بقلم: تيماء الجيوش
غالباً ما يرد تعبير مواطنو الدرجة الثانية على فئات اجتماعية تُعامل دون احترام لحقوقها بالمجمل و تتناول بانتهاكاتٍ صريحة وواضحة لحقوقها الأساسية بما ينعكس على ممارسة تتسع مساحتها لتشمل أحياناً حق الترشح والانتخاب، تقييد حرية التجمع و التعبير، قيود أخرى تُفرض على اللغة و الدين و التعليم، انتهاكات ترسمها قوانين متعددة تشمل منع حق التملك او الملكية ، الزواج، الطلاق، التعليم، العمل، حق منح الجنسية، و ربما حصر الإقامة في مناطق جغرافية محددة. و بتعبيرٍ أدق أن حاملي جنسية دولة ما و لكونهم مواطني الدرجة الثانية ليس بالضرورة هم حاملي ذات الواجبات و يتمتعون بذات الحقوق. بل على الغالب يقع التمييز ضدهم و في حياتهم اليومية.
وليس في استخدام تعبير مواطني الدرجة الثانية شيئاً من الكرامة الإنسانية، هو في حقيقة الأمر يُستخدم و بقصد الإهانة المباشرة في حلقاتٍ غير رسمية على تعددها ….الخ. أما على الصعيد السياسي فغالباً ما تنفي الحكومات هذا التصنيف او وجوده كواقعٍ مُعاش لدى حلقات اجتماعية معينة ، بل ولا تُشير إليه تشريعاتها الوطنية و المحلية من قريب او بعيد.
من وجهة نظرٍ نسوية، ولو تمّ تحليل الشرائط الاجتماعية، الاقتصادية ، الثقافية و السياسية التي تسقط بأثقالها على عاتق المرأة العربية من حيث ممارستها لحقوقها لوجدنا أن نساء العرب هم مواطني الدرجة الثانية. ربما الصورة الأقرب و الأشدُّ إيلاماً تتجلى في مجموعة من التشريعات والقوانين التي تُميز ضدهن بصورة لا مراءة فيها. تمتد من جرائم الشرف و الأعذار المخففة/ المحلة إلى سن الزواج( زواج الصغيرات) الى عقود الزواج و الصفة و الصيغة فيه، الى حق الإرث، الملكية، العمل، التعليم ، الصحة ….
لو اقتربنا من خطوطٍ عامة أكثر و وفقاً للبناء الاجتماعي تدخل المرأة في عقد قانوني هو الزواج كفريقٍ فيه و أحياناً دون موافقتها لتجد نفسها أسيرة له لا تستطيع إنهاؤه بإرادتها المنفردة ، عليها واجب الطاعة وإلا فهي ناشزة. تُحرم العديد من الفتيات صغيرات السن من التعليم ليُدفعنْ إلى الزواج في عمرٍ قد لا يتجاوز ١٥ لأسباب تتراوح ما بين الفقر إلى صعوبة التعليم إلى العمل إلى الضغط الاجتماعي و الممارسات الخاطئة .
مع العلم أن البعض من الأُسر و لأسباب معينة تُبقي زواج أطفالها شرعياً و ليس قانونياً ( أي بحضور رجل دين و شهود و مهر و إيجاب وقبول) . بمعنى آخر يبقى هذا الزواج بعيداً عن السجلات الرسمية.
كل هذا يتم و لا يزال يُمارس وفقاً لقواعد الأحوال الشخصية التي تقوم على معتقدات ثقافية و قوانين كالشريعة التي تؤثر و بشكلٍ مباشر على مركز المرأة القانوني حقوقها وممارستها لهذه الحقوق.
لن يقف الحديث عن المرأة و العنف ضدها في كل مناسبة و حين ما دام هناك ضحايا له. الشرح، التحليل و ما يطرأ عليه من عوامل ذاتية و موضوعية مؤثرة، إعادة الشرح لن يقف ما دام هناك ضحية.
دور القانون و الديمقراطية و احترام حقوق الإنسان دعائم دفعت بحقوق المرأة في دول الغرب نحو مزيدٍ من الاحترام و المساواة. بينما بقيت أحوال المرأة العربية تتأرجح على هامش المتغيرات السياسية و الاقتصادية و الاجتماعية التي نالت من المجتمعات العربية كافة و إن بدرجاتٍ متفاوتة . لا يُمكن أن يُفهم هذا التمييز ، و لا يُمكن أن يستمر طالما أنه يُولّدُ عنفاً ضد المرأة.
هذا الانتهاك / التمييز منافٍ لكل منطقٍ قانوني، إنساني بل و أخلاقي.
الأخلاق هي محورية في العنف ضد المرأة. وفي تعريفها ، الأخلاق هي شكل من أشكال الوعي الإنساني، هي مجموعة من القيم والمبادئ التي تستند إليها الشعوب و منها العدل و احترام الحريات الفردية و المساواة والتي تُميز الإنسان عمن سواه، و من ثم تعتمدها كمرجعية ثقافية تستند إليها القوانين والتشريعات.
و عموماً القواعد الأخلاقية هي معايير يُقاس عليها السلوك الإنساني.
كلا من المسؤولية الأخلاقية و المسؤولية القانونية هنا تتطلب الوعي الفردي . تختلفان في أن الأولى هي أوسع و أشمل ، الضمير الإنساني هو من يتولاها و تأتي الأخلاق لتقدير أفعال الفرد وتوازنها داخلياً. بينما المسؤولية القانونية يحددها القانون و المحاكم و القضاة و دورها هو في ضبط الأفعال خارجيا و تحديد ماهية الفعل إن كان جرمياً أم لا.
الانحدار الأخلاقي يبدأ بقبول جرائم ضد المرأة و اعتبارها جزءً لا يتجزأ من تقاليدنا و ثقافتنا ، الانحدار الأخلاقي يبدأ بأن نقبل مقتلة شابات عربيات على أبواب جامعاتهم ، أن نرى دماء نيرة أشرف في جامعة المنصورة في مصر ، و دماء إيمان أرشيد في جامعة العلوم التطبيقية في الأردن ، و في سوريا تُربط بحبالٍ في سقف بيت و تُعذّب ثم تُقتل. هذا هو الانحدار الأخلاقي. الانحدار الأخلاقي هو في ممارسة القوة و السيطرة دون رادعٍ من قانونٍ أو ضمير، اعتبار المرأة كائناً تابعاً ليس له الحق في حرية الرأي و التعبير ، بل قمع المرأة و ذبحها بات معياراً لأخلاق مجتمعاتٍ كاملة. و كان الأولى و الأجدى أن يكون المعيار لهذه المجتمعات هو دعم متبادل بين إفرادها، بين أسرها، بين الرجل و المرأة. كان الأولى و الأجدى احترام القانون الدولي و حقوق الإنسان و معاهداتهما. الأمر ليس سباقاً في توقيع و تصديق هذه المعاهدة أو تلك ، بل هو جلب معايير القانون الدولي إلى التشريعات المحلية و اعتماد احترام الحقوق صلب الممارسة و التطبيق و حينها فقط لن تُذبح نيرة اشرف أخرى و لا إيمان أرشيد أخرى. لكل نساء العرب من ضحايا العنف لكن السلام ، لكن السلام ، و لن يهدأ البحث و العمل ما دام هناك إنتهاكٍ لحقوقكن ، ما دام هناك عنف قانوني يغازل و يغض الطرف عن واقع اجتماعي ثقافي متخلف عفا عليه الزمن و مضى. نساء العرب ، نساء العالم لكُنّ الكرامة، لكُنّ السلام.