بقلم: سليم خليل
تحدثنا سابقا عن حالة واحدة من خسائر الكورونا الإقتصادية ويعاني الآن العالم أجمع من الخسائر الهائلة وخاصة في مجال السياحة. بعد التغلب المؤقت على إنتشار الجائحة وضعت حكومات بلدان كثيرة في العالم برامج تشجيع مغرية وتسهيلات تنقل للسياحة الداخلية والعالمية لعودة الحياة في هذا المجال؛ لكن الجائحة ما تزال تعود وتنتشر بأنواع أقوى من السابقة في مناطق مختلفة ما يجبر الدول على التراجع عن فتح البلاد بإجراءات تحدد الحركة وبتعليمات حجر وهذا ما نراه الآن في النمسا وألمانيا حيث ارتفع عدد الإصابات واضطرت السلطة إلى إعادة إغلاق الأسواق وتحديد حركة تنقل السكان .
يستحيل تقدير حجم الخسائر بدون الإطلاع على الإحصائيات الرسمية لكل بلد ونتطرق الآن إلى خسائر زاوية خفية في المجال السياحي وهي عائدات مرور سفن الرحلات السياحية من الولايات المتحدة المتجهة شمالا إلى آلاسكا مرورا في المدن الساحلية الغربية الكندية – فانكوفر وفيكتوريا – في مقاطعة بريتيش كولومبيا الكندية على ساحل المحيط الهادى ، والمدن الشرقية على ساحل المحيط الأطلسي .
عام ١٩١٩ أي قبل وباء الكورونا دخلت ٢٨٨ سفينة ركاب سياحية أميركية المواني الغربية الكندية عليها ما يقارب ٢،٥ مليون سائحا، كم دخلت مدينة فيكتوريا على ساحل المحيط الهادي أيضا ٢٥٠ سفينة سياحية جلبت أكثر من ١٥٠مليون دولار نفقات إقامة قصيرة للسواح. أما السفن التي مرت في مونتريال وكويبيك سيتي وهاليفاكس في شرق كندا فقد حملت ١،٥ مليون سائحا .
قدرت الإحصائيات عام ١٩١٩ أن دخل رسوم مرور في المرافئ ونفقات إقامة لسواح السفن السياحة بـ ٤،٢ بيليون دولار على الشاطئين الغربي والشرقي.
في مطلع عام ٢٠٢٠ عندما بدأ انتشار وباء الكورونا وردت أخبار إصابات عديدة بين سواح سفن الركاب السياحية وتقرر إيقاف تلك الرحلات نهائيا .
كانت خسائر شركات الرحلات البحرية السياحية بمئات الميليارات وتوقف عن العمل آلاف العمال في كافة المدن الساحلية ونتيجة الإنهيار الهائل في هذه الصناعة ؛ وبعد التغلب المؤقت على الجائحة تقررت العودة إلى الإبحار بشرط أن يكون السواح قد نالوا اللقاح الكامل ؛ لكن هذا القرار لم يشجع الراغبين في ركوب السفن ولم يكن عدد الركاب كافيا للعودة إلى الرحلات كالسابق .
في كندا كان منع الرحلات البحرية جذريا وشمل كافة السفن التي تحمل أكثر من مئة راكب. اعترضت شركات السفن وأكدت أنه يمكن تطبيق تعليمات صحية تضمن سلامة الركاب لكن الحكومة لم تستجب .
هناك إتفاقية سياحية عمرها أكثر من مئة سنة بين الولايات المتحدة وكندا تجبر سفن الركاب السياحة المنطلقة من مرافئ الولايات المتحدة إلى آلاسكا أن تمر في المرافئ الكندية لإنعاش السياحة في كندا ، واستفادت كندا من هذه الإتفاقية عاما بعد عام وبتطور إيجابي إلى أن وصلت الأرقام إلى ما هو مذكور أعلاه .
نتيجة الإصرار الكندي على الحفاظ على سلامة الصحة العامة احتجت شركات السفن السياحية الأميركية للحكومة الأميركية – أكثرها مسجل خارج الولايات المتحدة – وأصدر الرئيس الأميركي بايدن أمرا بإلغاء تلك الإتفاقية القديمة وسمح لتلك السفن أن تبحر إلى آلاسكا دون أن تمر في الشواطئ الكندية . بالرغم من هذه الإجراءات بقيت حركة ركوب السفن السياحية بطيئة جدا خوفا من الإصابة بالوباء داخل السفن .
سلامة السكان في كندا أهم من الأرباح ؛ في حال العجز على السيطرة على وباء مثل الكورونا على الدولة أن تنفق المليارات في المستشفيات لمعالجة المرضى وهذا ما شاهدناه في السنتين السابقتين من اهتمام السلطة الكندية الكامل والمميز في محاربة الوباء مقارنة مع دول أخرى استهترت بخطر الجائحة وكانت التكلفة أضعاف ما كان يلزم لو اتخذت قرارات الوقاية في الوقت المناسب .