بقلم: تيماء الجيوش
نعلم تماماً و كذلك معظم النساء اللواتي تعملن في التشريع و السياسة أن هناك جانب للعمل السياسي يُقارب المخاطرة و يتجاوز أحيانا خطوطاً حمراء إن كان تهديداً ، إعتداءً، أو أغتيالاً.
أنا سأبقى لأنني أريد أن تقتدي بي النساء الأخريات . هذا ما ذكرته السيدة نانسي بيلوسي في معرض أحد لقاءاتها مع الإعلام . هي كسرت سقف الرخام و تجاوزته لم تدعه يمنعها من عملها السياسي و قيادتها له .
نانسي بيلوسي ،المرأة ، رئيسة الكونغرس الأمريكي ، و النائبة تُعدُّ الهدف الأكثر تعرضاً للتهديد و الوعيد بل والاعتداء . وما وقع مؤخراً لها من هجومٍ على منزلها كان يستهدفها شخصياً لم يجانب هذه الحقيقة ، التقارير المختلفة ذكرت أن المعتدي كان يصرخ أين هي نانسي؟ هو ذات الصراخ حين هوُجِم الكونغرس في السادس من كانون الثاني ٢٠٢١ أين هي نانسي؟
هذه المرة وللمصادفة كانت غائبة عن منزلها فوقع الاعتداء على زوجها ( ضربتان على أعلى الرأس بالمطرقة)
المعتدي قال في التحقيق أنه أراد أن يأخذها رهينة و يستجوبها فإن لم تقنعهُ أجوبتها كان سيحطم ركبتيها بالمطرقة. لكن ولسبب تواجدها في ولاية ثانية ذلك اليوم ،لم يستطع تنفيذ خطته ، لم يجدها المعتدي بل وجد زوجها بول بيلوسي فقام بالاعتداء عليه عوضاً عن ذلك. بوحشية الوصف هذه هكذا ما كان قد حدث. مجموعة من المعلومات المُضللة Misinformation
كادت أن تكون سبباً في أن تودي بحياة رجلٍ بريء و الأهم أنها بالدرجة الأولى موجهة ضد إمرأة عملت من أجل الجميع رجالاً و نساءً. مجموعة من المعلومات المُضللة لم تقدم من شيء و لا يُحتسب لها سوى إساءتها للديمقراطية ، إثارة الشكوك حول نزاهة نظام الانتخاب الذي هو عماد النظم الديمقراطية و رفع سوية العنف إلى درجة الإيذاء و القتل .
السيدة نانسي بيلوسي وُلِدت لأبوين أمريكيين كاثوليكيين من أصولٍ إيطالية في بالتيمور ولاية ميريلاند.
والدها توماس اليساندرو . Thomas D’Alesandro Jr
عمل في المجال السياسي و كان نائباً في الكونغرس الأمريكي. درست نانسي القانون ، تزوجت و انجبت خمسة أطفال خلال ستة سنوات ، عندما قررت دخول المُعترك السياسي ، كانت تعلم يقيناً أن دورها كأم قد منحها الكثير من القوة وهي غالباً ما تمازح بشأنه و تشير اليه بفخر من حيث أن مهام المرأة الأم لا تنتهي و لا حصر فهي الدبلوماسية و المربية و السائقة و الممرضة و المعلمة …الخ. نجحت بيلوسي في أن تكون نائبة في الكونغرس الأمريكي.
كان هذا في انتخابات العام ١٩٨٧ وحينها كان عدد النساء النائبات في الكونغرس الأمريكي ٢٤ نائبة فقط و في ظل عدم ترحيبٍ يُذكر بالنساء اللواتي يتقدمن للعمل في المجالين السياسي و التشريعي.
بيلوسي جلبت معها أمران هامان من تراثها العائلي ، الإنساني ، السياسي ، أولهما أن تهتم بعدد أصوات الناخبين و كم بلغ أو يبلغ و ثانيهما و هو الأهم أن تستمع الى قاعدتها الانتخابية بعمقٍ و احترام.
استمرت في العمل لعقودٍ دون هوادة و ما يُحتّمُ عليها ذلك من أن تكون على اتصالٍ مباشر مع قاعدتها الانتخابية مؤثِرةً أصواتهم و اقتراحاتهم .
و كسابقة هي أول إمرأة في تاريخ الولايات المتحدة تصبح رئيسة للكونغرس speaker house. ما بعد الهجوم على منزلها ، غالبت دموعها أكثر من مرة في لقائها يوم الاثنين ٧ تشرين الثاني/ نوفمبر على قناة ال CNN Anderson Cooper 360
كانت كما هي إمرأةً صُلبة متوازنة ذات خبرة لا يضاهيها فيها أحد ، تعلم تماماً أن السياسة معترك صعب ، وتدرك أن العديد ينظر الى تجربتها و انها باتت نموذجاً للعديد من النساء ، أكدت السيدة بيلوسي أنه آن الأوان للتعافي مما تمر به الولايات المتحدة من انقسامٍ سياسيٍ حاد ، وأن هذا الأمر هو عملاً مناطاً بالديمقراطيين و الجمهوريين على حدٍ سواء ، وان الديمقراطية ليس مكاناً لمثل هذه الاعتداءات. و عرَّفتها بأنها:
A democracy is freedom to vote in free and fair elections
ثم تابعت القول أن ما تريده حقاً هو حزب جمهوري قوي. عندما سُئِلتْ عن أثر ما حدث على عملها لم تنفي نفياً قاطعاً أثره و نتائجه لكنها كانت كما هي و كما عهدها ناخبوها فخورة بعملها وما أنجزته كإمرأة و نائبة لا أحد يستطيع أن ينال من ذلك، ففي المجال التشريعي هي رئيسة المجلس التشريعي الأمريكي ( الكونغرس) و هو يلي مباشرة منصب الرئيس ، و هي كانت أول من اعتلى هذا المنصب ممهدةً الطريق لمن يليها من النساء ، دافعت عن المرأة و حقوقها و دعمت دخول النساء السياسة من كافة أطيافهم المختلفة وبأن يكون التمثيل متساوياً في المجلس التشًريعي لا سيما نساء الاقليات . أكدّتْ أن التنوع أساسي و أن جلوس المرأة بمشاركتها السياسية ستثري كماً و نوعاً.
“It’s not that we’re saying that women are better than men. The beauty is in the mix. You have to have diversity of opinion at the table, whether it’s men and women, people of color, young people.”
أضف على ذلك وعندما كان النقاش على أشدَّهِ و لا يتمتع الحزب الديمقراطي بأغلبية في العام ٢٠١٠ كانت هي من أصّرَ على ما يُعرف اليوم بقانون Obama care. بتمريره و التصويت عليه في المجلس و نجحت بذلك. رأت أن نجاح المرأة يعني نجاح مجتمع ووطن بأكمله. و تجد في تمثيل ناخبيها شرفاً عظيماً يسبق ما عداه
Greatest honor I have, though, is to represent the people of San Francisco. To walk on the Floor of the House – every time I walk on, I think, «They chose me to be the one to speak for them»
ما بقي في حوزة السؤال هو تأثير ما يشابه هذا العنف الذي وقع على قرار العديد من النساء في ولوج العمل السياسي ؟ لعل الجواب المختصر هو من يؤمن بالديمقراطية و يعمل لاجلها يعلم حق العلم أن هذا لن يثني أحداً من التقدم و الانخراط في الشأن السياسي ، هي مسألة قيم، هي مسألة خيار أن تكون وأن تعمل . الديمقراطية هي مسألة كرامة إنسانية . السيدة بيلوسي سيدة التشريع ، كنت ولا زلت نموذجاً للقيادة ، للمرأة ، للقيم المدنية ، للدفاع عن الديمقراطية، لك تُرفع القبعات دوماً.