بقلم: سليم خليل
وضع نصوص الميثاق الوطني اللبناني عام ١٩٤٣ زعماء لبنان بمختلف مذاهبهم الذين حققوا استقلال لبنان من الاستعمار وهذه الفقرات من أهم ما ورد فيه :
- استقلال لبنان التام والحقيقي بالنسبة لكل الدول العربية.
- استقلال لبنان التام والحقيقي بالنسبة لكل الدول الغربية.
- لا وصاية ولا حماية ولا امتياز ولا أفضلية بالنسبة لأي دولة.
- التعاون إلى أقصى الحدود مع الدول العربية الشقيقة.
-الصداقة مع كل الدول الأجنبية التي تعترف باستقلال لبنان وتحترمه.
من نتائج الميثاق النابع من إرادة الشعب : دخول لبنان جامعة الدول العربية عام ١٩٤٥ ومعاهدة الدفاع الجماعي العربية عام ١٩٥٠. تنفيذا لهذه المبادئ على لبنان أن ينسق سياسته الخارجية مع سياسة الدول العربية وأن يتعاون معها عسكريا ؛ وعلى الصعيد الدولي : لا أحلاف ولا امتيازات لأي دولة كبرى .
لم يمر وقت طويل وانقسم العالم إلى غربي رأسمالي وشرقي اشتراكي شيوعي وأخذ الجانبان يتسارعان لعقد تحالفات هنا وهناك لضم دول العالم وتبلور موقف الدول العربية التي لم تنل استقلالها الكامل : الممالك والإمارات مع الدول الغربية ؛
بينما كان قرار الجمهوريات مرتبطا نوعا ما بالبرلمانات وذهب بعضها مع الغرب والبعض الآخر فكر بالحياد واستقلال القرار ونشأت أحزاب عربية أهدافها بعضها توحيد الدول العربية ثم ظهرت لاحقا حركة عدم الانحياز شبه عالمية أملا باستقلال القرار بعيدا عن المعسكرين . بهذه المطامع الأجنبية والعربية وُجد لبنان البلد الصغير وأصبح ميثاق ١٩٤٣ حبرا على ورق منذ كتابة نصوصه .
لبنان وبرلمانه المتمسك بميثاقه الوطني حاول عدم الانضمام إلى أي من التحالفات التي كانت بريطانية وفرنسية ثم أميركية بعد حرب السويس عام ١٩٥٦ ؛ وبقيت علاقاته وثيقة مع فرنسا ومراعاة النفوذ الإنكليزي وعاش تحت ضغوط مطامع الدول العربية الأقوى منه عسكريا .
نورد للذكرى بعض هذه التيارات: تأسس حلف بغداد الأميركي / البريطاني الذي ضم باكستان، إيران، العراق وتركيا؛ بالإضافة إلى مشروع الهلال الخصيب الذي شمل العراق ، سوريا، لبنان، والأردن ، ثم الوحدة بين سوريا ومصر. نافست هذه الأحلاف بعضها البعض وكان في لبنان الضعيف إنتماءات لكافة التيارات وتحمَّل مؤامرات سببت دمارا هائلا وهجرة داخلية وخارجية واستشهد رؤساء جمهورية ورؤساء وزارات وضحايا بعشرات الآلاف مع دمار هائل .
في المملكة الهاشمية الأردنية كان للملك عبدالله الأول القادم من السعودية بعد إنهيار الخلافة العثمانية طموح التوسع لإنشاء سوريا الكبرى تضم سوريا ولبنان والعراق وفلسطين .
أرسل الملك دعوة زيارة لرئيس وزراء لبنان الزعيم رياض الصلح لزيارة عمان ، ذهب رياض الصلح مترددا ومتخوفا من الزيارة ؛ بقيت محادثات الملك عبدالله ورياض الصلح مجهولة لأن رياض الصلح أغتيل عائدا على طريق مطار عمان بتاريخ ١٦ تموز / يوليو ١٩٥١ وأتَهم القوميون السوريون بعملية الإغتيال ! بذلك كان المرحوم رياض الصلح أحد أكبر زعماء الإستقلال أول ضحية – شهيد – للميثاق الوطني ومبادئه .
أما الضحية الثانية للميثاق كان رئيس الجمهورية بشارة الخوري بطل الإستقلال ، سُجن مع زملائه من المستعمر الفرنسي وأخلي سبيله ليعود إلى رئاسة الجمهورية من ١٩٤٣ إلى١٩٥٢. طرحت الولايات المتحدة مشروع مساعدات مربوطا بإتفاق دفاع ؛ بعد مشاورات مع زعماء لبنان تقرر الإبتعاد عن المعاهدات الدفاعية، فجأة إنطلقت ثورة بإسم الجبهة الوطنية الإشتراكية من الزعماء كمال جنبلاط ، كميل شمعون ، حميد فرينجية ، أنور الخطيب ، غسان التويني وآخرين متهمين الرئيس بشارة الخوري بتزوير الإنتخابات والفساد والإثراء وإمتلاك حسابات مالية وعقارات في أميركا وأوروبا إلخ إلخ..
إستقال الرئيس بشارة الخوري قائلا: لا أريد أن يهرق دم أي لبناني لقاء بقائي في الحكم . إستقال عام ١٩٥٢وتوفي عام ١٩٦٤ لا يملك سوى منزله!
تسلم كميل شمعون الرئاسة عام ١٩٥٢ وانقلب على الميثاق الوطني وعلى شركائه في الثورة وأسقط أكثرهم في أول إنتخابات نيابية، وأعلن مقاومته لتيار القاهرة – دمشق مستعينا بحلف بغداد – الأميركي الإنكليزي- . تحالف المعارضون وإندلعت ثورة دامية ضد شمعون؛ نتائجها وضحاياها معروفة للجميع؛ وحدث إنزال للجيش الأميركي في بيروت لنجدة شمعون ومنعت الثورة شمعون من التجديد وتسلم الرئاسة قائد الجيش فؤاد شهاب الذي سار بطريق معتدلة ضمن لسوريا ومصر (عبد الناصر) الصداقة اللبنانية واستقر لبنان طيلة رئاسة شهاب .
بعد الرئيس شهاب وحرب ١٩٦٧ وإحتلال إسرائيل لسيناء المصرية والضفة الشرقية للأردن/ فلسطين والجولان السوري إنقلبت المفاهيم السياسية وحلم استقلال القرار تبخر بمشاكل القضية الفلسطينية التي ما تزال ترهق السياسة العربية ويتحمل لبنان عبئا ثقيلا وعدم إستقرار وحروب أهلية أطلق عليها إسم حروب الغير على أرض لبنان وعانى من إحتلال سنين طويلة ؛ ولم ينعم بالإستقرار بعد رحيل المحتلين بل دخلت إيران قوة جديدة مقاومة للغرب متحالفة مع سورية التي تحيط لبنان شرقا وشمالا ولهما مؤيدين وحلفاء ما يقارب نصف الشعب اللبناني والنصف الآخر مع الغرب الذي فرض عقوبات إقتصادية أفلست لبنان الذي لا حول لله ولا قوة في هذا المستنقع المخيف الذي أفقد شعبه الأمل والأمن وحمل شبابه على الهجرة آملين بحياة أفضل .
نتيجة منافسة تيارات النفوذ تتحمل شعوب الدول الصغيرة أعباء الصراع ، وما أكثرها على الكرة الأرضية وللبنان والشرق الأوسط الحصة الكبرى من عدم الإستقرار وأكبر دليل الربيع العربي الذي عصف بأكثر الجمهوريات العربية وتعاني منه شعوب المنطقة بالدمار وتشريد الملايين ومئات آلاف الضحايا .
بهذه الأحوال الرهيبة يحاول الزعماء وما بقي من مخلصين بناء الأوطان تحت ضغوط القوى الخارجية ! يصف الشاعر السوري المرحوم -محمد الماغوط- مآسي شعوب المنطقة بهذه الكلمة :
جريمة هذا الشعب أنه ولد على هذه الأرض.