بقلم: هيثم السباعي
كنت قد تطرقت في الجزء الرابع من هذه الخواطر إلى أهداف إيران من التدخل بسورية ووعدت بالتطرق مستقبلاً إلى أهداف التدخل الروسي الذي سنتحدث عنه اليوم. ولكن قبل الحديث عن روسيا وحدها دعونا نلقي نظرة سريعة على مخاوف إيران من روسيا.
بعد أن صرح خبير روسي بأن بلاده تدعم مرشحاً معيناً لرئاسة إيران ليحل محل الرئيس ‘حسن روحاني’، لهذا تخشى إيران تدخل المخابرات الروسية بالإنتخابات الرئاسية في أيار (مايو) المقبل لمساعدة رئيسٍ موالٍ لها، كما فعلت بتدخلها لصالح الرئيس ‘دونالد ترامپ’ بالإنتخابات الأميريكية الأخيرة. يضاف إلى هذا أن إيران أغضبت روسيا بشدة عندما إشترت من الغرب طائرات تجارية بعشرات المليارات من الدولارات. مع ذلك فإن إيران تحاول ما أمكنها المحافظة على التعاون مع روسيا التي أخبرتها مثلاً أن هناك شخصية كبيرة بإدارة روحاني تعمل لصالح المخابرات الأميريكية. كما أنها -إيران- منحتها قاعدة همدان الجويه، إجراء إنتقده بشدة “مصطفى تاج زادة” القيادي الإصلاحي ومساعد سياسي وأمني أسبق خاصة وأن روسيا ألغت دور إيران في سورية، حسب رأيه.
نعود الآن للحديث عن روسيا. لا أعتقد أن مقاله واحده ستكون كافية لتغطية الموضوع بالكامل، لذلك سأحاول إختصاره بمقالتين رغم تشعبه.
تقع سورية برأي الجيوستراتيجي المخضرم الدكتور نبيل خليفة فيما أسماه القارة الخامسة ومن يسيطر على سورية يسيطر على القارة المذكورة كلها والتي تضم منطقة الشرق الأوسط بأكملها ومنها يسيطر على العالم، حسب رأيه.
روسيا دخلت الحرب السورية دون أن تنسى درس أفغانستان. أعتقد أن دخول روسيا في الأزمة السورية يحمل رسالة هامة للولايات المتحده وحلفاءها لأنها تقول أن فترة القطب الواحد في العالم، بعد إنهيار الإتحاد السوڤييتي عام ١٩٩١ قد إنتهت وأثبتت أنها عادت لأخذ دورها الريادي في الساحة السياسية كدولة عظمى، بدءاً من ضم شبه جزيرة القرم وإنزال قواتها في شرق أوكرانيا، في بداية عام ٢٠١٤ وإنتهاء بدعم وجودها الجوي والبحري في شرق المتوسط. ونرى حالياً بأنها إنفردت بالإشراف على حل الأزمة السورية وأبعدت الولايات المتحده وحلفاءها عن الإدلاء بدلوها في الأزمه.
سبق وذكرت على هذه الصفحة أنها دخلت سورية ليس فقط لحماية النظام من السقوط ولكن لحماية مصالحها الإستراتيجيه والإقتصادية أيضاً. صرح ‘سيرغي لاڤروڤ’ وزير الخارجيه الروسي أن النظام السوري كان آيلا للسقوط خلال أسبوعين أو ثلاثة لولا التدخل الروسي بتاريخ ٣٠ إيلول (سيپتيمبر) ٢٠١٥، بحجة محاربة الإرهاب ولكن ٩٨٪ من غاراتها الجوية قصفت مواقع المجموعات المسلحه المعارضة للنظام و٢٪ منها فقط ضد داعش. صرح ‘سيرغي شويغو’ وزير الدفاع للمحطة التيليڤيزيونية “روسيا اليوم” بعد إنتهاء معركة حلب أن المقاتلات والقاذفات الروسية نفذت حتى ذلك التاريخ ١٨٨٠٠ غارة قصفت فيها ٤٠٥ مواقع للمعارضة وقتلت ٣٥٠٠٠ مسلح، دون ذكر عدد المدنيين طبعاً.
روسيا، برأي المراقبين لن تخرج من سورية بعد أن تضع الحرب أوزارها، لأنها ستحرص على بقائها على الأقل في قاعدتيها الجوية في حميميم والبحريه في طرطوس، وهذا أثبتته المعاهدة التي وقعتها مع النظام، أوائل العام الحالي، على ما أذكر، والتي تنص على إستخدامها القاعدتين المذكورتين لمدة ٤٥ عاماً قادمه، علماً بأننا على يقين بأنها أجرت فيهما، سابقاً توسيعات ضخمه.
إن سحب بعض قواتها، أواخر عام ٢٠١٥ -ممثلة بحاملة الطائرات أدميرال كوزينتسوڤ- لاتعدو عن كونها مناورة سياسية لاأكثر، بدليل أنها أرسلت بعد أيام قليلة ١٢ طائرة من طراز سو-٢٥ التي تستخدم في مهام خاصة كقصف الأهداف المتحركة والثابتة والقريبة والبعيدة. حديثاً، إكتشف قمر صناعي إسرائيلي وجود منصتين لإطلاق صواريخ إسكندر القادره على حمل رؤوس نووية في قاعدة حميميم. هذا يعني أنها أصبحت قريبة جداً من الحدود الجنوبية لحلف الناتو. من الجير بالذكر أن روسيا نشرت بشكل غير رسمي مقاتلاتها في مطارات الضمير (دمشق) والضبعه (حمص) والتيفور (تدمر) وكويريس (حلب) وغيرها
سنكمل حديثنا عن المصالح الروسية في العدد القادم