأسواق وتطور أساليب التصنيع جعلت من المستحيل استمرار الإنتاج.
السؤال الآن هل ستنشّط الرسوم الجمركية الإنتاج المحلي ؟
طالما الأسواق مفتوحة للاستيراد ستتحمل الشركات الرسوم الجمركية التي ستسحب من جيب المستهلك بالنسبة المذكورة، لآن كلفتها مع الرسوم الجمركية ستبقى أقل بكثير من كلفة إنتاجها في معامل الدول الغنية ؛ وستشكل الرسوم الجمركية نوعا من الضريبة الغير مباشرة تحول إلى خزينة الدولة من جيب المواطن المستهلك .
إننا ننعم بشراء سلع كثيرة بأسعار زهيدة وهذا يرفع من أهمية الدولار وقوته الشرائية، لنتخيل أن ما نشتريه من الأسواق عامة وخاصة من محلات – الدولار ستور – هو من إنتاج محلي بيد عاملة محلية وبمعاش حد أدنى -١٣- دولار للساعة !!!!
خلال ربع قرن على انتشار العولمة وفتح الأسواق ترابطت وتشاركت المؤسسات في الإنتاج والتسويق في مختلف الدول الصناعية بشكل يستحيل فيه العودة إلى الوراء والإنعزال !!!
عشرات المؤسسات الجبارة تتشارك في إنتاج وتسويق مختلف أنواع الطائرات والسيارات وآليات وتجهيزات تقنية ولن يتوقف الاعتماد على الروبوت في الإنتاج بالرغم من ضغوط الحكومات لوقف انتاج الروبوت للحفاظ على من يعمل في المصانع ؛ إنها كرة مغلقة عجيبة يصعب الخروج منها والعودة إلى الوراء والعالم بكامله في مرحلة تطور علمي وتقني تتسارع فيه الأدمغة في ابتكار تكنولوجيات مدهشة وتتسابق فيه المصانع لطرح الجديد في الأسواق وطبعا المكاسب لمن يسبق.