بقلم: هيثم السباعي
حدثت خلال الفترة الممتدة بين صدور الحلقة الخامسة، من سلسلة المقالات هذه ومقالة هذا العدد، تغيرات مهمة على الأرض السورية بعد التدخل الأميريكي وتوجيه الضربة الجوية لمطار الشعيرات بإستخدام صواريخ “پاتريوت” العابرة للقارات سنتطرق لها فيما بعد نظراً لأهميتها وذلك بعد إستكمال الحديث عن أهداف روسيا من التدخل بهذه القوة في سورية.
لاشك أن سياسة أوباما الخارجيه التي تبنت نظرية عدم التورط بأي عمل عسكري جديد خارج بلاده، فسح المجال أمام روسيا لتفردها بأغلبية القرارات المتعلقة بسوريا التي سنأتي على ذكرها بعد قليل.
كان ولايزال من أهم أهداف روسيا، تثبيت وضعها الإستراتيجي شرق المتوسط وضمان إستمراره لفترة مقبلة طويلة الأجل. حققت هذا الهدف بتوقيع إتفاقية مع الحكومة السورية، أعتقد قبل أشهر قليلة، تخولها إستخدام قاعدتي حميميم الجوية وطرطوس البحرية لمدة ٤٥ عاماً قادمه. قامت روسيا قبل التوقيع وبعده بإجراء تعديلات هامة طورت فيها القاعدتين ونشرت فيهما صواريخ أرض-جو متطورة من طراز “إس-٣٠٠ وإس-٤٠٠” كما رصدت الأقمار الصناعية الغربية منصتين لإطلاق صواريخ إسكندر القادرة على حمل رؤوس نووية. تعتبر روسيا أن نشر هذه الصواريخ مهمٌ جداً لأنها تقع على مقربة من الحدود الجنوبية لحلف شمال الأطلسي (الناتو) وهو رد، ولو أقل قوة، على نشر الغرب لجدار الصواريخ حول حدودها في پولونيا ودول البلطيق (أستونيا لاتڤيا وليتوانيا.)
كنت قد ذكرت، سابقاً على هذه الصفحة أن روسيا وقعت أيضاً مع الحكومة السورية في نهاية عام ٢٠١٤ عقداً آخر يُخَولها التنقيب عن الفحوم الهيدروجينية (النفط والغاز) وإنتاجها وإستثمارها لمدة ٢٥ سنة قادمة. فحققت بذلك مكاسب سياسية وإقتصادية. يضاف إلى ذلك أن روسيا جعلت من الأرض السورية وقصفها للمناطق الواقعة تحت سيطرة المعارضة المسلحة حقل تجارب لأسلحتها التقليدية والحديثة. فقد أطلقت صواريخها العابرة للقارات من سفنها الحربية الراسية في ميناء طرطوس ومن إحدى قواعدها في بحر قزوين ومن قاعدة همذان الإيرانية التي وُضعت تحت تصرف القوات الجوية الروسية. كما جربت كاسحة ألغام برية (لمرة واحده في دوما) والقنابل الفراغية وقنابل النابالم وقنابل الفوسفور الأبيض الحارقة وغيرها.
عندما أصرت حكومة أوباما على دعم قوات سورية الديموقراطية، مادياً ومعنوياً وتسليحاً بهدف المساعده بالقضاء على تنظيم داعش الإرهابي، غضبت تركيا لأنها تعتبر أن هذه القوات ذات الأغلبية الكرديه هي فرع من حزب العمال الكردستاني الذي تصنفه تركيا على أنه إرهابي وأنها في حرب معه. وجدت تركيا نفسها كعضو في حلف الناتو أن أميريكا وحلفاؤها تخلوا عنها. قام إثر ذلك “رجب طيب أردوغان” الرئيس التركي بالإتصال “بڤلاديمير پوتين” الرئيس الروسي وأصلح ذات البين وسوء التفاهم الذي نجم عن إسقاط الطائره الروسية أواخر عام ٢٠١٥، على ما أذكر. رحب الرئيس پوتين بهذا التقارب إعتقاداً منه بأنه أبعد أحد أعضاء الناتو عن الحلف ولكنه نسي أن تركيا لايمكنها الإستغناء عن الحلف والعكس صحيح.
تركيا أدت وتؤدي خدمة هامة لروسيا حسب تقرير صدر بتاريخ ١٦ آذار (مارس) ٢٠١٦ عن مجموعة الأزمات الدولية وهي مؤسسة غير حكومية مقرها بروكسل-بلجيكا بعنوان: “تمرد شمال القوقاز وسورية: تصدير جهاد” تناول العلاقة بين أزمات شمال القوقاز السياسية والإجتماعية والإقتصادية التي تعاني من القهر والظلم والإهمال، في روسيا الإتحادية وبين داعش في سورية. يؤكد هذا التقرير بالإضافة لدلائل أخرى على أن روسيا إستخدمت سورية للتخلص من بضعة آلاف من المقاتلين الجهاديين الإسلاميين الذين كانوا يشكلون خطراً على أمنها الداخلي. ربما لم تكن روسيا فقط من وجد في الأزمة السورية فرصة مناسبة للتخلص من الشباب المتطرف دينياً والمهيأ لممارسة العنف بأي مكان يحل به، لكنها بالتأكيد كانت أهم اللاعبين بورقة الدولة الإسلامية في سورية. يؤكد التقرير، من جهة أخرى، حقيقة أن تركيا بقيت تتغاضى عن إنتقال آلاف الجهاديين المتطرفين إلى سورية عبر حدودها.فقد كانت السنوات الممتدة بين ٢٠١٢-٢٠١٤ سنوات تجميع ماتراه حكومات العالم “عبئاً بشرياً” يجب التخلص منه على الأرض السورية.
بعد أن إستعرضنا أهم الأهداف الجيوستراتيجية لتدخل روسيا سنناقش في العدد القادم مؤتمرات الأستانه وأهدافها والتي بدأت بعد إخراج المعارضة المسلحة من شرق حلب بتنازل تركي مقابل دعم روسيا لتركيا بمقاومتها قيام أي دولة كردية في خاصرتها الجنوبية.