بقلم: الأديبة إخلاص فرنسيس
ليس أجمل من أن تكون حاضرًا لحظة ولادة الأشياء الجميلة، وليس أجمل منه تعبيرًا ومزاجًا ولحظة عشق وأنت ترقب امرأة تضع الكحل، تغمض العين، وتفتح الأخرى، والكحل يصهل على رمشها وكأنّها ترسم معالم أول أيام الخلق، التدقيق والنظر إلى امرأة تضع الكحل أو أحمر الشفاه بعفوية ودقة تخلع ثيابها على عجل أو على مهل، بين قضبان النور المتسرّب من نافذة كوخ يرقد هانئًا في غابة تنفتح على جفون الليل، وتدفّق صوت النهر حيث تتناهي موسيقا المخلوقات الليلية مع نور القمر الذي يشهد ولادة تلك اللحظة، لحظة فيها يرتّب الرجل قيلولته ولحظته الحقيقية، يصنع فيها اللحن الخالد، نحن في طرفي الكرة الأرضية، ارتاحت الحقول في عيون الألوان، الشتاء على أهبة الرحيل، والربيع يصوب سهامه الخضراء نحو السهول، يبسط سجادته على البسيطة، يختلط البنفسج بالأقحوان بالياسمين وشقائق النعمان، تقترن العصافير، تفتح أجنحتها للريح، ويشغلان الفضاء، ويشعلان الفراغ بأغاني الحياة، لحظة ولادة كلّ شيء من حولنا لحظات أعدتها لحظة تلو الأخرى، وكلّها لحظات ولادة، يولد الفرح كما يولد الحزن والضحك اللقاء والفراق، الحبّ الغضب الكراهية، مواسم الولادة تتكاثر اللحظات، تتناسل في كلّ اتجاه وعند ساعة الشمس ترتفع في الأفق، تنصهر العناصر تحت حرارتها لحناً خالداً، كلّ شيء ممتع، التعثّر بحرف أبجدية على شفة فتاة فينيقية تعشق السفر والكلمات، فتضطرّ أن تغيّر السلم الموسيقي والحوار الداخلي والخارجي بين الأنامل والوتر، تحنو على آلة العود فيتدفّق السيل من بنانها، وعند اختيار المقام يختار لها مقام النهاوند لأنّ فيه من التنهد ما يكفي ليشرح لها باقي المقامات من الصبا والجمال، تولد الأغنية تترقرق كما الساقية هناك بين الجبال حيث النهر يستكمل جمعها إليها ليحملها إلى البحر، المطر ينهمر الآن، تتساقط زخات رقيقة، وكأنّه يريد إعادة ترتيب الأشياء، أو يريد أن ينصب شباكه حولي لأقع للمرة الألف في غرامه.