بقلم: هيثم السباعي
بدأنا في العدد الماضي الحديث عن التدخلات الإقليمية، واليوم نكمل الحديث عنها ونضم إليها التدخلات الخارجية لأنه لا يمكن فصلهما عن بعض بسبب ترابطهما الوثيق كما سنرى بعد قليل.
قبل الإسترسال بالحديث عن الموضوع أعود لأذكر السيدات والسادة القراء من جديد أن ماسبق كتابته وماسيأتي هي محاولة شخصيه محايدة في قراءة الأحداث على أرض الواقع، قد يختلف معها البعض وقد يتفق البعض الآخر رغم أن مصادرها متنوعة من وكالات الأخبار المحلية والإقليمية والدوليه.
٥. التدخلات الإقليمية والدوليه (تتمة):
كان ملك الأردن عبدالله الثاني حذّر قبل عدة سنوات من بداية الأزمة السورية عن مشروع الهلال الشيعي الذي تعمل الجمهورية الإسلامية الإيرانية على تحقيقة بهدف إعادة أمجاد الإمبراطورية الفارسية وسيطرتها على الشرق الأوسط ونشر المذهب الشيعي والوصول إلى مياه البحر الأبيض المتوسط من خلال سيطرتها على العراق وسورية لإكمال الحلقة التي تصلها إلى حزب الله حليفها اللبناني.
لم تكن طهران بحاجة للتدخل في الأزمة لأنها موجودة في سورية قبل بدئها من خلال المصانع والإستثمارات الكبيرة التي دفعت بها مع وصول الرئيس بشار الأسد إلى السلطة أو بعدها بقليل. ولكن عندما اقترب الخطر على النظام دخلت عسكرياً بثقل حزب الله وبدأت تدعمه بميليشيات شيعية من لبنان والعراق وإيران وأفغانستان وباكستان وبعض الجمهوريات السوڤيتية السابقة ومنحتهم سكناً دائماً في بيوتات السوريين التي لم تُدمر وهجرها أصحابها خوفاً على أرواحهم، بل قامت فيما بعد بنقل سكان قرى بأكملها إلى أماكن أخرى تأوي بغالبيتها سكاناً من السنة وبدأت بذلك تنفيذ مخططها الرامي إلى إحداث تغيير ديموغرافي جذري في البلاد ولاتزال مستمرة بتنفيذه.
عندما اشتد الخطر مرة أخرى على النظام دخلت بقوات الحرس الثوري. يقدر بعض المراقبين أن عدد القوات الإيرانية الموجودة في سورية بحوالي ٧٠ ألفاً. مع كل هذا اقترب النظام من السقوط مرة ثالثة في عام ٢٠١٥، حسب تصريح وزير الخارجية الروسي سيرغي لاڤروڤ، عندها زار قائد الحرس الثوري الإيراني الجنرال قاسم سليماني موسكو وطلب دعمها الجوي متعهداً بتأمين القوات الأرضية. وفعلاً دخلت موسكو الأزمة بتاريخ ٣٠ إيلول/سيبتمبر من ذلك العام بأسطول جوي ضخم ضم أحدث طائراتها المقاتلة القاذفة وخصص لها مطار حميميم قرب اللاذقية كقاعدة جوية. قامت موسكو أيضاً بتجديد وصيانة قاعدتها البحرية في طرطوس وأرسلت سفنها البحرية إلى شرق المتوسط وبدأت غاراتها الجوية الواسعة على جميع مواقع المعارضة المسلحة في مختلف المناطق باستخدام ٢٣١ نوعاً من الأسلحة الحديثة، باعتراف سيرغي شويغو وزير الدفاع، أغلبها كان في شرقي حلب، الأحياء التي دمرت تماماً.
قبلت موسكو الدخول في المستنقع السوري لعدة أسباب جميعها تصب في مصلحتها. أولاً تريد أن تثبت لغريمتها التقليدية الولايات المتحدة أنها دوله عظمى وأن عهد القطب الواحد قد ولى إلى غير رجعة، يضاف إلى ذلك المحافظة على قاعدتها البحرية الوحيدة خارج أراضيها واحتمالات وجود النفط والغاز في سواحل البلاد. وأهم من كل هذا دفن إمكانية مد خط أنابيب لنقل الغاز الطبيعي من قطر أو إيران إلى أوروپا التي ستستغني عندها عن الغاز الروسي وهذا ما تحاربه روسيا بكل ما أوتيت من قوة لأن له تأثيرات خطيرة على الدخل القومي الروسي. يذكر أن الحكومة السورية رفضت في عام ٢٠٠٩ طلباً من قطر لتمديد مثل هذا الخط.
برأيي المتواضع تعتبر روسيا أول دولة حصلت مسبقاً على مكافأة تدخلها بالأزمة السورية، باستخدام حق النقض (ڤيتو) تسع مرات في مجلس الأمن لإبطال أي قرار أممي ضد الحكومة السورية، وذلك قبل تدخلها العسكري من خلال توقيعها عقداً مع الحكومة السورية في أواخر عام ٢٠١٤ يمنحها امتياز إستكشاف وإنتاج النفط والغاز لمدة ٢٥ عاماً لتقطع الطريق على أي أطماع غربيه وبعدها بعدة أشهر وقعت عقداً آخر يمنحها حق تعدين واستخراج فوسفات خنيفيس القريبة من تدمر.
في العدد القادم سننهي سلسة المقالات هذه باستكمال التدخلات وبالحديث بشكل مختصر عن المجموعات الإسلاموية التكفيرية المسلحة بعددها وعدتها والدول الداعمة لها وعن القواعد العسكرية الموجودة حالياً في البلاد وتوزيعها وسبل حل الأزمة بشكل مختصر كما يراها بعض المراقبين والمحللين السياسيين.