بقلم: درويش صباغ
يوم السابع عشر من شهر كانون الأول / ديسمبر 2010 أقدم بائع خضار شاب على إحراق نفسه أمام مقر المجلس المحلي لبلدية بوزيد التونسية أحتجاجاً على مصادرة عربته التي يبيع عليها الخضار والفاكهة ، وكانت قبل ذلك إحدى شرطيات البلدية قد صفعته بيدها على وجهه عندما حاول الأعتراض على المصادرة . أخذت بعد كرة الثلج تكبر ، سقط أول الأنظمة العربية ، سقط نظام زين العابدين بن علي وهرب هو وزوجته وكل ما أستطاع أن يحمله من أموال إلى المملكة العربية السعودية ! في السادس عشر من شهر حزيران يونيو 1815 كان الأمبراطور نابليون بونابرت يحارب في معركة واترلو على الأراضي البلجيكية ، وشعر أنه بحاجة إلى نجدة وإلى مزيد من عناصر الجيش ، وجاءت النجدة والأمدادات ، ولكن وبينما هي في الطريق إلى واترلو ، هطلت بعض الأمطار في غير موعدها، ولم تعد عربات النجدة تستطيع تخطي الطين وقد أمتزج بالمطر المفاجئ ، وخسر نابليون الحرب ، خسر آخر معاركه ، واترلو ، وتغير تاريخ أوروبا بعد ذلك بسبب بضع قطرات من في غير موسمها . يقول نابليون بونابرت : ” الثورات يديرها الخبثاء، ويقوم بها الجهلاء ، ثم يجني ثمارها الجبناء ” ويقول فيكتور هيجو : “حين تعيق مجرى الدم في الشرايين تكون السكتة ، وحينما تعيق مجرى النهر يكون الفيضان ، وحينما تعيق مستقبل شعب تكون الثورة! عندما سقط نظام زين العابدين بن علي في تونس ، أخذ نظام حسني مبارك في مصر يهتز ، وأخذ نظام معمر القذافي في ليبيا يهتز ن وأخذ نظام عبد الله صالح في اليمن يهتز ، وأخذ نظام بشار الأسد في سورية يهتز ، سقطت أنظمة حكم عربية عريقة في الحكم وهي تحكم البلاد لسنوات طويلة ، توقف تاريخ الوطن في هذه المنظومات عند أعتاب قصر الحاكم الذي أعيق بسببه مستقبل الشعوب ، فرض عليها الحصار وفرض عليها خطاب الحاكم الذي أستغله الخبثاء ليقوموا بثوراتهم المجهولة . لم يكن لكل هذه الثورات التي أندلعت من قائد ، كانت فاقدة الهوية والإنتماء وبعد سنوات طويلة من تقوقع النخبة ، لم يكن هناك من يقود هذه الثورات التي أجّجها خبثاء كانوا ينتظرون ساعة الصفر ليسيروا بجماهير فاقدة الإحساس بالمسؤولية إلى حافة الأنزلاق نحو المجهول الذي خيّم في ليبيا واليمن وسوريا والعراق ، أكثر من ست سنوات وما يزال ذلك المجهول يقود مجموعة من المغامرين والمرتزقة بحثاً عن نقطة أرتكاز يضع قدمه عليها . أصبح اللعب على المكشوف . من يقود هذه الثورات وما سمّي بالربيع العربي جهلاء يمارسون نفس اللعبة التي كانت تلك الأنظمة تمارسها على شعوبها قبل أن تتمكن هذه الحفنة من الناس من القبض على مفاتيح الأمور وتسيير السفينة عكس الريح . الربيع العربي الذي مر على بعض الدول العربية كان مشبعاً بشتاء قاس وبحرارة دموية شديدة القسوة على المواطن الذي فقد بوصلته وتاه في صحراء تميد تحت قدميه دون أن يدري أين المفر ، ذلك أنه وكما يبدو أن هذا الربيع العربي ما هو إلا مؤامرة عالمية تحاك على منطقة معينة من الكرة الأرضية ، هي النقطة الأضعف في سلسلة المناطق العالمية ، وهي تبدو وكأنها خرجت من منظومة الزمن المتعارف عليه إلى زمن النسيان وزمن التيه الذي لا نهاية له إلى أن تتضح الصورة المرسومة لهذه المنطقة المتفجرة بالبؤس وبالشجن وبالقهر المرسوم مسبقاً لكل ما سوف يحدث بعد ذلك ، الأمور مرسومة وبدقة لكل ما كان وما سوف يكون . الأمور ليست بمثل هذه البساطة كما نراها تطفو على السطح هناك مطبخ تُعَدّ فيه الأفكار وهناك هوامش على مستوى كل قطر على حدة حتى تكون المرآة بأكثر من وجه وبأكثر من إتجاه . سوف تكون هناك ضحايا بلا ثمن طالما ان الرصاصة انطلقت ولم يعد بالامكان امساكها وردّها إلى فوهة المسدس ! هشاشة الأنظمة الحاكمة تنهار فجأة أمام لطمة كف من إحدى شرطيات البلدية في قرية نائية على خد شاب يبيع بضاعته على عربة متنقلة . كان تلك السلطة المخيفة وهي تعيش حالة أنفصام عمّا يحدث خارج القصر . هذه السلطة تنهار فجأة أمام زخات من مطر هطل في غير موعده . تتغير خرائط العالم وتعم فوضى القمقم المسجون في نفوس مواطنين يحلمون بالوطن وبالهوية وبالعدالة الأجتماعية التي نفتقدها على مستوى الوطن العربي كله . نحن مازال نعيش أيام القبيلة حيث السادة ومن ثم العبيد والموالي ومن لا جنسية له . لم نستطع ، بعد أكثر من ألف واربعمائة سنة ، ان نتخلص من تبعية القبيلة التي ننتمي إليها ولم نستطع ان نسير في درب واضح المعالم سالك الممرات . استقر في إيماننا لن نكون من سادة قريش ، نحن مواطنون درجة ثانية لا تحق لنا العدالة الأجتماعية ولا الأنتماء الوطني ونحن مشكوك في هويتنا بينما النظام الحاكم يعرف نقاط الضعف فينا ويعرف أماكن الأسترخاء في تفكيرنا وفي تطلاعتنا وفي أحلامنا . ذات يوم كان المواطن في رومانيا ينتظر أكثر من شهر ليحصل على قطعة من اللحم يقتات بها . بينما كانت الكلاب المدللة في مقر السلطة تأكل أكثر من ستمائة كيلو غرام من اللحم يومياً . سقط النظام فجأة عندما وقف مواطن يعلن تمرده ورفضه وتبعه آخرون ، كما حدث في تونس ومصر وليبيا واليمن ، والسقوط سوف يستمر بين حين وىخر في أماكن أخرى وفي مواضع غير متوقعة . عندما تهب الرياح فهي تعصف بكل الأشجار . من السابق لأوانه أن نقول أننا أمام أمة تولد من جديد ، الحمل كاذب ومستحيل في ظروف شبه مستحيلة للأستمرار وللأستقرار ولأنشاء علاقة سوية بين سلطة وبين مواطن يبحث عن ذاته داخل وطنه المفقود . نحن أمام متاهة ومعضلة حقيقية نريد الخروج منها بأقل خسائر الممكنة . نريد أن يكون الحصان أمام العربة . نريد أن يكون ما يحدث أمام أعيننا شيئاً يمكن قبوله والأقتناع به وأن يكون مفهوماً لنا لماذا يحدث هذا وبهذه الصورة المشوهة، طبعاً نحن لسنا أغبياء ، فقط نريد أن نعرف لماذا ؟