بقلم: محمد منسي قنديل
ليس هذا انصافا لنجيب محفوظ، ولكنها مجرد محاولة لرد الاهانة عنه، لدفع السنة السوء التي مازالت تلاحقه حتى بعد وفاته، فالرجل قد أنصف نفسه وهو على قيد الحياة، كان زاهدا ومحددا، نأى بنفسه عن كل المتسلقين والمنافقين للسلطة، ونجا بحياته من طعنات المتعصبين والمتشددين، وتمثل صبر الفلاحين المصريين حتى جاءت له جائزة نوبل طائعة وكان أكبر منها، وأكبر من كل الذين ناؤه، إن الجهل آفة كما يقولون، واديبنا الكبير مازال مستهدفا، فلا يكفي أن التيارات السلفية التي مازالت تعيش في ظلمات القرون الوسطى كانت تعاديه، بل وحرضت ايضا على قتله، ولكن ها هم بعض من محدثي السلطة، الذين خرجوا علينا من صناديق الانتخابات الفارغة، يطالبون برفع الدعوى القضائية عليه بتهمة خدش الحياء، دون أن يتكلفوا عناء قراءته، يخرج أحد اعضاء مجلس النواب ليدلي بجهله، ويؤكد اميته رغم ادعاءه أنه حاصل على دكتوراه في القانون.
لا اود أن اذكر هنا اسم النائب الذي تطاول على نجيب محفوظ، فهو لا يستحق الشهرة التي يبحث عنها، لكنه يثير قضية مهمة حول المستوى الفكري للنواب الذين يمثلوننا، والذين يقال أن الشعب قد اختارهم بكامل ارادته، ما هو مستواهم العقلي؟ وماهو مفهومهم للدور الذي يقومون به؟ وهل هم نواب للشعب حقا أم اوصياء عليه؟
في كل انتخابات تخوضها مصر، لا تكف اجهزة الاعلام عن التغني ليلا ونهارا بالعرس الديمقراطي، ولا تتورع عن اضفاء صفات النزاهة والشفافية عليها، مهما كان المرشح ومهما كانت نوع الانتخابات، أنه «فرح عمدة» تستنفر فيها اجهزة الاعلام اقصى طاقتها، وتنطلق فيها الحناجر دون حرج، وبعيدا عن كل هذا الضجيج فإننا نعرف جيدا أن كل هذه الانتخابات يشوبها العوار، ليست حقيقية ، ولو رفعت أي قضية ضد أي او واحدة منها ، سواء كانت عامة أو نقابية، ونظر القاضي جيدا في الاوراق فإنه سوف يقوم بإبطالها، ولم تخرج الانتخابات الأخيرة لمجلس النواب عن هذه الزفة الكدابة ، وربما كانت الأسوأ، فقبل أن تتم عملية الانتخاب حدث اكثر من اجتماع في أحدى الاجهزة السيادية لاختيار النواب الذين سينجحون ويدخلون المجلس ليكونوا كتلة «دعم مصر»، الكتلة التي ستساند الحكومة والتي تضم العدد الاغلب من النواب، كل القوائم قد تم تجهيزها مسبقا، وكل الاسماء المختارة قد نجحت قبل ان تفتح الصناديق وقبل ان تفرز البطاقات، ولم يكن ما حدث بعد ذلك إلا مجرد رتوش، استكمال للمشهد، خلق الانطباع أن لدينا نوابا منتخبين ومجلس نواب حقيقي.
بالطبع هناك استثناء في بعض الاعضاء الذين دخلوا المجلس بطريقة صحيحة، استثناء يجب أن يكون حتى تكتمل ملامح الصورة، هناك نواب لم ترد اسمهم في تلك القائمة السيادية، لم يتم اختيارهم او دعمهم، وبالتالي دخلوا المجلس دون أن يكونوا مدينين لأحد، لم ينضوا تحت الكتلة الغالبة التي تؤيد، ولكنهم كانوا اقلية، مواقفهم لا تؤثر، لا تغير مسار الجلسات ولا تقلل من عدد الايدي المرفوعة بالموافقة.
لم يعد هناك مجال للاعتراض على ذلك فهذه هي طبيعة الأمور، ويبدو من الصعب تغيرها، ولكن ألم يكن من الممكن ان نغير من قواعد اللعبة قليلا، ان نحسن اختيار الرجال الذين سيمثلوننا في هذا المجلس، فمادامت الامور تتم بالاختيار من اعلى فلنختر العناصر الافضل، الاكثر ثقافة وحرصا وتفتحا، والأهم من ذلك أن يكون لديهم ايمان بالحرية ، حرية الرأي على وجه التحديد، لأن هذا جزء اساسي من الدور الذي يقومون به داخل المجلس، نوع من تغيير الوجوه التي تطل علينا رغما عنا في كل مرة، ربما يقومون بدورهم بشكل افضل، لن نجد بينهم اناس يكون مطلبهم الأول هو تعديل الدستور الذي كان مبررا لوجودهم في المجلس، وأن يكون مطلبهم الثاني هو زيادة مرتباتهم وبدلات انتقالهم قبل أن يقوموا بأي عمل، لن نجد بينهم لصوصا يشاركون في سرقة شواني القمح، أو يخرج منهم نواب يؤيدون ختان الاناث، رغم أنه جريمة ضد انسانية الصغار، أو الانشغال بمهاجمة «ابلة فاهيتا» دون أن يستوعبوا انها مجرد دمية، او ينشغلوا بتبادل الفيديوهات الجنسية بين هواتفهم اثناء الجلسات، أو يقوم نائب منهم بمساومة امرأة عن نفسها لمجرد أنها طلبت منه خدمة، لم تكن لتحدث كل هذه التصرفات السوقية لو احسنا اختيار الاعضاء، ولم يكن شخص مثل النائب سالف الذكر يتجرأ بمهاجمة نجيب محفوظ والمطالبة بسجنه.
المشكلة أن هذا النائب الموقر كان ضمن لجنة تناقش حرية التعبير وعقوبة الحبس المسلطة على رقاب المبدعين، خاصة عقوبة «خدش الحياء» التي بسببها يقبع الاديب احمد ناجي داخل السجن، وبدلا من أن ينتصر النائب للحرية ويحاول انقاذ نفس بريئة من ظلمات الحبس اخذ يوزع اتهاماته حتى على الموتى، وكان من رأيه لو أن احدا قد تنبه لنجيب محفوظ في ذلك الوقت لأدخله السجن، وعندما سئل النائب المحترم عما إذا كان قد قرأ ادبه اعلن أنه فعل ذلك وهو صغير، قرأ رواية الجبل والحرافيش ورأى فيهما خدش للحياء، الامر الذي جعله لا يعاود القراءة مرة أخرى، ويبدو واضحا من كلماته أنه لم يقرأ نجيب محفوظ اصلا، فلا توجد رواية له بهذا الاسم، وربما كان النائب يشير إلى كتاب قديم لفتحي غانم وهي ليست رواية بقدر ما هو تحقيق صحفي عن الذين يحفرون في الجبل بحثا عن الآثار، أما رواية الحرافيش فهي ملحمة انسانية عن اجيال متعاقبة من البشر وهي ابعد ما تكون عن أي تناول جنسي، ولا ادري ما لذي خدش حياء النائب فيها ، ويبدو أن هناك من نبهه الى هذا الخطأ فاستدرك في اليوم التالي وصحح قوله بأنه لم يقصد كتب محفوظ ولكنه قصد الافلام التي اخذت عنه، وضرب مثلا بفيلم السكرية يوجد فيه مشاهد للجنس الجماعي، ويبدو أنه هو وحده الذي رأى هذه المشاهد، وهناك بعض من الناس يولدون ولديهم عيب خلقي لا تكون فيه الاعضاء التناسلية موجودة في النصف الاسفل من الجسم، ولكن في مكان آخر داخل الرأس، بها يرى العالم ويتفهمه، وبها يصدر احكامه.