بقلم: د. حسين عبد البصير
المتاحف المصرية
إن متاحفنا المصرية عريقة وعظيمة وتقدم خدمة مميزة وبأسعار رخيصة مقارنة بأسعار المتاحف العالمية علمًا بأن بعض المتاحف في العالم خصوصًا في المملكة المتحدة والولايات المتحدة الأمريكية تقدم خدماتها مجانًا، غير أن المعارض الخاصة والمعارض القادمة من خارج البلاد بها هي التي تكون ذات تذاكر مرتفعة.
وترتفع تذاكر المتاحف في البلاد الأجنبية إلى عشرات الدولارات أو اليورهات أو الجنيهات الإسترلينية، على عكس المتاحف المصرية التي تقوم في المقام الأولى على تقديم الخدمات الثقافية بسعر رخيص من أجل توضيح رسالة مصر الحضارية إلى العالم كله بثمن لا يذكر.
ولقد عرفت مصر المتاحف منذ القرن التاسع عشر في عهد الخديو إسماعيل وتم تأسيس بعض المتاحف في مصر كي تكون متاحف منذ البداية على عدد كبير من المتاحف في العالم مثل المتحف البريطاني في لندن ومتحف اللوفر في باريس والتي كانت قصورًا ثم تم تحويلها إلى متاحف مع الوقت على عكس المتحف المصري في ميدان التحرير الذي تم تأسيس منذ البداية في عام 1902 كي يكون وفقًا لأحدث تقاليد لبناء وعرض المتاحف في أوائل القرن العشرين.
وهناك متحف الآثار في مكتبة الإسكندرية والذي يعد أول متحف آثار يُقام داخل مكتبة. وجاءت هذه المبادرة نتيجة اكتشاف عدد من القطع الأثرية في موقع المكتبة. وتم تشكيل لجنة لإعداد الدراسات اللازمة لتكوين متحف يضم بعض الأعمال التي تم العثور عليها في موقع المكتبة. وتم تشكيل لجنة من الأثريين لإعداد خطة للمتحف. وتضم مجموعة المتحف عصورًا مختلفة للحضارة المصرية بدءًا من العصر الفرعوني وحتى العصر الإسلامي مرورًا بالحضارة اليونانية التي جاءت إلي مصر مع قدوم الإسكندر الأكبر والتي أعقبتها الحضارة الرومانية ثم القبطية قبل دخول الإسلام إلى مصر.
وُلدت فكرة استضافة متحف للآثار داخل مجمع مكتبة الإسكندرية الثقافي حين تم اكتشاف عدد من القطع الأثرية الرائعة التي تعود للعصر الهيلينستي والروماني والبيزنطي، وذلك ضمن أعمال الحفر التي تمت قبل إقامة المكتبة في موقعها هذا.ومتحف الآثار هو أحد المتاحف القليلة في العالم التي تعرض قطعًا فنية تم اكتشافها في نفس مكان عرضها.وقد تم افتتاح المتحف رسميًّا في ١٦ أكتوبر ٢٠٠٢. وقد اختيرت مقتنياته بعناية لتعكس تاريخ مصر الثري والمتعدد الثقافات والممتد عبر الثقافات الفرعونية واليونانية والرومانية، والقبطية والإسلامية، مع التركيز على الإسكندرية والمرحلة الهيلينستية. ويحتوي المتحف على ١١٣٣ قطعة معروضة أبرزها المجموعتان التاليتان:
- قطع فنية اكتشفت أثناء أعمال الحفر في موقع المكتبة (١٩٩٣-١٩٩٥).
- آثار رُفعت من قاع البحر المتوسط بالقرب من الميناء الشرقي وفي منطقة خليج «أبو قير».
وقد أنشئ المتحف في عام ٢٠٠١ بهدف تعزيز البحث والابتكار من خلال البرامج والأنشطة المختلفة. فهو يعمل على تعريف زائريه بالفترات المختلفة من تاريخ مصر، وعلى توعية الشباب والنشء ثقافيًّا عن طريق تقديم مجموعة مختلفة من البرامج التعليمية.
وقد صُمِّم المتحف بأسلوب عصري باستخدام أحدث تقنيات التصميم الداخلي؛ مثل أنظمة الإضاءة البصرية الحديثة التي تناسب المعارض، وأنظمة مكافحة الحريق والسرقة. وأضيفت اللغة الفرنسية مؤخرًا إلى بطاقات الشرح بجميع الأقسام بالمتحف بجانب اللغتين العربية والإنجليزية لخدمة كافة زائري المتحف.
ويعد الموقع الإلكتروني لمتحف الآثار والذي يضم قاعدة بيانات مسجل عليها ما يقرب من ألف قطعة أثرية هو الأول من نوعه على مستوى مصر؛ من حيث عرضه لأغلب مقتنياته للجمهور على شبكة الإنترنت باللغات العربية والإنجليزية والفرنسية. حيث يستطيع المستخدم من خلال الموقع الدخول على أيٍّ من أقسام المتحف وقراءة مقدمة تاريخية وفنية عن العصر الذي تنتمي إليه القطع المعروضة بتلك الأقسام، يلي ذلك عرض تفصيلي وسلس لأهم القطع الأثرية المعروضة بالقسم. كما يمكن لزائري الموقع القيام بجولة تخيلية داخل قاعات المتحف.
وتُعد مجموعة آثار «موقع مكتبة الإسكندرية» من أبرز وأهم المجموعات التي يضمها متحف الآثار؛ فهي تعكس المستوى الفني المتميز وطبيعة الحياة اليومية للعصر الهلِّينيستي، والروماني، والمسيحي. كما تعد نواة المجموعات التي أُلحقت به بعد ذلك من مختلف المتاحف المصرية؛ إذ إنه عُثر عليها أثناء حفر أساسات مبنى المكتبة الحالي. ويضم هذا القسم مائة وإحدى عشرة قطعة أثرية يأتي على رأسها أرضيات الفسيفساء بالغة الجمال التي تؤرخ للعصر الهلِّينيستي، والتي يُعتقد أنها كانت تُغطي أرضيات القصور الملكية التي كانت قائمة بهذه المنطقة.
ويعرض قسم الآثار الغارقة بعض القطع الأثرية التي تم انتشالها من قاع الميناء الشرقي بالإسكندرية، ومن خليج «أبو قير» – حيث كانت تقوم المدن القديمة «ثونيس-هيراكيلون»، و»كانوبس»، و»مينوثيس». وتضم هذه المجموعة – بجانب العملات والحُليّ والأمفورات – مجموعة متفردة من التماثيل وبقايا التماثيل، والتي يظهر فيها التأثير الأجنبي على الفن المصري. ومن هذه النماذج المتميزة تمثال من البازلت الأسود يُعتقد أنه يُصوِّر إحدى الملكات البطلميات والتي قد تكون «أرسينوي الثانية».
ويضم متحف الآثار بمكتبة الإسكندرية 183 قطعة من القطع الأثرية المكتشفة على جزيرة نلسون،حيثتقع على بُعد أربعة كيلومترات من رأس خليج «أبو قير» وثمانية عشر كيلومترًا من قلب الإسكندرية. وقد بدأت بعثة إيطالية من جامعة «تورين» أعمالها في جزيرة نلسون عام 1998، وأثمرت جهودها بالكشف عن أكثر من 200 قطعة ذات أهمية أثرية كبيرة ساهمت بشكل أساسي في فهم حياة وثقافة ساكني الجزيرة القدماء. ومن بين هذه الاكتشافات قطع ترجع إلى الأسرة المصرية السادسة والعشرين وإلى العصر البطلمي، بالإضافة إلى بعض القطع والنقوش والمقابر التي تعود إلى فترة الوجود البريطاني بعد معركة النيل في أغسطس من العام 1798.
وكان الحرص الدائم على تقديم كل ما هو جديد لزائري متحف الآثار بمكتبة الإسكندرية هو الدافع لاستعارة بعض القطع الفريدة من المتحف اليوناني الروماني لعرضها بشكل مؤقت. وتضم هذه المجموعات قطعًا متميزة فنيًّا وتاريخيًّا وأثريًّا؛ إذ تنتمي لموضوعات ومجالات متنوعة وترجع لعصور تاريخية مختلفة وهي كالآتي: مجموعة المحمرة التي اكتشفت بمنطقة سيدي بشر وترجع للعصر الروماني، ومجموعة من الأقنعة الجنائزية، ومجموعة تماثيل معبد الرأس السوداء الرومانية، ومجموعة خاصة بالإلهة إيزيس ومخصصاتها، وقطع منفردة مثل رأس الإمبراطور أوكتافيوس، وتمثال الراعي الصالح، وذراع من الرخام.
ويعتبر متحف الآثار في مكتبة الإسكندرية من أجمع وأروع المتاحف الأثرية في مصر. ويعرض مجموعة من القطع الأثرية في تتابع تاريخي يوضح ثراء وعظمة حضارة مصر العصور ويجسد بذلك رسالة مصر الحضارية الخالدة أرض الحضارات.
وهناك المتاحف الكبرى التي تعد في رأيي هدية مصر للعالم في القرن والعشرين والتي تعبر عن أهمية مصر ودورها الحضاري المتواصل عبر السنين وأعني المتحف المصري الكبير بالجيزة والمتحف القومي للحضارة المصرية بالفسطاط واللذين سوف يضيفان الكثير إلى مصر وآثارها وتاريخها الحضاري العريق واللذين سوف يقدمان خدمة ثقافية وترفيهية مميزة لمصر وزوارها بأرخص الأثمان مقارنة بالمتاحف العالمية. إن هذه هي مصر الحضارة صاحبة الرسالة الخالدة عبر الأزمان.
مسلة ميدان التحرير
وأخيرًا تحقق الحلم باتخاذ القرار الجريء والمهم بوضع مسلة من مسلات مصر الفرعونية في ميدان التحرير. والحقيقة إن هذا كان حلمًا حلمنا به وطالبنا به كثيرًا. وها هو يتحقق أخيرًا. وهذا القرار أثلج صدورنا جميعًا.
وتأتي أهمية هذا القرار من أن كل ميادين العالم بها ما يميزها من معالم سياحية وأثرية لافتة على عكس ميدان التحرير. وميدان التحرير المصري الشهير في العاصمة القاهرة هو أكبر الميادين وأشهرها في مصر. وبعد أن تم نقل تمثال نجم الأرض الفرعون الأشهر الملك رمسيس الثاني من ميدان رمسيس إلى مقره الأبدي الجديد في مقدمة المتحف المصري الكبير كي يستقبل زوار المتحف من المصريين والعرب والأجانب على حد سواء، لم يعد لدينا معلم أثري بارز في وسط العاصمة. ومن المعروف أن المسلات المصرية العظيمة تنتشر في عدد كبير من مدن الدنيا وعواصم العالم مثل مسلة رمسيس الثاني الشهيرة الموجودة في ميدان الكونكورد الشهير في العاصمة الفرنسية باريس. وبعد نقل مسلة الملك رمسيس الثاني من حديقة المسلة بالجزيرة إلى مدينة العلمين الجديدة منذ أن تم وضعها هناك في عهد الرئيس الراحل جمال عبد الناصر، أصبح مهمًا أن تكون لدينا مسلة فرعونية في قلب ميدان ميادين مصر: ميدان التحرير حتى تضفي على الميدان جمالاً على جمال وحتى تصير معلمًا أثريًا وسياحيًا شهيرًا يتنافس المصريون والعرب والأجانب في زيارته وأخذ الصور التذكارية والأفلام القصيرة بجواره وتسويقه عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وكذلك تصوير الأفلام التسجيلية والروائية في محيطه حسب سيناريو هذه الأفلام.
لقد كانت المسلات الفرعونية هي ناطحات السحاب في مصر القديمة. وما تزال تحتفظ بأهميتها وجمالها وشموخها، فضلاً عن قيمتها الفنية والتاريخية من خلال النصوص الهيروغليفية التي كان الملوك الفراعنة يسجلون عليها من الألقاب والأحداث ما كانوا يفخرون به ضمن إنجازاتهم من أجل الشعب المصري الطيب الذي كانوا يحكمونه بكل الحب والرحمة والعمل من أجله، وكذلك من أجل الدفاع عن أرض مصر المباركة والمحافظة على وحدة وسلامة أراضيها، والعمل على تنميتها ورخاء أرضها وإمداد المعابد بكل ما تحتاج إليه وذلك من ضمن واجبات الفرعون المقدسة في مصر القديمة.
وكانت المسلات رمزًا مهمًا من رموز الديانة الشمسية وعبادة الإله رع رب الشمس في مدينة الشمس «أون» أو «أونو» أو هليوبوليس، أي «مدينة الشمس» لدى الإغريق، أو منطقتي المطرية وعين شمس في شرق محافظة القاهرة حاليًا. وكانت المسلات تجسيدًا دينيًا لأشعة الشمس التي تأتي من السماء وتسقط على الأرض، ومن خلال انكسار شعاع الشمس على الأرض تم تكوين الشكل الهرمي من خلال قمة المسلات هرمية الشكل. ومن هنا جاء فكرة بناء الأهرامات لدى المصريين القدماء.
ونحن في انتظار أن تنير مسلة من مسلات مصر الفرعونية في أقرب فرصة ممكنة. فتحية لكل الجهود الوطنية المخلصة في هذا الشأن.