بقلم : نعمة الله رياض
في عصر يوم من الأيام ، وفي حديقة منزلي جلست اتأمل جمال ما فيها من أشجار وارفة، ومزروعات خضراء ، وروعة الوان الورود والأزهار.. إعتراني إحساس بأني أملك العالم ، برغم البرودة التي تسللت إلي ساقي التي فسرتها بإقتراب فصل الخريف ، ولكن فجأة ، تقلص وجهي وتبحلقت عيناي إلي ألفضاء وتقطعت أنفاسي وإنحنيت إلي الأمام ، بدأت أشعر بوخزات في أحشائي ، حاولت الوقوف فلم أملك القدرة علي ذلك ، إكتفيت بالجلوس علي الأريكة لكني ترنحت أثناء جلوسي وإرتميت علي الأرض ممتقع الوجه ، أغوص داخل نفسى ، دوار ، دوخة ، فقدت الوعي وذهبت فى نوم عميــــق..
في اليوم التالي ، وجدت نفسي فى ساحة هائلة الأبعاد ، بل لا حدود لها، هل هى أرض أم سحاب ؟ ..، وكانت مزدحمة بحشود لأشخاص لا أعرف إن كانوا رجالاً أم نساء … ذهبت إلي حارس الساحة وسألته:- أين أتسلم عملي الجديد ؟ بحث في الكشوف التي أمامه وقال لي :- لم يصل إسمك بعد ، يمكنك الإنتظار في الساحة سألته:- هل يمكنني أن أزور مقر عملي القديم؟ – يمكنك بالطبع ، بشرط عودتك قبل الموعد المحدد ، وإلا ستحرم من الزيارات مستقبلا .. انطلقت مسرعًا عائدًا إلى بيتي ، تعجبت من وصولي في منتصف الليل بسرعة ، فلا إحساس بوزني، وحركتي خفيفة للغاية مثل الريشة فى الفضاء .. صعدت إلى بيتي ، فتشت عن زوجتي بين حجراته لمحتها تنزوي وحيدة وشاردة في ركن بعيد، جسدها الغض يرتجف ألمًا ، تنهمر الدموع من عينيها ، وكأنها فقدت العالم بأسره ، هل كل ذلك بسبب سفري لعملي الجديد ؟!! ناديتها فلم ترد ، كررت ندائي بإسمها وبصوت عالي فلم يتحرك لها جفن ، سمعتها تقول وهي نائمة تبكي : – لماذا تركتني وحيدة وسافرت بعيداً ؟ دخل كلبي الأليف حجرة النوم كما تعود ، بمجرد رؤيتي لم يرقص فرحاً ويقفز علي جسدي ، كما يفعل دائماً عندما أغيب عنه ، ولكنه وياللعجب أخذ ينبح نباحاً عدائياً ومستمراً تجاه المكان الذي أقف فيه ، إستيقظت زوجتي من نومها مذعورة وأخذت في تهدئته ، ولم يهدأ إلا عندما خرجت من الحجرة !! إنتظرت قليلاً خارج حجرة النوم ثم فتحت الباب وتعمدت أن يصدر صريراً، دلفت إلي الحجرة وأغلقت الباب خلفي محدثا ضجة أيقظتها مرة ثانيه وهي في رعب شديد، فقد شاهدت للتو الباب يغلق ويفتح بلا أحد يحركه ، أضاءت مصباح بجانب الفراش ونظرت في أنحاء الغرفة لعلها تجد أحداً بلا جدوي ..!! حاولت مرة أخري لفت نظرها فضغطت علي زر تشغيل التلفزيون الموجود بالحجرة فلمعت الشاشة مصدرة صوتاً مشوشاً بدون ارسال مرئي ، أسرعت زوجتي بإطفاء الشاشة بواسطة آداة التحكم عن بعد وأطفأت نور المصباح ، أغمضت عينيها لتواصل النوم ، إنتظرت قليلاً ثم ضغطت علي زر التشغيل مرة أخري ، سمعتها تصرخ في هلع ، إنتظرت برهه ثم خرجت من الغرفة وانا مندهش كيف لم تراني أو تشعر بوجودي ! نظرت إلي أصابع كفها ، فلم أجد خاتم زواجنا !
إنتهي وقت الزياره وعدت مرغمًا إلى مسكني الجديد .. في الصباح قابلت من طلبوا مقابلتي، وقفت أمامهم وهم يسألوني عما فعلت في عملي القديم وفي بيتي ومن تعاملت معهم ، إنتعشت ذاكرتي وأصبحت
ككتاب مفتوح، سردت عليهم كل ما فعلت خيراً كان أو شراً .. حاصروني بأسئلتهم ثم طلبوا مني الإنصراف إلي حين ، وسيبلغوني حينئذ بنوعية مكاني الدائم ومستواه .. ، تعجبت من هذه المقابلة وكنهها ..
في زيارتي التالية وصلت لمنزلي السابق وفي منتصف الليل ايضاً ، بدأت تدب فيه الحياة من جديد، توارت الكآبة واندثر الحزن، خرجت زوجتي من غرفة نومها مرتدية ثوباً رائعاً ، رن جرس الهاتف فأجابت عليه بنعومة، تحدثت مع شخص علي الجانب الآخر ، تعلن قبولها الزواج منه ..
الآن قد عاد كل شيء إلى طبيعته السابقة ، أدركت ما حدث لي منذ اللحظة التي سقطت فيها من الأريكة في حديقتي ، فهمت لماذا لم يحس أحداً بوجودي ،ولم يسمع أحد صوتي .. إحتوتني مشاعر قاسية بالغربة، إرتجف جسدي وتصبب جبيني عرقًا، شعرت بغيابي عن الوجود، تركت البيت ورحلت إلى موطني الجديد، جلست أنتظر المجهول، ساكنًا بلا حراك ..