مناطق النفوذ، (٣من٣)
تكلمنا سابقاً عن نشوء التنظيم ومصادر تمويله والمعارك التي خاضها واليوم سنلقي نظرة على المناطق التي يسيطر عليها والأخرى التي له وجود فيها من خلال مؤيديه.
إستطاع تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام (داعش) بسط نفوذه بشكل مثير للقلق عبر الشرق الأوسط وأفريقيا وماوراءهما. كما أنها أجرت إتصالات مع تنظيمات إرهابية أخرى بهدف تنفيذ هجمات عبر العالم. إن الصور المرعبة التي نشرها التنظيم لم تلفت إنتباه العالم فقط وإنما جذبت متطوعين متطرفين من فرنسا وألمانيا والمملكة المتحده.
قامت تركيا في إيلول (سيپتمبر) ٢٠١١ بإعادة أكثر من ٨٠٠ أوروبي حاولوا الإنضمام إلى التنظيم. تبقى تركيا الممر الرئيسي للراغبين بالإنضمام إلى التنظيم الذي خاض معارك ضارية ضد ميليشات حزب الإتحاد الديموقراطي الكردي على الحدود التركية إنتصرت في نهايتها الميليشات، بعد عدة أشهر من القتال، بمساعدة الدعم الجوي الأميريكي.
تعتبر الكويت الدولة الوحيده في المنطقة التي سلمت من الإصابه بڤيروس داعش الإرهابي بسبب موقعها جنوب العراق الذي يسيطر عليه الشيعة حصرا، مشكلا منطقة عازله. لاشك أن أهم المناطق التي يسيطر عليها هذا التنظيم الإرهابي تقع في سوريا والعراق وليبيا مع حلفاء وموالين له في مناطق أخرى من الشرق الأوسط وأفريقيا.
يحتل التنظيم حالياً مساحات كبيرة من سوريا إعتباراً من معقله في الرقة والموصل في العراق، تمكن بعدها من السيطرة على جزء كبير من الأنبار بما فيه الرمادي عاصمة اللواء وإقترب من أبواب بغداد. عندما سيطر هذا التنظيم الإرهابي على مدينة تدمر الأثرية السورية في بادية الشام بدون قتال لإنسحاب القوات السوريه منها، أصبحت تسيطر على منطقة تمتد من الرقة، عاصمة التنظيم الإرهابي، حتى الحدود العراقيه السورية شرقاً والأردنية السورية جنوباً.
إتخذ التنظيم من ليبيا مركزاً للتدريب وتصدير إرهابه إلى تونس ومصر وبشكل أقل على بقية العالم العربي. يسيطر التنظيم حالياً على كامل مدينة ‘سرت’ الساحلية وعلى ‘ديرما وحاوارا’ وفشلت محاولاته لإحتلال ‘مسراطه’. يُذْكَرُ أن عديد مقاتليه في ليبيا يربو على ٣٠٠٠ مقاتل.
بايعت مجموعة ’أحرار السنة‘ في بعلبك – لبنان، أبابكر البغدادي ’خليفة‘ للمسلمين، حيث حاولت خلاياه النائمه السيطرة على قرى لبنانية في القلمون، على الحدود السورية اللبنانية، بزيادة عدد المسلحين في المنطقة في بدايات عام ٢٠١٥ ولكن حزب الله تمكن من منعهم من تحقيق أهدافهم.
أعلن أبو بكر البغدادي في نوفمبر الماضي أن التنظيم أقام دولته داخل العربيه السعودية. كما أن التنظيم إعترف بمسؤوليته عن تفجير عدة مساجد شيعية، وقيام مسلحين متحالفين معه بالدعوة لإستهداف المواطنين السعوديين الشيعة. أما في اليمن، فقد أعلنت الدولة الإسلامية رسمياً، في مطلع عام ٢٠١٥ عن تنصيب خليفة في اليمن. تعمل مجموعاته في وسط وجنوب وشرق البلاد خاصة في تاريم وحضرموت حيث أغاروا على عدة مواقع عسكريه.
في سيناء مجموعة مسلحة معروفة بإسم “إقليم سيناء” غيرت إسمها إلى “جند الخليفة” تيمناً بجند الخليفة الجزائريين، الموالية للتنظيم وقامت بعدة تفجيرات إنتحارية وتبادل إطلاق نار وإغتيالات وقطع أعناق، وتبنت علم الدولة الإسلامية الأسود.
تعتبر تونس من قبل أن يُقتل ٣٨ سائحاً في المنتجع الساحلي في سوسة من أكبر مصدري مقاتلي الدولة الإسلامية بتقديرات تصل إلى ٢٤٠٠ متطوع منذ عام ٢٠١١، كما أن مدينة ‘تاتوين’ نقطة إنطلاق المسلحين من وإلى ليبيا. في ١٨ آذار (مارس) ،٢٠١٥ قُتِلَ مسلحان من داعش مع ٢٣ شخصاً لدى الهجوم على متحف ‘باردو’ في العاصمة، كما إعتقل المسؤولون التونسيون في شباط (فبراير) الماضي ١٠٠ مشتبه بهم من المسلحين مع أدلة مصورة بالڤيديو تبين تأثرهم بالدولة الإسلامية وأبدى أنصار الشريعة دعمهم للمجموعة المذكورة.
هناك دلائل قاطعه عن وجود التنظيم الإرهابي في پاكستان وأفغانستان. فقد وُجِدَتْ آثار تدل على وجوده في إقليم ‘خَيْبَر پاختونخوا’ وپيشاور من خلال كتابات على الجدران وتوزيع نشرات من قبل الجماعات الإسلاميه المحليه تدعوا لدعمه. كما أن ‘جماعة الأحرار’ التي إنشقت عن طالبان، أعلنت ولاءها ودعمها لداعش. يحتل تنظيم داعش أيضاً خراسان، المنطقة التي تضم تاريخياً پاكستان وأفغانستان وجزء من الهند، حيث أعلن ناطق بإسم التنظيم، في كانون الثاني (يناير) الماضي رغبة القيادي السابق في تنظيم طالبان “حفيظ سعيد خان” رغبته بخدمة داعش كحاكم للإقليم. بالرغم من عدم أي وجود رسمي للتنظيم في أفغانستان، فقد قامت مجموعة مسلحة تَّدعي ولاءها له بمهاجمة طالبان في الوقت الذي حاول فيه التنظيم نفسه تجنيد الشباب الذين هربوا من طالبان. كما رفعت مجموعة من المقاتلين العلم الأسود قرب العاصمة كابول وفي منطقة “حسكة مينا” من إقليم ‘نانغاهار’ التي إدعى القيادي المحلي السابق في طالبان “أبو خالق” بأنه ممثل داعش. شوهدت الأعلام السوداء أيضاً في مناطق “غزنِه ووارداكوخاك صفيد وفرح وهلمند وزبول”.
النتيجة: إذا عدنا قليلاً إلى الوراء، نجد أن هناك أسئلة كثيرة محيرة لم نحصل على إجابة لأي منها. تشير الدلائل إلى أن هذا التنظيم الإرهابي كأنه تشكل في غفلة من الزمن. إذ ليس من المعقول أن يحصل على آلاف الشاحنات الصغيرة ذات الدفع الرباعي من صانع واحد، هو تويوتا وعلى ذلك الكم الهائل من الأسلحة وتجنيد الآلاف من المقاتلين الأجانب دون أن يلاحظ أحداً كل هذه النشاطات، وكأن كل تلك الإستعدادات هبطت من السماء دفعة واحدة. هذا التجاهل يجعلنا نعتقد جازمين أنه متعمد ويهدف إلى تحقيق مآرب إقليمية خاصة ليس لأهل المنطقة أي علاقة بها.
العامل الهام الآخر اللافت هو عدم جدية أي جهة إقليمية كانت أو دولية بالقضاء على هذا التنظيم الوحشي. ليس هذا فقط بل إن إحتلاله منطقة الرقة في سورية والتوسع شرقاً حتى الحدود العراقية وإحتلال الموصل في العراق خلال ثلاثة أيام ثم إتجاهه جنوباً إلى الأنبار وتمركزه في الرمادي عاصمة الإقليم القريبه من بغداد وسيطرته على تدمر بدون قتال يجعلنا نشكك كثيراً بالأهداف الخبيثة وراء هذا الصمت.
إذ ليس من مصلحة النظام العراقي الطائفي قتاله ودحره لأنه يقاتل الأكراد وحلفاءهم الإيزيديين الذين إستقلوا ذاتياً عن الحكومة المركزيه ماأدى إلى الترحيب بالتنظيم ومساعدته في المناطق السنية وسط العراق. بالمقابل، ليس من مصلحة النظام السوري القضاء علية لأنه يهاجم الجيش السوري الحر وبقية المجموعات المسلحة الأخرى المعارضة للنظام. والغرب يقف موقف المتفرج لأنه يدير أزمات المنطقة من بداياتها دون وجود نية جدية لإنهائها.
وسط الإنتقادات الشديدة لموقف الدول الغربية عامة والولايات المتحدة خاصة، قامت الأخيرة، بذر الرماد في العيون، وشكلت تحالفاً يضم ستين دولة بهدف الهجوم جواً على معاقل التنظيم والقضاء عليه. مضى حتى الأن مايقارب العام على تشكيل التحالف والقيام بمئات وربما الآلاف من الطلعات الجويه دون أن تحقق الهدف الرئيسي. إن الغرب يعلم مصادر تمويل التنظيم ولم يعمل على تجفيفها ولو أن التنظيم أصبح ذاتي التمويل بعد سيطرته على المناطق الغنيه بالنفط في سورية وجزء من العراق.
حتى روسيا التي دخلت على الخط مع مئات من جنود الحرس الثوري الإيراني الذين إنضموا حديثاً إلى مقاتلي حزب الله، بحجة القضاء على الإرهاب، إتبعت النهج نفسه. إذ تفيد مصادر إستخبارات وزارة الخارجيه البريطانية أن واحده فقط من كل ٢٠ غارة من الغارات الجويه الروسية تقصف معاقل داعش وباقي الغارات تنفذ ضد المدنيين والتنظيمات السورية المسلحة المعارضة النظام. أما الإيرانيون وعناصر حزب الله فتقوم بمهمة مماثله براً.
لاتوجد حتى اليوم نية فعليه للقضاء على داعش من قبل أي طرف من الأطراف الفاعلة في المنطقة بإنتظار،على مايبدو إعادة ترتيب أوراقها.