بقلم: سليم خليل
الغلاء جلاب ؛ البائع خسران والشاري ربحان ؛ هنٍي الشاري وعزٍي البايع ؛ اللي بتبيعو بتخسرو واللي بتشتري بتربحو إلخ …
أمثلة وأقوال كثيرة ترددت على لسان البشر منذ القدم حول التجارة والربح والخسارة ولا شك بأنه في غريزة كافة البشر رغبة في الربح والتعامل التجاري والبيع والشراء.
الأمثلة المذكورة أعلاه وخاصة – الغلاء جلاب – تنطبق حرفيا على السوق العقاري في كندا لآن ارتفاع الأسعار المستمر يلفت انتباه الجميع ويُغري أصحاب الودائع المصرفية ليستثمروا في شراء العقارات لأن فوائد الودائع المصرفية قريبة من الصفر وهذا مايدفع أصحابها على تحريكها واستثمارها في الأسواق وخاصة في العقارات التي شاهدت في السنتين الماضيتين ارتفاعا مذهلا .
ما حدث وما سيحدث أنه في الكثير من البلدان أكثر الذين باعوا وحاولوا بعد عام أو عامين شراء عقار مماثل لما باعوا عليهم أن يدفعوا أكثر . يقول الخبراء إن التسهيلات المصرفية في التسليف العقاري وتشجيع الدولة بتخفيض الفوائد يدفع جميع من لديهم دخل كافي أو ودائع مصرفية أن يغامروا في الاستثمار العقاري .
في الثمانينات ومطلع التسعينات من القرن الماضي كانت فوائد التسليف العقاري مرتفعة وهذا يعني ارتفاع تكلفة القروض المصرفية لشراء منزل ومرتفعة بالنسبة لدخل الموظفين وبقيت أسعار العقارات شبه ثابتة في عهد حكم حزب المحافظين برئاسة السيد براين ملروني وعانت الأسواق التجارية من ركود اقتصادي نتيجة سياسة معادلة الميزانيات . في أكتوبر ١٩٩٣ تسلم حزب الأحرار الحكم برئاسة السيد – جان كريتيان – وحدث إنقلاب إقتصادي عالمي ومحلي مع إعتماد سياسة العولمة الإقتصادية وفتح الأسواق وكانت النتيجة في كندا منح تسهيلات هائلة بمليارات الدولارات في التسليف العقاري ولشركات -هاي تيك – .
عندما بدأت ثورة الإتصالات الهاتفية والانترنيت والخليوي في التسعينات من القرن الماضي منحت الحكومة الكندية قروضا بشكل منح بمليارات الدولارات لشركات ال -هاي تيك- بشرط تسديدها عام ٢٠٢٠ ، لكن معظم تلك الشركات إختفت في مطلع القرن الواحد والعشرين الحالي نتيجة إنهيار أسواق الأسهم ؛ وبالطبع لن يعاد تسديد تلك الديون أو المنح .
بعد هذا الانهيار الهائل في أسواق الأسهم لم يبق في التداول والمغامرات التجارية سوى سوق العقارات وتحولت رؤوس الأموال إلى بيع وشراء العقارات ومنذ ذلك التاريخ ما تزال أسعار المنازل في كندا ثابتة وفي ارتفاع بالرغم من إنهيار السوق العقاري في الولايات المتحدة عام ٢٠٠٦ عندما اضطرت المصارف الأميركية إعادة امتلاك عشرات آلاف المنازل من المشترين الغير مؤهلين لتسديد إلتزاماتهم المالية وعرضت المصارف الأميركية للبيع تلك المنازل بربع قيمتها للتخلص من نفقات الخدمات والضرائب والتصليح والتأمين ؛ والتزمت السلطة بتغطية الخسائر بمئات المليارات لوقف إنهيار الأسواق ودعما للمصارف .
تتكرر تقارير الإقتصاديين المختصين بالأسواق العقارية في كندا بأن إرتفاع الأسعار الهائل خلال الأعوام السابقة غير مبني على الشراء لحاجة السكن إنما للتجارة ولتبييض الأموال وطمعا بالربح وهذا لا يبشٍر بمستقبل ثابت في الأسعار .
بالنسبة لتبييض الأموال ثبت أن الكثير من شراء العقارات يجري بناء على تسجيل شركة لا يُعرف أصحابها ولوقف هذا التداخل أجبرت حكومة مقاطعة بريتيش كولومبيا في غرب كندا أن يثبت عقد البيع والتسجيل أسماء وجنسيات مالكي أسهم تلك الشركات وفرضت ضريبة ١٥٪ على الأجانب لوقف إرتفاع أسعار العقارات في تلك المقاطعة .
مع إرتفاع أسعار المنازل يرتفع سعر إيجارها ويصعب بذلك على الأفراد ذوي الدخل المحدود استئجار مأوى للسكن وتقدم هذه الفئة من ذوي الدخل المحدود الشكاوي للسلطة في كافة المقاطعات متوسلة الحلول بدون الاستجابة التنفيذية، من أكثر تلك حكومات بما فيها الحكومة الفيدرالية !!! المفاجأة الآن أنه في حملة الانتخابات الفيدرالية الحالية تقدم كافة الأحزاب الوعود المغرية لبناء مئات آلاف المنازل للإيجار لصالح ذوي الدخل المحدود !!
إذا نفذت الحكومات المنتخبة الوعود بتنفيذ مشاريع بناء منازل للإيجار بأسعار في حدود إمكانيات المحتاجين، ماذا ستكون آثارها ونتائجها على أسعار بيع العقارات؟ سؤال ينتظر النتائج ملايين من المراقبين ومن العاجزين عن شراء مأوى لعائلاتهم في فترة إرتفاع الأسعار الجنوني الحالي .