كتبت : سوسن شمعون
إن رعب و هول الفاجعة التي خلفتها الأزمات العربية أثمر أوضاعاً مادية و اجتماعية متردية لم تترك مجالاً للبعض إلا الهروب من جحيم وطنهم ليرتموا في جحيمٍ أشد قسوة و ألم , فأولئك الذين يلجؤون إلى دولٍ أخرى في محاولةٍ منهم البحث عن الأمان و السلام و فرص عيشٍ كريم هم في حقيقية الأمر يجازفون بأرواحهم و أرواح من معهم ليعانوا من استعباد و استبداد لم يعهدوه من قبل , إن مسألة اللجوء للمهاجرين من بطش الحروب أخذت أبعاداً جزء منها سياسي و الآخر يتعلق بغريزة البقاء و محاولة الاستمرار, فهناك من استقر حاله ولكن التبعة على الكم الهائل من الناس الذين تركوا ما بقي لهم في وطنهم ليحظوا بحماية غربية و هم بالنتيجة يعيشون تحت رحمة أنظمةٍ لدول لم يألفوا حقيقتها من قبل ولا هي تألفهم , و من هنا يبدأ الشرخ الكبير بين المهاجرين الجدد و أصحاب الأرض الأصليين , فأولئك المهاجرين هم أناس من الدرجة العاشرة بالنسبة لأصحاب البلد المضيف مهما حاولوا تجميل الصورة , و إن ما حدث و يحدث من إحجام بعض الدول عن استقبال منكوبي الحروب (والتي كانت صناعتها بالأساس) ربما يكمن من باب الحرص على أمن و ثقافة و سيادة هذه الدولة أو تلك على رعاياها , أو للابتعاد عن الفوضى التي ستحدث نتيجة تصادم عقليات و ثقافات متباينة في المفاهيم و أيديولوجيات متباعدة في المبادئ , والآن بما أن الدول العربية اجتمعت (أخيراً) على الإعراض عن السوريين و فتحت أوروبا ذراعيها بمكر و لأهداف غير سامية لهم, نسمع جيداً أن من هؤلاء أو أولئك من يسعى للقضاء بشتى الأشكال على أكبر عدد ممكن من أفراد الشعب السوري سواء بتصدير المرتزقة و الشواذ و المجرمين لبلدنا أو إرسال أسلحة غربية الصنع شرقية الهدف , أو إقامة حواجز بحرية و برية لإيقاف تدفق الهاربين من ويل الحروب , و إجبار الناس على التسلل خفيةً عبر زوارق الموت , و الأبشع من الموت هو ذلك الوقوف المذل و المرير على حدود تلك الدول التي صدّرت الخراب لبلداننا العربية , و كبارهم يتحدثون و يتهربون من مسؤولية تحمل اللاجئين , إذ أن قضية اللجوء أصبحت هي اللاجئة بشكل أو بآخر بين تلك الدول و لا تجد سبيلاً أو مستقراً لإمكانية حلها و كيفية تدبر أمر اللاجئين , و مازال الإرهاب يصدّر لبلادنا و مازال أبناؤنا يبحثون عن منافذ توصلهم لبر الأمان , و مازالت تلك الدول (الإنسانية) تمارس لعبتها العبثية في تقاذف مهمة الالتجاء و الاحتواء جاعلةً من القضية السورية (قضية العصر) دون منازع , و بذلك يتم طي القضية الفلسطينية في أدراج الأمم المتحدة و أرشيفها الذاخر بالمآسي و القضايا التي لا حل لها , و بالنتيجة سيكون المصير نفسه في التسويف و التواكل و التأجيل و رمي التهم ثم الإهمال و إصدار قرارات أممية غير ملزمة كما كان مصير قضية العرب الأولى (فلسطين ) . فقرار إعدامنا غرقاً أو حصاراً أو غربةً ليس بأيدينا بشكلٍ كامل , فهناك غايات و مآرب مادية و اجتماعية و اقتصادية لتهجيرنا , ومنها إنشاء سوق العمالة الرخيصة التي تتكون من الشباب المهاجر والأدمغة العلمية الضائعة لإعادة هيكلة الدول الأوربية المتهالكة تحت وطأة الديون و العجز المالي , و يظهر دور هذه الدول بأقسى صور الاستغلال و الاضطهاد ضد أبناء القضية الجديدة , و ضد القضية ذاتها لتبقى لاجئة تحتاج لقمم عالمية تعطيها صفة الديمومة و تعطي (لكبارهم) صفة القتلة المترسمين بزيٍ حديث لا تظهر عليه آثار دماء أو سلب أوطان , إن الفخ الحقيقي الذي وقعنا فيه نحن الشرقيون في سورية و العراق و ليبيا و غيرها يكمن في أن هناك منهجية واضحة لتهجيرنا من أرضنا و إبقاءها خاوية على عروشها (ونفطها ) ليعيد التاريخ كذبة احتلال فلسطين (أرض بلا شعب لشعب بلا أرض ) فمن هو الشعب الجديد لأرضنا المتهاوية ؟
إن ما قيل منذ سنوات في الإعلام الغربي عن حدوث عصر جليدي في القارة الأوروبية بعد سنوات طويلة ربما يجيب عن هذا السؤال.
وهل نحن الآن على أبواب حربٍ كونيةٍ ثالثة تفني وجودنا و تُبقي على أعراق معينة ذات انتماء غربي ليس له صلة بتراث ولا تحضر ولا مدنية بل لا يُعرف من تاريخه إلا الهمجية و الخداع و إبادة الشعوب و الاستعمار مكانها كما حدث لسكان أمريكا و استراليا الأصليين ؟