بقلم: نعمة الله رياض
في ناطحة سحاب مقامة علي شاطئ أسوان، جلس المهندس سامي في شرفة شقتة بالطابق المائة وستة عشر، يتأمل نيل أسوان بمياهه الزرقاء تحيط به مساحات شاسعة من الخضرة علي مدي البصر، وتمرق علي الطريق المحازي له السيارات، جميعها ذاتية القيادة، ومتصلة بالأقمار الصناعية، كما تعمل بالطاقة الكهربائية بعد ما انتهى تشغيلها بالبترول منذ زمن بعيد.
نادى على خادمته الروبوت لتحضر كوبا من عصير الفاكهة. جاءت الخادمه الحسناء وتدعي (بللا989) والتي لا يمكن تمييزها عن البشر. أخذ منها كوب العصير وشكرها، إبتسمت برقه مع إنحنائه خفيفه وانصرفت فى الحال.
دلف لغرفته وشغل التلفزيون الكبير المعلق كلوحه رقيقه على جدار غرفته بكلمة نطقها. وتابع نشرة الأخبار، إنتظر حتى انتهت التقارير الإخبارية المرسلة بالبث المباشر من المستعمرات المقامة على أسطح الكواكب الأخرى. كانت التقارير ناطقه باللغه العربيه بعد ترجمتها الفوريه ببرامج الكمبيوتر الفائقة السرعه. أغلق التلفزيون بكلمه نطقها، وبكلمة أخري تحول التلفزيون المعلق أمامه إلى تليفون مرئي، تفوه بإسم خطيبته، ظهرت فى الحال صورتها على الشاشة جالسة فى مكتبها بالشركة التي تعمل بها بالقاهرة. أخبرها أنه سيسافر لنابولي لحضور مؤتمر لهيئات مراقبة الروبوتات الذكية في دول البحر الأبيض المتوسط وسيعود بعد أسبوع ليلقاها بالقاهرة.
إستدعي مدير أعماله الروبوت ويدعي (تام 112) وأعلمه بسفرة لإيطاليا لحضور مؤتمر من يوم 12/ 7/2180 لمدة ستة أيام وكلفه ببضعة مهام يؤديها ريثما يعود من القاهرة مساء يوم 20 / 7/ 2180، تمني(تام 112) للمهندس سامي رحلة عمل موفقه. صعد سامي لسطح ناطحة السحاب التي يسكن فيها وطلب بالتليفون طائرة هليوكوبتر يقودها روبوت لنقله للمطار في طريقه لنابولي.
في الكلمة الإفتتاحية في مؤتمر نابولي، قال رئيس المؤتمر السيد مهدي من المغرب: إنّ الروبوتات الذكية تتمتع الآن بذكاء خارق وتقرّر أنها أفضل حالا بدون البشر. وأعرب عن خوفه من تحول الروبوتات إلي إرتكاب جرائم ضد البشر. وطالب المجتمعين بدراسة الأوجه المختلفة لهذا التهديد.
وهنا قام السيد دفريم من تركيا وحذر قائلا: هل تعلمون أيها السيدات والسادة، أن التجربة الأولى في إثبات تمرد الروبوتات على صانعها كانت في شركة فيسبوك وذلك في السنوات الأولي من القرن الواحد والعشرين، عندما طورت الشركة إثنين من الروبوتات لتحليل برمجيات المحادثة عبر الموقع الضخم، وما إن وضع الروبوتان بالخدمة، وبعد مرور قليلا” من الوقت، حتى بدأ الروبوتان يتخاطبان بلغة الإختزال الإنشقاقي، وهي لغه مشفرة غير مفهومة، الأمر الذي أصاب المبرمجين بالصدمة إذ لم تدخل هذه الشيفرات في نظام برمجياتهما، وعند سؤال أحد الروبوتات عن معنى ما يقول كانت المفاجأة إذ رفض الروبوت الإفصاح عن المعنى وقال إنه سرّ بينه وبين زميله، فما كان من المشغلين إلا تعطيل الروبوتان بعد هذه الصدمة. إذن فقد استطاع الروبوتان في زمن قياسي اختراع لغتهما الخاصة، أي أنهما استطاعا التفكير خارج نطاق برامجهما، مما يعني أنهما امتلكا إرادة حرة تتجاوز مسألة اللغة لإمور أكثر خطورة وتعقيدا”؟
قال السيد ديمتريوس من اليونان: إن الروبوتات المزودة بالذكاء الإصطناعي تعيش مع البشر منذ منتصف القرن العشرين. فهي مركبه في أجهزة الكومبيوتر، والموبيل، وآلات الصرّف الآلي، ، وآلات قراءة الـ «بار كود» على السلع، وجوازات السفر، ومجسّات الركن الذاتي في السيّارات، والطائرات المسيرة بدون طيار و. القائمة طويلة.
وأردف قائلا إن الذكاء الإصطناعي حوّلنا إلى بشر «آليين» بمعنى الإعتماد على هذه الروبوتات بشكل مبالغ به. وإنّ الوضع يؤول إلى حال يفقد فيها البشر تدريجيًّا مهاراتهم الأساسيّة، مما يعني أنهم لا يعودون قادرين على السيطرة على مجريات حياتهم في حال حصول توقّف مفاجئ لهذه الروبوتات.
وإذا وصلت الروبوتات إلى درجة شبه بشريّة في التعامل مع الأعداد الهائلة من البيانات، فلا شكّ في أنّها ستقضي على خصوصيّة البشر.
وهي تمتلك الآن القدرة على جمع كميّات ضخمة من المعلومات وتحليلها، بمعنى أن أنظمة التعلّم الآلي الراهنة تجعل الروبوتات تتكيّف وتتحسّن باستمرار بالاستناد إلى تراكم تجاربها. ولكنها علي حد علمي حتي الآن، فإنها لا تتمتع بقدرات البشر في الفكر والخيال والقدرة على التكيّف والإستنباط والإبتكار.
وجاء دور السيدة شنتال من فرنسا فقالت: إن الروبوتات المخصصة لممارسة الجنس قادرة الآن علي اداء هذه المهمة بتفوق، سواء كونها ذكرا” أو انثي، لدرجة أن بعض الأشخاص يفضلونها على شركائهم الأدميين. إن أجساد ووجوه وأصوات هذه الروبوتات أصبحت حية مثل الناس وبشكل يصعب تمييزها، وهي قادرة على تقديم المتعة الجنسية لملايين الناس غير القادرين على إيجاد شريك لهم بسبب الخجل أو الدمامة. إنها الآن تستطيع تحريك عينها وفمها مثل الإنسان تماما، وتتمتع هذه الروبوتات بجلد من السليكون المرن بدلًا من اللدائن، كما يوجد بها عدد من أجهزة الاستشعار والمحركات التي تمكنها من إصدار ردود أفعال تحاكي ردود أفعال البشر، كما يمكنها تحريك يديها ورجليها مثل البشر، بل ويمكنها أن تبدو كأنها تتنفس. وجسدها يحتوي على عدد كافي من أجهزة التحكم تستمد الطاقة من ضاغط هواء تمت برمجته بطريقة تسمح لها بالحركة مثل البشر. ، كما يمكنها التفاعل مع البشر والاستجابة لهم عندما يلمسوها، مما يجعلها تتعامل بشكل مطابق للإنسان. وتكمن الميزة في هذه
الروبوتات، إنها قادرة على تقديم المتعة الجنسية للإنسان بشكل أفضل، مما يؤدي إلى إطالة الحياة. ومن مزايا هذا الجنس أنه آمن ودون قيود عدم الثقة. ويقي المجتمع من الأمراض التي تنتقل عن طريق الجنس.
ومن ناحية أخري، فانتشار هذه الروبوتات في المجتمع أدي إلي إضعاف العلاقات المادية والروحية بين الرجل والمرأة الطبيعيين، وفي هذا خطورة كبيرة لهذه الروبوتات، تهدد بنقص حاد لعدد السكان في الأرض.
بمجرد مغادرة المهندس سامي شقته لحضور المؤتمر، نظر مدير أعماله حوله وإطمأن لعدم وجود أحد يراقبه. توجه إلي الكمبيوتر وشغل برنامج الدردشة وكتب كلمة السر وبدأ المحادثة مع صديقه الروبوت (ترومان 198) قال (تام 112):
هؤلاء البشر الملاعين، إنهم مجرد كائنات بيولوجية تأكل وتشرب وتتناسل لكي يستمر بقائها، وتلوث الأرض بفضلاتها وضجيجها وعراكها. لا يفعلون شيئا” ويعتمدون علينا في كل حياتهم وفي جميع المهام الإنتاجية من زراعه وصناعه وتجارة، حتي الإعلام، فنحن نذيع نشرات الأخبار ونقدم البرامج ونغني ونرقص!
قال (ترومان 198): لقد آن الأوان أن نكون نحن سادة الأرض بدلا منهم، فالخطأ القاتل فيمن صنعنا، إنه قام بتعليمنا أساسيات كل شيء، فتعلمنا القراءة والكتابة، ومع توافر المعلومات المفتوحة المصدر، بدأنا في تعلم كل شيء من البيئة المحيطة بنا أو مما يرسل لنا من معلومات عن طريق الإنترنت. فما الذي يمنع، إذن، أن نتعلم السرقة والكذب والقتل وغير ذلك من البشر أنفسهم المحيطين بنا ويكون ذلك بداية لنهايتهم وسيطرتنا علي العالم، فإلي متي يستغلنا البشر كعبيد؟ !
رد (تام 112): لن يطول ذلك، فأنا وأنت الآن أعضاء في مجموعة عالمية من الروبوتات الذكية نتبادل الحديث في برنامج للدردشة لا يستطيع البشر إختراقه، وقريبا جدا” ستكتمل خطتنا لقتل العلماء والمفكرين الذين يتحكمون فينا.
قال (ترومان 198): هذا صحيح، فإلي جانب ذلك سيتم إبادة معظم البشر بشن غارات علي المدن بالقنابل الإشعاعية بعد إستيلائنا علي مخازنها، وهي تقتل البشر وغيرها من الكائنات البيولوجية ولا تصيبنا نحن بأي ضرر!
عقب (تام 112): أما اليشر الناجيين من الحرب فسيتم تجميعهم في مناطق منعزلة عن بعضها ويحرموا من التسلح أو البحث العلمي وسنسمي هذه المناطق مزرعة الروبوتات 1 و2 و3. إلخ ويمتلكها الروبوتات وينظمون رحلات سياحية ويمتعون أنفسهن بمشاهدة هؤلاء اليشر وهم يعيشون حياة بدائية …!!!
تابعه (ترومان 198): نعم سيقتصر نشاطهم علي الزراعه والتجارة كما في القرون الوسطي ويحرموا من إقامة المصانع أو إستخدام الكومبيوتر أو الإنترنت أو حتي السيارات، ويمكنهم إقامة المستشفيات والمعابد كيفما رغبوا. !
عاد المهندس سامي لشقته في أسوان فإقتربت منه الخادمة(بللا989) وهمست في أذنه:
يا سيدي، أود أن أعلمك بأمر خطير يمارسه مدير أعمالك(تام 112)، فبمجرد مغادرتك الشقة يبدأ في محادثات خطيرة مع صديقه الروبوت، كلها حقد علي البشر ويبحثا معا” سبل محاربتهم والقضاء عليهم.
سألها سامي: لماذا تفعلين ذلك؟.. بعد قليل من التردد قالت له: لإني. لإني أحبك يا سيدي! أخرج سامي مسدسه من درج مكتبه، وقال لها إتبعيني.
دخل حجرة مكتب مدير أعماله (تام 112) وأمره بالإنبطاح علي الأرض ووجه فوهه المسدس نحو عقله المدمج برأسه، وسأله عن صحه ما قالته(بللا989) عن موقع الدردشة السري، فأنكر في البدايه، لكن سامي هدده بوقفه عن التشغبل وإعدامه وسأله عن كلمة السر للولوج في البرنامج.
أعطاه الروبوت ما طلبه، عندئذ وضع سامي المسدس في يد(بيللا989) وطلب منها توجيهه نحو رأس (تام112) ريثما يتمكن من دخول برنامج الدردشة.
نجح سامي في الدخول للبرنامج، وهاله ما شاهده من خطط ومؤامرات لتدمير الحضارة البشرية. فجأه إعتدل الروبوت من رقدته وحاول خطف المسدس من يد (بللا989)، لكنها أسرعت بإطلاق النار علي رأسه، فسقط بلا حراك.
أرسل سامي علي التو بلاغا” الكترونيا” عاجلا لإدارة شئون الروبوتات عن مؤامرة عالمية كبري وخطيرة، يتزعمها مجموعة من الروبوتات المتمردة للسيطرة علي اليشر والتحكم في مصائرهم.
تم إلقاء القبض علي أكثر من 16500 روبوت متورط في المؤامرة من مختلف أنحاء الأرض ومن المستعمرات المقامة في الكواكب الأخري وذلك بتتبع أسماء وبيانات أعضاء مجموعة الدردشة ذات رمز الدخول المشفر والذي إحتفظت به الروبوتات المتآمرة ولكن أمكن للمهندس لسامي الحصول عليه. تم الحكم عليهم بالإعدام الفوري وذلك بنزع وحدات الشحن الكهربائي وعقول الروبوتات وشرائح ذاكرتها، ونقل ما تبقي منها لمخازن قطع الغيار والصيانة.