بقلم : ﭽاكلين جرجس
المرأة هى أيقونة الحياة ، نبع الحب ، الأمان ،رمز العطاء ،و مصدر السلام فى هذا العالم الصاخب الملىء بالصراعات و النزاعات ، عالم يشكو و يئن من فرط القساوة و غلاظة القلوب ؛ قال عنها أمير الشعراء مبينًا انحيازه وانحيازى وانحياز اللغة العربية إلى تاء التأنيث”: الحرف بمحدوديته ذكر واللغة بشمولها أنثى،والحب بضيق مساحته ذكر والمحبة بسموها أنثى، والسجن بضيق مساحته ذكر والحرية بفضائها أنثى ،والبرد بلسعته ذكر والحرارة بدفئها أنثى ، والجهل بكل خيباته ذكر والمعرفة بعمقها أنثى ، والفقر بكل معاناته ذكر والرفاهية بدلالها أنثى ،والجحيم بناره ذكر والجنة بنعيمها أنثى ،والظلم بوحشيته ذكر والعدالة بميزاتها أنثى ،والتخلف برجعيته ذكر والحضارة برقيها أنثى ،والمرض بذله ذكر والصحة بعافيتها أنثى ،والموت بحقيقته ذكر والحياة بألوانها أنثى” .
و لأنى أنثى فأنحاز بكل جوارحى لكلمات أمير الشعراء و أؤكد إن التغيير الإيجابي الذي تسعى له المجتمعات مرهون بشكل كبير بواقع المرأة ومدى تمكنها من القيام بأدوارها في المجتمع، فهي تشغل دور أساسي في بناء أسرتها ورعايتها لهم، من خلال ما يقع على عاتقها كأم من مسؤولية تربية الأجيال، وما تتحمله كزوجة من أعباء إدارة الأسرة، ومع تقدم المجتمعات وتطورها نجد أن المرأة لم تلتزم فقط بواجبها تجاه أسرتها وتربية الأبناء بل أصبح لها دورًا اجتماعيًا كبيرًا في شتى المجالات، بناءً على مؤهلاتها العلمية والثقافية والاجتماعية تنوعت أدوارها في المجتمع على مختلف الأصعدة .
لذلك أثمن و أقدر ما نصت عليه وثيقة الأخوة الإنسانية والتي تعد من أهم الوثائق في تاريخ العلاقات الإنسانية، خاصة عند الاعتراف بسائر حقوق المرأة سواء فى التعليم أوالعمل ؛ فأعلت الوثيقة من شأن المرأة وتطرقت لوجوب تحريرها من الضغوط التاريخية والاجتماعية المنافية لثوابت عقيدتها وكرامتها، خاصة ما يتعلق بحمايتها من الاستغلال الجنسي ، حيث جاء فيها:” إنَّ الاعترافَ بحَقِّ المرأةِ في التعليمِ والعملِ ومُمارَسةِ حُقُوقِها السياسيَّةِ هو ضَرُورةٌ مُلِحَّةٌ، وكذلك وجوبُ العملِ على تحريرِها من الضُّغُوطِ التاريخيَّةِ والاجتماعيَّةِ المُنافِيةِ لثَوابِتِ عَقيدتِها وكَرامتِها، ويَجِبُ حِمايتُها أيضًا من الاستغلالِ الجنسيِّ ومن مُعامَلتِها كسِلعةٍ أو كأداةٍ للتمتُّعِ والتربُّحِ؛ لذا يجبُ وقفُ كل المُمارَساتِ اللاإنسانية والعادات المُبتذِلة لكَرامةِ المرأةِ، والعمَلُ على تعديلِ التشريعاتِ التي تَحُولُ دُونَ حُصُولِ النساءِ على كامِلِ حُقوقِهنَّ “.
و لأن الأزهر يؤكد دائمًا على أنه منارة الإسلام الوسطي في العالم فكان دعمه كامل للمرأة ودورها البارز في المجتمع،مستندا إلى الحديث الشريف حين قال النبي صلى الله عليه وسلم”: (نَعَمْ إِنَّمَا النِّسَاءُ شَقَائِقُ الرِّجَالِ) أي نظائرهم وأمثالهم في الخلق والطباع، فكأنهنّ شُققن من الرجال ويفهم من هذا تبعاً أنهن مستويات مع الرجال في الكرامة الإنسانية، أما الحقوق والواجبات فموزعة بحسب فطرة الله التي فطر كلاً من الرجال والنساء عليها لتتم عِمارة الكون.
و فى الكتاب المقدس الاصحاح الثانى من سفر التكوين والعدد :18 .. “وَقَالَ الرَّبُّ الإِلهُ: «لَيْسَ جَيِّدًا أَنْ يَكُونَ آدَمُ وَحْدَهُ، فَأَصْنَعَ لَهُ مُعِينًا نَظِيرَهُ»، و من خلال هذه الآية أعطى الله لحواء بعض الصفات فما هي صفات هذا المعين؟ و معنى كلمة “معين” حتى نفهم صفاته ومسؤولياته ، علينا أن نرجع لمصدر الكلمة وهو “عون- أعان- يعين-عونا فهو معين”. وبالرجوع إلى قاموس اللغة والإعلام نقرأ :” عون-عاون- معاونة-عوانا علي الشيء: ساعده. وفي الدعاء ( رب أعني ولا تعن عليّ )- تعاون – معونة. أما المعاني الأخرى المترادفة لهذا المعين كما يسردها قاموس اللغة فهي : مساعد- منجد – مخلّص- معاون- مداوي – يشفي- يفيد – يعزز- يقوّي – يصلح – عامل-رفيق – مساعد ، وكلمة “نظير” تعني نفس المستوي أي أنها ليست أدنى منه في القيمة، ونحن نعّبر عن المعين أو المساعد باليد اليمنى، وهي كناية عن القوة والشدة، واليد التي يعمل بها الإنسان، ويستند عليها ،والصفة الثانية لهذا المعين هو: الصلاحية والقدرة على المساعدة ،والصفة الثالثة :هي القدرة على تحمل المشقات الناتجة عن هذه المساعدة ،والصفة الرابعة :هي القدرة على مشاركة الآخرين في الأفراح والأتراح وتحمل مسؤوليات الحياة معا ،والصفة الخامسة لهذا المعين:هي تكميل بعضهم البعض، أي القيام بعمل ما لا يستطيع الشريك الآخر أن يعمله ، ومن هنا نعلم أن هذا ما قصده الله تعالى لآدم حين أعطاه حواء، وليست حواء فقط؛ بل كل إمرأة على وجه الخليقة .
لذلك نوجه الشكر لدعم الفاتيكان و الأزهر الشريف وإمامه الأكبر الدكتور أحمد الطيب، لحقوق المرأة و هى التى أثبتت نجاحها في تولي المسؤوليات والمساهمة في دعم مسيرة التطوير وتنمية المجتمعات، لا سيما في ظل التحديات الراهنة التي تقوم فيها بدور محوري في الحفاظ على كيان الأسرة والمجتمع ، بما تقدمه المرأة في دعم عجلة الإنتاج وحفظ الأمن والاستقرار.