بقلم : هيثم السباعي
أكثر من أربعين ألف شهيد، من المدنيين قضوا في المعارك التي إستمرت تسعة أشهر لتحرير الموصل، ثاني أكبر مدن العراق من أيدي مقاتلي تنظيم داعش الإرهابي. وبقي كثير من جثامين الشهداء تحت الركام لمدة طويلة، حسب المعلومات التي نشرتها الإستخبارات الكردية والتي تعتقد أن عدد الضحايا أكثر بكثير.
ساهم بقتل سكان المدينه المحاصرة، القوات البرية العراقية وغارات التحالف الجويه ومقاتلي تنظيم داعش الإرهابي أنفسهم. أكد إبن الموصل ‘هوشيار زيباري’ وزير الخارجية الأسبق ثم وزير المالية السابق، أن مستوى المعاناة الإنسانية، كان كبير جداً نتيجة تعرض الناس لنيران كثيفة إستخدمتها ضدهم، كما أسلفنا الشرطه العراقية الفيديرالية التي قصفتهم بمدفعية الميدان وصواريخ أرض-أرض مع القصف الجوي من قبل طيران التحالف بقيادة الولايات المتحدة الأميريكية إضافة إلى تنظيم داعش الإرهابي. أدى كل هذا أيضاً، إضافة إلى الخسائر البشرية، إلى دمار هائل في غرب الموصل. يتهم السيد زيباري حكومة بغداد بأنها لم تفعل مايكفي لتخفيف معاناة المدينة لدرجة يمكن معها الإعتقاد بأنها غير معنية بما يجري فيها.
تؤكد التقارير الإستخباراتية الكردية أن الفساد مستشري بين القوات العسكرية العراقية التي تحتل الموصل بشكل يُضعف معه الإجراءات الأمنية اللازمة لقمع تنظيم داعش الإرهابي بعد هزيمته، فمثلاً يمكن لأي مشتبه به المرور عبر نقاط التفتيش العسكرية مقابل دفع مبلغ ألف دولار أميريكي، ويمكنه جلب سيارة مقابل ١٥٠٠ دولاراً أميريكياً. هذا النوع من الفساد منتشر خاصة في الفرقتين العسكريتين رقم ١٦ ورقم ٩ ومتطوعين العشائر الذين يعرفون بالحشد العشائري.
قابلية مقاتلي داعش للبقاء أحراراً في شوارع المدينة وتحرير معتقليهم عن طريق دفع رشاوى، غير موقف السكان الذين كانت لديهم سابقاً رغبة بإعطاء أجهزة الأمن العراقية معلومات عن هؤلاء المقاتلين، ولكنهم أحجموا عن ذلك لوجود خلايا نائمة وخوفاً، عندما بدأوا يَرَوْن الذين عرفوا عنهم وتم إعتقالهم، عادوا إلى شوارع المدينه وإنتقموا من المخبرين.
إتخذت الرشاوى، أيضاً أشكالاً أخرى مختلفه، كقيام القوات العسكرية العراقية ‘المحتلة’ تقاضي ١٠٠ دولاراً أميريكياً مقابل إسترداد كل جثة من تحت الركام و٥٠٠ دولاراً أميريكياً مقابل العودة إلى كل منزل من المنازل التي لازالت قائمة لأنها لم تتعرض للقصف. إكتسبت وحدات القوات العسكرية العراقية والميليشيات سمعة سيئة لفرضها على المدنيين أتاوات ورسوم حماية، أما الشاحنات التي تنقل البضائع فقد كانت الأكثر فائدة مادية لهم عند مرورها بنقاط التفتيش العسكرية.
أصدرت منظمة العفو الدولية، في الأسبوع الأول من تموز (يوليو) الماضي بياناً بعنوان “بأي ثمن!!” تقول فيه: تشير الكارثة المدنية في غرب الموصل إلى إستخدام القوة النارية المفرطة من قبل القوات الموالية للحكومة بدون تمييز وذلك في المراحل الأخيرة من الهجوم على شرق الموصل في كانون الثاني (يناير) الماضي وإستمرت على هذا المنوال في الأشهر الستة التالية في هجومها على غرب الموصل. أضاف التقرير: إعتمدت القوات العراقية وقوات التحالف على الأسلحة شديدة الإنفجار التي ينتشر تأثيرها على مساحات واسعة والتي أحدثت دماراً واسعاً في مناطق مكتظة بالسكان في غرب الموصل حيث حوصرت مجموعات كبيرة من السكان في منازلهم أو في ملاجىء مؤقته. تقدر الأمم المتحدة عدد سكان الموصل عند بدء الحصار ب ١,٢ مليون نسمة.
يضاف إلى كل هذا، نزح حوالي مليون شخص من المدينة وقتل قناصوا تنظيم داعش الإرهابي عدداً كبيراً من المدنيين الذين حاولوا الهرب لأنهم سيجردونهم من “الدروع البشرية” علماً بأن المخابرات الكردية إعترضت وتنصتت على بعض مكالمات القناصين مع قادتهم يشكون فيها مللهم من قتل المدنيين. من جهة أخرى، لايبدو أن لدى الحكومة العراقية أي خطط لإعادة إعمار الموصل، حسب رأي السيد زيباري الذي كان وزيراً للمالية حتى أواخر العام الماضي وأن روح الموصل قد إنتهت مع تدمير أبنيتها المميزة كمسجد النبي يونس والمسجد النوري الكبير ومئذنته المائلة التي تعود إلى القرن الثاني عشر ميلادي والذي أعلن منه البغدادي قيام دولته المسخ.
رغم إنتصار الحكومة العراقية على تنظيم داعش الإرهابي في الموصل، إلا أن السيد زيباري يؤكد أن التنظيم يتعايش مع واقعه الجديد وأنه لايزال يمتلك كماً هائلاً من الأسلحة الثقيلة التي غنمها من ثلاث فرق عسكريه عندما إحتل الموصل في حزيران (يونيو) عام ٢٠١٤ والتي يعتقد أن جزءاً كبيراً منها مخبأ في ممرات ضيقة ووديان وأنفاق في المناطق الجرداء الواقعة غرب العراق وشرق سورية.
أما خليفة الضالين، أبو بكر البغدادي، فأعتقد أنه لاجئ بحماية إحدى الدول التي ساهمت بتشكيل التنظيم، والله أعلم.