بقلم: تيماء الجيوش
يميل البعض غالباً الى قراءة عامٍ مضى . ينظر في حصيلته و ما تمّ فيه ، مقدماته و نتائجه و ربما تأثيره على أعوام قادمة . وربما الحال في العام 2022 لا يختلف كثيراً عمّا سبقه. ما كان علامة فارقة فيه هو بدء عودة الحياة اليومية إلى نمطٍ طبيعي بعيداً عن الوباء الذي ألقى بظله لعامين كاملين اتسمتا بعزلة في سبيل منع انتشار المرض في المجتمع و ازدياد عدد حالات الإصابة . فقد الآلاف حياتهم خلال الوباء ، أخلى بتوازناتٍ عديدة و غيّر ثقافات و شرائط لم تكن بالحسبان.
وفي هذا العام أيضا الذي تتسارع أيامه الأخيرة تقدمت أسماء نساء اخترن الشجاعة في الحياة السياسية وكم هي الشجاعة في السياسة ضحلة. نساء صنعن التاريخ لم يترددن في اتخاذ موقفٍ و كن يعلمن تمام العلم أن شجاعتهن تعني خسارة أصوات انتخابية و تمثيل نيابي . كان نصيب الشمال الأمريكي أن تبرز فيه إمرأتان أولهما ليز تشيني التي وقفت مدافعة و بضراوة عن القانون و الدستور و الأسس الديمقراطية عبر عملها كنائبة في الكونغرس الأمريكي عن ولاية وايومينغ و من ثم اختيارها كعضو في لجنة الكونغرس التي تتولى التحقيق في أحداث السادس من يناير او كانون الثاني للعام ٢٠٢٠ والتي وقعت فيها أعمال شغب أدّتْ الى مقتل و جرح عدد من الأشخاص حينها و تمحورت حول الطعن في الانتخابات الامريكية و رفض نتائجها التي أودت ب دونالد ترامب الى خسارة السباق الرئاسي للبيت الابيض . هذا الشغب والعنف الغير المسبوق و عدم قبول ما تُمليه صناديق الاقتراع هو ما رفضته تشيني جملة و تفصيلاً داعية الى ألتزام القواعد الدستورية و عدم زعزعة الثقة في العملية الانتخابية وشفافيتها. ليز تشيني لم يكن خافٍ عنها و في تصاعد المد الشعبوي أن موقفاً كهذا يعني خسارة سياسية لها . و هذا ما حدث عملياً حيث انفّضت عنها حاضنتها الانتخابية المحافظة و خسرت مقعدها في الكونغرس بنتيجة الانتخابات في شهر تشرين الثاني نوفمبر ٢٠٢٢. لكنها وقفت وبثبات ضد ما يمس الأسس الديمقراطية. من يتابع عملها السياسي سيجدها قد رفضت مبدأ الصمت ، رفضت أن تُشارك في الحّط من شأن ديمقراطية دستورية دفع الكثير دمائهم من اجل بنائها عبر منعرجاتٍ تاريخية و حربٍ أهليةٍ نازفة. بالرغم من الظروف الأستثنائية و صعوبتها تابعت ليز تشيني أداء واجبها الدستوري كإمرأةٍ منُتخبة تقوم بما يُمليه عليها قسمها الدستوري. لم يكن لديها أية مساحة للانصياع الانصياع للأستقطابات السياسية او الحزبية . ما كان ولا زال لديها هو الدفاع عن الديمقراطية و محاولات تقويضها . التمسك بالقانون و المبادئ الأساسية التي تحمي الحريات و الديمقراطية.
المرأة النموذج الثاني هو نانسي بيلوسي التي حملت إرثها السياسي و من خلال عملها كنائبة في الكونغرس ومن ثم رئيسة له كانت تعلم تمام العلم أن المخاطرة في العمل السياسي قد تتجاوز المعقول أحياناً وتتراوح ما بين اعتداء و تنديد و تهديد بالقتل ضدها و ضد أفراد أسرتها و لعل ما حدث من اعتداء على منزلها منذ شهرين و إصابة زوجها بضربات مطرقة على رأسه من قبل المعتدي و من ثم اعترافه من انه اراد تحطيم ركبتيها بذات المطرقة هو ما تقشعر له الأبدان و ما يشير بوضوح الى العنف السياسي ضد المرأة . نانسي بيلوسي أعلنت أنها لن تُرشّح نفسها للدورة الانتخابية بعد عامين. سيبقى لها الذكر أنها دافعت عن المرأة و حقوقها ، دعمت دخول النساء السياسة من كافة أطيافهم المختلفة ، نادت بأن يكون التمثيل متساوياً في المجلس التشًريعي لا سيما تمثيل نساء الأقليات . أكدّتْ أن التنوع أساسي و أن جلوس المرأة بمشاركتها السياسية ستثري كماً و نوعاً . . ما قالته عن المرأة و مستقبل مشاركتها السياسية و تقدمها للانتخاب
«We’re at a threshold, tipping point, you call it whatever you want to call it, but it’s different. It’s a transformative place because these women marched, now they’re running, they’re going to win, and they’re going to make a tremendous difference.”
«نحن الآن على عتبة نقطة تحول ، سمها ما شئت ، لكنها مختلفة، انه تحول المكان لأن النساء هاتيك سُرنْ ، يجرينْ و سوف ينتصرنْ ، وهن من سيصنعن فرقاً هائلاً. « هذا ما كان عليه الأمر في الغرب أو بالأحرى في الشمال الأمريكي . أما في الشرق فقد كانت هناك شجاعة من نوع اخر ، شجاعة إمرأة عادية لم تطرق أبواب السياسة ولم تشارك بها، بل كانت بعيدة عنها ، هي شجاعة مهسا اميني، أو انتفاضة المرأة في إيران . كان الرد على مقتل مهسا اميني هو تظاهر النساء و الرجال ثم مزيداً من التظاهر . مهسا ألقت القبض عليها شرطة الاخلاق لعدم ارتدائها الحجاب بصورة ملائمة.ردت مهسا على الاهانات و الشتائم التي وُجِهتْ لها من قبل أفراد الشرطة فكان أن قاموا بضربها وتعذيبها و من ثم موتها على أيديهم. مهسا قُتِلتْ و هي تدافع عن كرامتها. شعار التظاهر في إيران بعد مقتلها WOMAN, LIFE , FREEDOM . كان إمرأة، حياة، حرية.
بات لهذا الشعار أصدائاً تتردد في أرجاء القارات و مؤثراً بما يدفع منطقياً مجلة التايم الأمريكية لأن تختار نساء إيران نساءً لهذا العام نظراً لبطولتهن و صمودهن. أُلغيت شرطة الأخلاق في إيران بالنتيجة و لا زال أمام النساء كل النساء مسيرة طويلة لمزيدٍ من الحريات و احترام الحقوق و الديمقراطية. كل عامٍ وانتم جميعاً بخير . كل عام ونحن في مجتمعاتنا نساءً و رجالاً وأطفالاً نعمل لمزيدٍ من السلام ، السلام الدائم، الكرامة و المساواة ولن يخبو أملاً ما دام هناك نساء يعملن و يجاهدن بشجاعة و دون مساومة.