بقلم: ريتا حبيب قازان
في غضبِ الطَّبيعة، تتمرَّدُ الأرضُ والسَّماءُ حرائقَ وزلازلَ وبراكين، أعاصيٌر تعصفُ رياحًا مجنونةً تمحو كلَّ التَّكاوين، تخربشُ لوحاتٍ دون ألوانٍ ولا تعابير .. بعدها تستكينُ الأرضُ والسماءُ في وهجٍ جميل، ويعودا إلى نقطةِ الصِّفر في التَّكوين .. تفرشُ الأرض ربيعَها، تنتفضُ السَّنابلُ وتلتفُّ التفافَ العاشقين .. شَجرٌ في هدوئِه شامخٌ يحاكي الفضاء فتهدأ القلوبُ وتعودُ في الحبِ تستقيم ..
في الثَّوراتِ تشتعلُ الحروبُ الدَّامية، تجرفُ معها كلَّ يقين وعلى دربِ الشَّهادةِ يغرقُ الشُّهداءُ في بحرِ الدَّم، وطفولةٌ مشرَّدةٌ نتيجةَ التَّهويل .. فتحملُ القضيَّةُ وسام التَّأجيلِ لآباءٍ أضاعوا العمرَ راكضين وراءَ سرابِ التَّحرير .. بعدها نعود إلى نقطة الصِّفر، في هدنةٍ، نلملمُ الأحزانَ وكلَّ ما تبقَّى من آثارِ المحاربين، نخبِّئ البكاءَ في عيونِ الأمَّهاتِ واعِدين، أنَّ دِماء أبنائِها لم يذهب هدرًا فِداء المسؤولين ..
ما يحصل على الأرض من ربِّ العالمين هو أمرٌ في مضمونه محتم، لا يدَ لنا فيه، ولكن ما يأتينا من الإنسان هو تضليل واتفاقيَّات تسيِّر حياتنا دون نزاع ..
والمثيرُ للجدلِ أنَّ الجوعَ والظُّلمَ والحروبَ تأتينا من فعلِ الإنسان، بفعلِ فاعلٍ مع حسيبٍ ورقيب ..
ملفَّات الجوعِ والتَّشريدِ في الأدراج، قيدُ الدَّرسِ على مدى السِّنين، ومناقصات التَّقسيمِ على طاولاتِ الحوار موضوعًا أكيد ..
أطفالٌ يموتُون بصمتٍ من الجوع والألم، فمنّ حكمَ عليهم بإدمانِ الجوعِ في الشّرايين ؟
وبلادٌ تحت وطأةِ القذائفِ بلا رحمة، جثثًا تُرفعُ بالملايين ..
قضايا المظلومين لا تحرِّك لدى المسؤولين معصمًا، ولا ساكنًا أمام صورة الإنسانيَّة التي فقدت معالمها في عقولهم، حصدوا الملايين وأيديهم تصفِّق جامدًا للتَّهويل ..
نفقد الكرامة يومًا بعد يوم، راكضون وراء الزَّعيم، مغمضون بحجَّة المحافظة على الرأس من غدرِ السِّنين، غير آبهين أنّنا نحني الرؤوسَ لتشمخَ ذويهم تظليل ..
على درب الجلجثة مشى يسوع المسيح، من الحياة إلى الموت للقيامة، فأين سمعان القيرواني يخفِّف عنّا حمل الصَّليب ولو لحين .. وعلى دربِ الجلجثةِ نناجي الله العظيم، فأين الحكمة من أناسٍ تمرُّ في الحياةِ مجاهدين، وأناسٍ تُحفرُ أسماؤها على صفحاتِ التَّاريخ تلفيقًا !
فالويل لأمَّةٌ تقتلُ بنيها جوعًا وظلمًا وتشريد ..












